إيمان تروي تجربتها: أبنائي المعاقون علموني الصبر

  • 11/4/2017
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

مي السكري| عالم الصبر والتحمّل مضيء بحكايات وتجارب لمن واجهوا الظروف الصعبة بالإرادة والصبر والتفاني، وقبل هذا وذاك التسليم بالقضاء والقدر، ومن هؤلاء سيدة كويتية تستحق بجدراة لقب «امرأة الصبر والعطاء»، وهي إيمان عبدالرحيم سليمان التي تحمّلت أعباء 4 أبناء جميعهم معاقون، وضربت أروع الأمثلة في التضحية والتجلّد والسير على طريق الصابرين الراضين بقضاء الله وقدره. وإذا كان جود طفل واحد معاق في محيط الأسرة، يحمّلها مزيدا من الأعباء النفسية والاجتماعية والمادية، فكيف الحال بأسرة بها أكثر من إعاقة؟ إيمان سليمان حباها الله بعزيمة وإرادة صلبة، ولَم تستسلم لقدرها وقدر أبنائها، بل أصرّت على مواجهة إعاقة أبنائها الأربعة وغيّب الموت أحدهم متأثرا بشدة الإعاقة ومضاعفاتها، قصة كفاح وعطاء لا ينضب جسدتها الأم المثالية التي قررت أن تدخل عالم الإعاقة لتربية أبنائها وتدرّجت في عملها، بدءا من معلمة إلى مشرفة فنية، ثم موجهة فنية في التعليم الخاص والتربية الخاصة وصارت موجهة للمعلمات في تربية وتعليم الفئات الخاصة. ماذا حدث؟ سليمان التي لم تتردد في الحديث عن تجربتها لـــ القبس، أشارت إلى أنها تزوّجت في سن صغيرة، وكانت تحلم بالسعادة التي تنتظرها أي فتاة، فجاء أول طفل لها وكان فرحة للعائلة جميعها، ثم سافرت وزوجها إلى الخارج لمواصلة دراسته، وهناك استغلت ظروف وحدتها في المجتمع الجديد لتعلم ابنها كل ما يحتاجه طفل مغترب. وجاءت طفلتها الثانية وردة كأجمل ما تكون، وبعد أربعة أشهر لاحظت الأم أن وردتها أخذت تذبل، رغم تعهّدها ورعايتها لها، فعرضتها على الطبيب، وكانت المفاجأة عندما قال لها الطبيب إنها في المستقبل ستكون متخلفة عقليا، فالتصقت الأم بالكرسي الذي يحملها، بل وأحست أنها جزء منه، وهي تقاوم لتنهض هروبا من الموقف ويأبى الكرسي أن يترك جسدها المتهالك، وفق تعبيرها. وأضافت: عشنا على أمل خطأ التشخيص، وأصيب الابن الأكبر بأورام جلدية، وتم عرضه على عدة مستشفيات وكل طبيب يطلب عينة من جلده ليجري عليها اختباراته، ودخل في سلسلة عمليات، وكل عينة يأخذونها كأنها قطعة تنزع من قلبي، والمفاجأة فقد سمعه من دون سبب، وأيضا لا يوجد تشخيص. وتابعت بالقول: قررنا العودة الى البلاد لمعالجة جراحنا ومواصلة مسيرة المستشفيات، والمواعيد، والفحوص، وبعد استراحة المحارب، توجّهنا إلى مستشفى الأمراض الوراثية لدراسة شجرة العائلة، وفحص الحمض النووي والصبغيات DNA للوصول الى تشخيص يؤمّن مستقبلهم، وجاءت النتيجة مطمئنة ولا توجد لديهم أي أمراض وراثية، وما حصل للطفلين السابقين كان مجرد عارض. إعاقة شديدة ولفتت إلى أن الطفل الثالث كان التحدي الأكبر لهم نظرا الى شدة إعاقته مقارنة بإخوانه، حيث شخّص الطبيب حالته على أنها نوع من التخلّف يسمى «متلازمة انجلمان» يصاحبها سلوك توحّدي ونقص نمو وضعف عام، يتطلب رعاية تامة، مشيرة إلى أنها وزوجها خضعا لفحص الوراثة مرة أخرى، ولكن القرار الأخير جاء بالتوقّف عن الإنجاب. ولَم تخفِ سليمان خوفها وقلقها من متابعة أبنائها وهم يكبرون أمام عينيها ويدخلون المدارس، مما دفعها إلى التعاون مع زوجها لتكمل تعليمها في أقرب تخصص يجمعها بهم رياض أطفال، علما بأنه في ذاك الوقت لم يكن هناك تخصص في التربية الخاصة، لتصل بهم إلى أقصى ما تسمح به قدراتهم المتواضعة. ولم يبح الوالدان بمصابهما لأحد، تجنّبا لنظرات العطف والشفقة التي قد تثنيهما عن الهدف، رغم التعب الذي بلغ منهما كل مبلغ. وقررت سليمان أن تضمن لها مكانا مع ابنتها في إحدى مدارس التربية الخاصة، فبعد تخرّجها اتجهت للعمل معلمة في المدرسة ذاتها التي تتعلم بها ابنتها ووجدت لذة في عملها لم تعد لها لذة في حياتها، وفي خضم انشغالها في عملها، وبعد عشر سنوات، ذهبت وزوجها إلى الطبيب ليخبرهما أنها حامل، ولم تتذكر هذه اللحظة إلا ذلك الكرسي الذي شل حركتها، فقررت الأسرة الذهاب إلى بيت الله لأداء العمرة، هربا إلى الله من الناس ونظرات الاتهام وتسحب الأم ثقلها مسلمة أمرها لله وعند الوقوف للصلاة في الحرم، صدح صوت الأمام من سورة الأنبياء. ومرت الأشهر التسعة بالدعاء إلى أن رُزقت بطفل طبيعي، لكن كثرت تساؤلاته وتولد لديه شعور بالوحدة، فكان لا بد من إجابات مبسّطة لتلطيف الجو بينه وبين أخوته، وتأمل الوالدان أن تأتيهم طفلة لتشارك عبدالعزيز، وجاءت أخته الصغرى بتخلّف متوسط، ولكن بخبرة من الأم أوسع. واختتمت حديثها بالقول: تعلمت كثيراً من عملي مع ذوي الإعاقة، وأضفت أفكارا جديدة لمساندة أولياء الأمور، ثم تدرّجت في عملي إلى أن أصبحت رئيسة قسم ثم موجهة فنية في مدارس التربية الخاصة. تدريب الكادر التدريسي شدّدت إيمان سليمان على أهمية تدريب الكادر التدريسي في مدارس التربية الخاصة على كيفية التعامل مع ذوي الإعاقة، لا سيما أنهم يشكّلون نسبة كبيرة في وطننا العربي، مضيفة «بدلا من أن يكونوا أداة هدم، لنصنع منهم أداة بناء، حتى نتمكن من النهوض بمؤسساتنا التربوية والتعليمية، وبالتالي نوجد مجتمعا قويا قادرا على حماية أبنائه على اختلاف فئاته». 10 مهام لمعلم ذوي الإعاقة لخّصت سليمان مهام معلم ذوي الإعاقة في ما يلي: 1- تقييم وتحديد مستوى الأداء التحصيلي الحالي لها. 2- تحديد الاحتياجات الخاصة التربوية والأكاديمية. 3- تحديد الأهداف التربوية والتعليمية لكل طفل. 4- تحديد البرنامج التربوي والتعليمي والبرنامج الفردي والأنشطة. 5- وضع الخطة التعليمية ومستوياتها والمواد والمصادر والوسائل والأنشطة التعليمية المناسبة لحالة الطفل. 6- تحديد أساليب التدريس المناسبة لكل طفل. 7- التقييم المستمر لأداء كل الطفل قبل وأثناء التدريس وبعده ومتابعة التقدّم والنمو التعليمي والمعرفي. 8- استخدام طرق وأساليب تعديل السلوك المناسبة لحالة الطفل. 9- تهيئة المواقف والبرامج الترويحية والأنشطة الثقافية والاجتماعية والفنية والرحلات والزيارات لتعزيز شعور الطفل بالسعادة وتوثق صلته بمجتمعه وبيئته وتحقق اندماجه الاجتماعي. 10- التعاون مع الاختصاصيين كفريق، وتبادل المعلومات اللازمة بشأن نمو الطفل ومشكلاته، وإحالته إلى غيره من المتخصصين عند اللزوم، وبما يحقق مصلحة الطفل. غصة طالَب بعض أولياء أمور ذوي الإعاقة بإنشاء مستشفى خاص تحت إشراف كادر طبي وتمريضي يجيد التعامل مع المرضى من هذه الفئة، متسائلين: إلى متى تستمر حقوق أبنائنا منقوصة؟ فلا رعاية صحية شاملة ولا تعليم يوائم ظروفهم الصحية؟! مبينين أن الوقت حان لاستغلال الإمكانات المادية الكبيرة في تطوير علاج هذه الفئات.

مشاركة :