العلاقة بين المجتمع والدين أو الفرد والدين علاقة معقدة الى حد كبير لكي نفهم مجرياتها، ولعل السبب العلمي لذلك يتمثل في كون الدين بطبيعته دائما هو مجموعة من التطبيقات والممارسات التي يخضع انتاجها بشكل دقيق لعملية الايمان التي يصعب قياسها عمليا فدلائل فكرة الايمان تبنى على مؤشرات يصعب قياسها، فهي لا تشبه التطبيقات القانونية الصارمة التي تعطي نتيجة محسوسة يمكن الوقوف عليها وقياسها، فالطبيعة الدينية خاضعة لفكرة الايمان أولا لذلك هي عملية صارمة على السلوك الفردي في حال أراد الانسان تطبيقها وعملية هشة في حال أراد الفرد فقط التمثيل في أدائها. الوظيفة الطبيعية للمقدس تشكل قوة ايمانية كبرى تحمل الفرد على تبني فكرة الايمان والرغبة في ممارسة الدين استجابة للرسالة الدينية لذلك يؤمن الناس بدينهم ويمارسون العبادات بشكل ينم عن استجابة طبيعية للدين والتي تتمثل في قدرة الفرد على ان تكون ممارساته الايمانية متسقة بين النظري في الممارسة الدينة والتطبيقي، لذلك تكون العلاقة طردية بين قوة الايمان وانعكاس التطبيق على السلوك الفردي هذا في الحالات الطبيعية للإيمان. التفاوت بين النظرية والتطبيق في الممارسات الدينية يشكل سببًا مباشرًا لإنتاج أفراد مسلمين ضعفاء لديهم الاستعداد لأن تكون ممارساتهم الفردية متناقضة تمامًا مع ممارساتهم أمام المجتمع، لذلك يمكن القول إن هناك علاقة عكسية قوية في مسار التطبيقات الدينية بين الفرد والمجتمع.. الطبيعة الدينية انه يقدم إجابات كثيرة مهمة للأفراد والمجتمع، كما انه يستطيع أن يقدم حلولا لكل فئات المجتمع وطبقاته وهذا ما يجعل الدين مهماً لكل مجتمع فكل فرد في المجتمع بغض النظر عن مكانته المجتمعية او طبقته المادية او قيمته الثقافية، يعمل الدين كوظيفة على تقديم إجابات لكل تساؤلات الفرد المحتملة ويمنحه في ذات الوقت إجابات مطلقة (ميتافيزيقية) وهذا ما يجعل الدين يتصف بالروعة الفكرية العالية، بل يمكن القول بأن هذه الوظيفة للدين هي التي تبقي المجتمعات متسقة ومتعايشة رغم تفاوتها الطبقي والاجتماعي والثقافي. الأديان جميعا تحاول بشتى الطرق والوسائل ان تمنع صراع المجتمعات الداخلي والخارجي عبر تذكير الافراد والمجتمعات بفكرة الايمان وقدرتها على تقديم الحلول للجميع دون استثناء وهذا ما يجعل الأديان ذات التطبيق العالي في ممارساتها صالحة لكل زمان ومكان، وقادرة على التكيف مع معطيات التغير التي تجتاح الطبيعة المجتمعية مع تغير الزمن وتطور الأفكار ونشوء الحضارات وتغير الأمم والسياسيات. الدين مهم للمجتمعات والافراد لأنه حقيقة يحافظ وبشكل أساسي على النظام الاجتماعي وعلى الجانب الآخر يشكل استغلال الدين عنصرا سلبيا في الحياة المجتمعية وتمارس المجتمعات والثقافات خلق التفاوت في هذه الأهمية من عدمها بل يمكن القول بأن التطبيقات غير الصادقة للدين (النفاق) هي عناصر التخريب للمجتمع، ففكرة الايمان في منظورها الخارجي تمثل في تحقيق عنصرين مهمين الأول محاولة الوصول قدر المستطاع الى التناسق والتطابق الكامل بين النظري والتطبيقي في ممارسات العبادات والطقوس الدينية، الثاني البحث عن الإجابات المستعصية غير المتوفرة في الواقع من خلال التفسيرات المتاحة من الفكر والتراث الديني. هذا المنظور يعطينا دلالة واضحة على أهمية التطبيقات الدينية في الواقع الاجتماعي ودور الدين في المجتمع وهو دور أكده العلماء جميعا وخاصة علماء الاجتماع الذين درسوا علاقة الدين من خلال آليات وجوده في المجتمع، لكن الحقيقة المطلقة انتهت لدى الجميع ممن درسوا الظاهرة الدينية أن الدين عنصر أساسي في الاستقرار الاجتماعي بكل انساقه وعنصر أساسي في رسم حياة الفرد بكل جوانبها. الازمة التي يشهدها العالم الإسلامي اليوم لا توحي بهذه النتيجة العملية التي وصل اليها العلماء حول دور الدين وهذا يثير سؤالا مهما يقول: هل تعاني المجتمعات الإسلامية من ازمة فكرية بين النظرية والتطبيق في الممارسات الدينية..؟، قد يبدو الجواب الظاهري نعم ولأنه لا يوجد في الحقيقة دراسات معمقة لقياس مدى الفرق بين النظرية والتطبيق من جانب الافراد في الممارسات الدينية فيمكن القياس على الظواهر الخارجية لعملية التطبيق. إن أخطر فكرة يمكن أن يواجها المجتمع في علاقته بالدين وثقافته هي منهجية انتقال الدين كفكر وممارسات بين الفرد والمجتمع فإذا كانت المجتمع هو الذي يفرض الواقع الديني على الأفراد من خلال ممارسات تخلط بين ما هو ثقافي وديني واجتماعي فإن النتيجة هنا تكون كميات كبيرة من التنظير مقابل كميات قليلة من التطبيق، لذلك يمكن للفرد في هذه الحالة أن يشعر بالازدواجية بين ما يتطلبه المجتمع وبين ما يستطيع القيام به من ممارسات وعبادات. على الجانب الآخر إذا كانت الممارسات الدينية تصعد من الفرد الى المجتمع فإن فكرة الايمان هنا والممارسات تصبح اقوى وأكثر عمقا: لأن الفرد في طبيعته يمكن أن يكون قدوة للمجتمع بينما المجتمع لا يمكن أن يكون قدوة للفرد لأن الدين كفكرة ينتهي لكونه ممارسة فردية تنعكس على المجتمع وليس ممارسة مجتمعية تفرض على الفرد. ولعل التاريخ الديني في كل الأديان الإسلام وغيره، يثبت لنا أن جميع الأنبياء والرسل كانوا افرادا يقومون بدور القدوة والمثال لكي يتبعهم الافراد حيث يكونون في النهاية مجتمعاً كاملاً تعلم الدين والعبادات من خلال علاقة دينية راسخة انطلقت من الفرد نحو المجتمع وليس العكس. ولإثبات ذلك فإن المؤمن في جميع الأديان السماوية يحاسب بشكل فردي عن كل ممارساته لذلك فإن ممارسة الوعظ الجماعي أو الاحتساب بشكل جماعي أو التوجيه الديني بشكل جماعي يجعل من فكرة التماثل بين النظرية والتطبيق في الدين امراً شبه مستحيل حيث تكون الفرصة مؤاتية بشكل كبير لظهور الازدواجية في الممارسات الدينية. هذا التفاوت بين النظرية والتطبيق في الممارسات الدينية يشكل سببا مباشرا لإنتاج افراد مسلمين ضعفاء لديهم الاستعداد لأن تكون ممارساتهم الفردية متناقضة تماما مع ممارساتهم امام المجتمع، لذلك يمكن القول ان هناك علاقة عكسية قوية في مسار التطبيقات الدينية بين الفرد والمجتمع: فكلما كان الفرد هو مصدر ممارسة التطبيقات الدينية وتشكيل القدوة كان التطبيق متسقاً مع التنظير في الفكر الديني، وكلما كان المجتمع مصدر التوجيه وفرض الطقوس الدينية كانت المسافة ابعد بين النظرية والتطبيق؛ حيث يلجأ الفرد الى تبني شخصيتين في حياته شخصية فردية تخصه وشخصية فردية تخص المجتمع الذي يعيش فيه.
مشاركة :