على زمن والدي كان الناس -حين يريدون السخرية من منتج ما- يصفونه ب"الياباني".. وعلى أيامي كان الناس -حين يريدون السخرية من منتج ما- يصفونه ب"التايواني".. وحتى سنوات قليلة كان الناس يسخرون من السيارات الكورية ويشفقون على من يشتريها.. .. حتى الانجليز -حين بدأت لديهم الثورة الصناعية- كانوا يسخرون من الألمان ويصفون أي صناعة ركيكية ب"الألماني"!! ولكن ما يحدث دائما هو أن المنتج الصناعي -في الدول الصاعدة- يتحسن بمرور الوقت حتى تصبح سخرية الماضي مدعاة للسخرية في الحاضر.. فمن يتجرأ اليوم على وصف الصناعة اليابانية أو الألمانية بضعف الجودة أو تخلف المستوى؟! وكيف يتجرأ من يعجز عن صنع ملابسه الداخلية ب"الحش" بالصناعات التايوانية المسؤولة عن إنتاج 90% من الشرائح الإلكترونية المفكرة في العالم؟! .. أما بخصوص الصين -الأم الكبيرة لتايوان- فخرجت فعلاً من نطاق السخرية الشعبية بفضل ارتفاع مستوى صادراتها ومنافستها السعرية.. فاليوم لم يعد لائقا سؤال البائع: "هل هذا صناعة صينية؟" كون المنتجات الصينية أصبحت شائعة وطاغية بحيث يمكن للبائع أن يجيبك بسخرية "وهل بقي شيء لم يصنع في الصين؟!" بل يمكنني القول -من خلال مشاهداتي العالمية- أن جميع الدول استسلمت اليوم لفيضان المنتجات الصينية.. فالصناعات الأوروبية لم يعد أمامها سوى التكتل والاحتماء بمنظومة الاتحاد الأوروبي.. والصناعات الأمريكية لم يعد أمامها سوى الانتقال الى اقتصاد المعرفة وترك مهام الإنتاج للمصانع الصينية.. أما الصناعات اليابانية فلم تجد خياراً أفضل من نقل مصانعها للصين نفسها لتخفيض التكاليف واستمرارية المنافسة!! .. أما المذهل أكثر فهو أن الصناعات الصينية انتقلت -في الأعوام الماضية- من مرحلة المنافسة والاكتساح، إلى مرحلة استحواذ واحتكار منتجات بعينها، بحيث سيعاني العالم إن قررت الصين مقاطعته وليس العكس.. فالعالم مثلا (وجميع الأرقام التي سأذكرها خاصة بعام 2011 فقط) لن يحتمل توقف الصين عن إنتاج 321 مليون كمبيوتر شخصي تشكل 90% من الإنتاج العالمي (وتخيل كيف سيتغير مزاجنا حين لا نتمكن من فتح اليوتيوب أو شتم بعضنا في تويتر)!! كما لن يتحمل العالم توقف الصين عن صنع 1,2 بليون جوال تشكل 70% من إنتاج العالم (وتخيل فقط كيف سيعيش أبناؤنا بدون جوالاتهم العزيزة)!! ونحن بالذات لن نتحمل توقف الصين عن صنع 109 ملايين مكيف كهربائي تشكل 80% من الإنتاج العالمي (فهل تتخيل عيشنا خلال الصيف في درجة 50 مئوية)!! وحتى إن تعلمنا العيش في هاجرة الصحراء كيف سنمشي على الرمضاء حين تتوقف الصين عن تصدير 113 مليون حذاء يلبسها 63% من البشر (وتشكل 90% مما نلبسه في السعودية)! وحتما سيعيش العالم أوقاتاً مظلمة في حال توقفت الصين عن إنتاج 320 مليون مصباح كهربائي تشكل 80% من الإنتاج العالمي (وحينها فقط سيكتشف أطفالنا وجود نجوم في السماء)! وبدون شك ستنحسر حركة الإعمار والبناء في حال توقفت الصين عن إنتاج بليوني طن من الأسمنت ترفد 60% من مشاريع العالم.. بل ستتوقف التجارة العالمية برمتها في حال توقفت الصين عن صناعة سفن الشحن، كونها مسؤولة عن توفير 77 مليون طن متري تشكل 45% من سعة الشحن في العالم أجمع!! .. وكل هذا يهون أمام استغناء العالم عن نفطنا العزيز بسبب استمرار الصين في صنع مولدات الطاقة الشمسية (المسؤولة حاليا عن إنتاج 22 جيجاوات من كهرباء العالم)!! .. أيها السادة؛ لنحمد الله على فشلهم في تصنيع النفط ذاته من فضلات 1,4 بليون إنسان..
مشاركة :