عمَّان ـ عقدت في "نادي القصة والرواية" بالعاصمة الأردنية عمَّان ندوة لمناقشة وإشهار الرواية العاشرة لصبحي فحماوي بعنوان "قاع البلد"، تحدث فيها الناقد أ. د. أحمد العرود من جامعة البلقاء، والشاعر احمد ابو سليم، وقدم المؤلف فحماوي كلمة قصيرة حول تجربته في هذه الرواية، وذلك في "بيت الثقافة والفنون"، بحضور الهيئة التأسيسية لـ "نادي القصة والرواية"، الذين انتخبوا الروائي صبحي فحماوي رئيسا للنادي بالأردن، وهم حسب ترتيب الحروف: الروائي إبراهيم الفقيه، الناقد أ. د. أحمد ياسين العرود، الناقد د. حسام العفوري، الناقد أ. د. زيد القرالة، الروائي صبحي فحماوي، الناقدة أ. د. عالية صالح، الناقد أ. د. عبدالباسط مراشدة، الناقد أ. د. عبدالرحيم مراشدة، المهندسة قمر النابلسي، ميرنا حتقوة، أ. د. نجود حوامدة. وفي بداية الندوة التي قدمتها ميرنا حتقوة، قال الدكتور أحمد ياسين العرود: إن رواية "قاع البلد" تتمدد في ذهنيّة المتلقي لتمنح القارىء كثيرا من حرية التأويل، ولهذا فإنني عندما أكملت قراءة هذه الرواية وجهت نظري نحو شخص الرواية الرئيس الذي شكل محور الفعل الروائي في (قاع البلد)، إذ يلفت النظر في قراءة شخصيّة (الهربيد) وهي شخصيّة جاذبة يتقبلها الآخر مع تعدده، فالمرأة، أو التاجر، أو الشيخ، أو الدرويش، أو العجوز المقهور، أو الطالب الأزهري، كل هؤلاء كانوا يتقبلون (الهربيد) ويقيمون معه العلاقة التي تربطهم به. لقد جسدت شخصيّة الهربيد حالة من التاريخ العربي الفلسطيني بكل أبعاده وأهمها التهجير، والمقاومة، فالهربيد هو هذا الفلسطيني الذي عاش حياته في فلسطين وحل به ما حل من الاحتلال الصهيوني وانتقل إلى مدن عربية ومنها (عمان) ساحة الفعل الروائي في رواية (قاع البلد). ولهذا فإننا نصنّف رواية "قاع البلد" (برواية الشخصيّة) التي جعلت الشخصيّة هي محور الحدث. وأضاف د. ياسين أن القدرة الروائيّة للروائي صبحي فحماوي تتمثل في تقديم الأحداث المزدحمة في حياة الشخصيّة من خلال (ما يسمى السرد المكتنز) الذي يقدم الحدث الروائي القابل للتأويل من قبل المتلقي، ويجعل الأحداث تتوالد في ذهن المتلقي عبر القراءة والتأويل إذ إن الشخصيّة الروائيّة (الهربيد) هي التي تولّت "السرد الفاعل" في الرواية. وبهذا البناء الدراماتيكي للشخصيّة جاء بناء رواية (قاع البلد)، لتحمل في بعدها الدلالي حركة المجتمع والواقع والتحولات التي مست العرب عامة والفلسطنيين خاصة بعد حرب الخامس من يونيو/حزيران، وما سبقها من احداث. ولعل تقديم الرواية بما اختاره الروائي من قول للشاعر حيدر محمود "أيوب لم يصبر كما يتوهم الحكماء عن جبن، ولكنَّ السوافي أسلمته إلى السّوافي في ظهره مليون سكين، وفي رئتيه آبار من السّم الزعافِ" ومن قول لعرار: "بعضهم يشرب للسكر ولكن ** بعضهم يشرب يا شيخ ليصحو." يشخّص حالة الهربيد الذي لم يكن جباناً، وان سكره كان للصحوة والتفكير بالخروج من المأزق. وبعد الدكتور العرود، تحدث الروائي احمد ابو سليم فقال: المكان في هذه الرواية هو وسط البلد في عمَّان. والزَّمن: 1968 أغسطس/آب، بعد نكسة يونيو/حزيران، ومعركة الكرامة بأَشهر. وشخصيَّة الهربيد: هي شخصيَّة بطل الرِّواية التي يدور حولها معظم السَّرد، ماضياً، وحاضراً، ومستقبلاً. تنفتح الرِّواية على مصراعيها في العنوان، الَّذي يقودك مباشرة من يدك إلى المكان، ويقودك المكان بالضَّرورة إلى شخصيَّات متجذِّرة تحمل ملامح هذا المكان. في فندق الوادي، وسط عمَّان، تدور أَحداث الرِّواية، وهو فندقٌّ شعبيٌّ، كفنادق وسط البلد، وملامح الشَّخصيَّات تشبه المكان، وما دام هناك قاع، هناك قمَّة، أَو قمم، وهي الجبال المحيطة بعمَّان، ولها ملامح مختلفة. هل حاول صبحي الفحماوي أَن يؤرِّخ لوسط عمَّان في نهاية الستينيَّات من القرن الماضي؟ بلى، كان ذلك واضحاً تماماً، لذلك تجرَّأت واعتبرتُ المكان حاملاً رئيسيَّاً للنصِّ. لقد رسم المكان بدقَّة، السَّيل الَّذي لم يكن مسقوفاً آنذاك، وشارع الطلياني، والمسجد الحسيني، وما حوله، وما دار آنذاك في المكان من صراع بشريٍّ أَشبه بصراع الغاب، في زمن النُّزوح، والبحث عن موطئ قدم، وإلصِّراع الَّذي أَفرزته سنوات التَّشرُّد، أَي صراع البقاء، وليس من العبث أَن يختار صبحي الفحماوي البالة، وبيعها عملاً للهربيد، وكأَنَّه بذلك يحاول أَن يعقد وجه الشَّبه بين وسط عمَّان، ومن يعيش فيه، مع الملابس المستعملة الَّتي لاكها الزَّمن، وتحاول مع ذلك أَن تبدو جديدة، بالصَّبغ، والكوي....وكأَنَّها تُصارع الفناء. وتحدث صبحي فحماوي عن روايته فقال أإه حمل شخصية "الهربيد" هذه عشرات السنوات في ذاكرته، حتى أنها صارت تؤلمه كمن في كليته حصوة، يريد أن يتخلص منها، فيضطر لإخراجها ولو دامية. وأضاف أن الهربيد كان مدحوراً، ثرثاراً، مثل قطار بخاري ينفث بخاره، فيلفت نظر الجميع، ويجمعهم للتفاعل مع آلامه وعذاباته بعد التهجير القسري الذي ألم به وبأهله عام 1967. وذكر أن أصعب موقف في الرواية كان مشاهدته لأبيه راعي الأغنام وهو يغرق في أحد القيعان المائية في الصحراء أمام ناظريه، رويدا رويدا، بدون قدرته على إنقاذه الذي حاوله بشتى السبل. كان غرق أبيه بطيئاً، وعذابات الاثنين، لا يمكن وصفها إلا بقراءة الرواية. وقد تكون هذه المشاعر التي تتلف خلايا العقل، هي التي دفعته لتحقيق هدفه. إذ أن القارئ يستطيع أن يفسر هذا الغرق، وهذه التصرفات التي شغلت ما تبقى من حياة الهربيد في (قاع البلد)، بالطريقة التي يراها. وأنهى فحماوي حديثه المقتضب بقوله إنه بهذه الروايات العشر، ضمن ستة وعشرين كتابا صدرت له وعن كتاباته، يستطيع أن يقول إنه قد وصل إلى منتصف الطريق، في تحقيق الذات أدبيا.
مشاركة :