الضغوط اليومية تزيد الأمراض النفسية

  • 11/5/2017
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

يعتقد الكثير من الأشخاص أن الأمراض النفسية انتشرت بصورة واسعة، وأن عدد المصابين بهذه الأمراض في تزايد مستمر، نتيجة مشاهدة عيادات الأطباء النفسيين مليئة بالحالات التي تحتاج إلى علاج، وهذا الشعور بتفشي الأمراض النفسية يعود إلى سببين، الأول هو التقدم الشديد الذي حدث في مجال الطب النفسي، والتخصصات الدقيقة والتقسيمات الأكثر دقة لحالات المرض، جعل الخدمات المقدمة في هذا المجال تغري الكثير من الأشخاص باللجوء إلى هذا الفرع من الطب، للكشف وتشخيص بعض الأعراض غير العضوية التي يشعرون بها، والتخلص من المعاناة التي يشعرون بها عن طريق الطبيب النفسي.كما أن زيادة الوعي بين طبقات المجتمع بالأمراض النفسية ساهم بشكل كبير في الإقبال على هذا العلاج، وربما تكون الاضطرابات النفسية موجودة من قبل ولكن ارتفاع الوعي هو من زاد من عدد الأشخاص الذين يذهبون إلى الأطباء النفسيين، والسبب الثاني هو زيادة أنشطة الحياة بصورة واسعة للغاية، وكثرة الأعباء الواقعة على كاهل الأشخاص، وزيادة المسؤوليات والتعرض المستمر للضغوط النفسية والعصبية والتوتر، والوقوع في مشاعر الفشل والإحباط، وتحسس البعض الزائد وعدم التربية الصحيحة، كلها عوامل أدت إلى انتشار أعراض الأمراض النفسية بشكل كبير، وفي هذا الموضوع سوف نتناول الكثير من الحقائق حول الأمراض النفسية وبعض الأسباب التي تؤدي إلى الإصابة بها، وهل هي معدية مثل الأمراض العضوية؟ أعراض مختلفة تظهر الاضطرابات والأمراض النفسية في كل المجتمعات بنسب مختلفة، ترتفع هذه النسب أو تنخفض تبعاً لعدة عوامل، وفي النهاية هي في المعدلات القريبة من بعض الأمراض العضوية، وذلك دليل واضح على أن العوامل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والجانب الروحي المنتشر في المجتمع هي بعض المسببات فقط، بجانب بعض العوامل والمحفزات الأخرى على ظهور المرض النفسي، وهذه العوامل السابقة لها تأثير مؤكد في ظهور بعض الأعراض النفسية، والتي تختلف في شدتها وحدتها وتأثيرها، فمثلاً الأعراض التي تبدو على النساء المصابات بمرض الاكتئاب تختلف عن الأعراض التي تصدر عن الرجال المصابين بنفس المرض، بمعنى أدق أن اكتئاب الفتيات يتمثل بشكل كبير في صورة شكاوى من صداع حاد وأعراض القولون العصبي وعسر الهضم مع حالة من الكآبة وفقدان البهجة، والاكتئاب لدى الرجال يعبر عنه بحالة التشتت وفقدان التركيز والشعور بالتدني وانعدام الفرحة وحالة من الكآبة، أما بالنسبة للأعراض النفسية لدى المستويات التعليمية المختلفة فتكون متباينة أيضاً، فمثلاً عرض الضلالات التي يشعر بها الشخص المتعلم والمثقف المصاب بمرض الفصام، تكون مختلفة عن الضلالات التي تحدث لدى الشخص غير المتعلم والمصاب بذات المرض، ويظن البعض أن هناك ارتفاعاً في معدلات المعاناة من الأمراض النفسية، نتيجة زيادة المساعدات المقدمة من الطب النفسي، ولكن ليس هذا بدليل على زيادة الاضطرابات النفسية، فهناك عدة مؤشرات توضح نسبة انتشار مرض نفسي في الوقت الحالي، ومؤشر آخر يبين نسبة انتشار هذا المرض طوال فترة حياة الشخص، بمعنى أن المرض النفسي يمكن أن يكون عارضاً ويصاب به الشخص فترة بسيطة من مسيرة حياته فقط، وأيضاً يمكن أن يصاحب هذا المرض النفسي الشخص طوال فترة حياته، وهذه النسب عندما تطلق دون توضيح تدل على انتشار الاضطرابات النفسية بشكل كبير. تغييرات كيميائية يؤدي التعرض لبعض الضغوط الحياتية المستمرة إلى الإصابة بالأمراض النفسية، وفي دراسة حديثة تمت لمعرفة تأثير ضغوط ومسؤوليات الحياة في الإصابة بالاضطرابات النفسية، ومنها الضغوط الاجتماعية الناجمة عن حالات فقدان أحد الأشخاص المقربين أو عن الانفصال في علاقة عاطفية أو الطلاق، وكذلك الضغوط الاقتصادية الطاحنة وحالات الفقر والمعاناة، أو ضغوط العملية التعليمية المستمرة والتي يقع تحت تأثيرها قطاع كبير من الطلاب وأولياء الأمور، بالإضافة إلى الضغوط الحياتية المختلفة الأخرى، وتوصلت الدراسة إلى أن هذه الضغوط تنعكس وتتحول في الدماغ إلى تأثيرات كيميائية، تتمثل في ارتفاع الكورتيزون وبعض المواد الكيميائية مثل السيروتونين وغيرها، مما يسبب حدوث خلل في بعض المراكز التي تتحكم في توافق وتكيف الشخص مع الأوضاع، وذلك كنتيجة طبيعية لتكرار هذه الضغوط باستمرار على الشخص، وتبعاً للتكوين النفسي لكل شخص وقدرته على التحمل، فمن المعروف وجود اختلاف بين الأشخاص في القدرة على التكيف مع المشاكل والضغوط، وبذلك يصاب بعض الأشخاص بالأمراض النفسية بسبب الضغوط الحياتية المستمرة وتأثيرها الكيميائي في الدماغ، بالإضافة إلى حدوث تفاعل وتغير كيميائي داخل خلايا الدماغ، نتيجة الترجمة النفسية للأحدث التي نمر بها وتدور من حولنا، ومدى التقبل لها والتكيف معها. ومع التقدم العلمي يمكن معرفة درجات التغير الكيميائي والتفاعلات في خلايا المخ وأسبابها والاختلافات بينها، وأصبحت أسرار المرض النفسي معروفة بصورة كبيرة عن السابق، والمزيد من الدراسات والأبحاث في السنوات المقبلة سوف تكشف أسرار وأسباب الأمراض النفسية، مثل الكثير من الأمراض العضوية التي يمكن علاجها بسهولة. العدوى والتعاطف يظن البعض أن الأمراض النفسية يمكن أن تنتقل عن طريق العدوى وهذا الاعتقاد غير صحيح، لأن الاضطرابات النفسية لا تسببها فيروسات ولا بكتيريا ولكن لها أسباب عديدة مختلفة، ومعروف أن العدوى تكون من خلال الأمراض التي تسببها الفيروسات والبكتيريا، وهذا غير وارد في الأمراض النفسية، فلا يمكن أن ينتقل الاكتئاب من شخص مريض لآخر سليم بمجرد الاختلاط به، ولكن يسهل انتقال المشاعر السلبية مثل الإحباط والكآبة للآخرين، من خلال التأثر والتفاعل الإنساني والتعاطف مع المصابين وليس عدوى بمعناها المعروف، ففي حالات المواساة والعزاء في فقدان شخص تنتقل مشاعر الحزن إلى المحيطين كنتيجة لحزن الصديق أو القريب، وكذلك تنتقل مشاعر الفرج والبهجة بين الأصدقاء والأقرباء في المناسبات المبهجة، وهذا ما يسمى التفاعل الإنساني والتعاطف الطبيعي، ويوجد أحد الأمراض النفسية المشتركة، مثل الاضطراب الذهاني المشترك بين أكثر من شخص، وفيه يتصور أحد الأشخاص المصابين بالمرض بعض الأشياء والمواقف غير الحقيقية وغير الصحيحة، ويؤكد على هذا التصور أحد الأشخاص الآخرين من المخالطين له، وتفسر هذه الحالة على أنها تأثير شخص في آخر وليس انتقال العدوى أو المرض، لأنه في حالة معالجة المصاب بهذا المرض، وإبعاد الشخص الآخر عنه تتضح الحقيقة ويتم التعرف إلى المواقف الصحيحة. أدوية وصدمات ينتج المرض النفسي عن خلل عضوي بالدماغ، مما يؤدي إلى ظهور بعض الأعراض النفسية والسلوكية وحدوث تغيرات سلبية في المشاعر أو الأفكار، وعلاج هذه الحالات والاضطرابات النفسية يتم من خلال أدوية تداوي هذا الخلل الذي حدث في بعض مراكز الدماغ والمسؤولة عن المرض النفسي، وليس كما يعتقد الكثير أن هذه الأدوية عبارة عن كبسولات منومة ومهدئات فقط، ولكنها أدوية تعمل على تعديل الخلل ولها تأثير جيد في العلاج وزوال الأعراض التي ظهرت على المصاب، والتماثل للشفاء والعودة إلى الحالة الطبيعية قبل المرض، وفي بعض المورثات الثقافية الخاطئة يعتقد البعض أن العلاج بالصدمات الكهربائية هو علاج عقابي للمريض ويستخدم في الحالات الميؤوس منها، وهذا الاعتقاد غير صحيح لأن العلاج بالصدمات الكهربائية من الطرق المفيدة والناجحة في التخلص من بعض الاضطرابات النفسية، وكل مرض نفسي له أعراض ومسببات وطرق علاج مختلفة، والعلاج بالصدمات هو من العلاجات الفعالة وليس نوعاً من العقاب للمريض، ويتم عمل الصدمات الكهربائية تحت تأثير التخدير الكلي للمريض، الذي تتطلب حالته النفسية اللجوء إلى هذا العلاج، والأمراض التي تحتاج إلى علاج بالصدمات الكهربية مثل حالات الفصام الشديد والاضطراب الوجداني الحاد والذهان والاكتئاب الجسيم. عنف غير مبرر تشير دراسة حديثة إلى أن نسب انتشار المرض النفسي تختلف من مرض لآخر، ولكن، هناك نسب شبه ثابتة، فمثلاً يمثل مرض الاكتئاب نسبة إصابة تتراوح من 6% إلى 9%، والوسواس القهري متوسط حوالي 3%، ومرض المخاوف الاجتماعية حوالي 8%، والمخاوف الخاصة 9%، والفصام 2% والقلق 4%، وتبين الدراسة أنه من الظلم أن نتهم المرضى النفسيين بالعنف، لأن ذلك لا يحدث إلا في حالات معينة، مثل سيطرة الهلاوس والضلالات على المريض، ما يؤدي إلى ظهور العنف، وأيضاً يحدث العنف في حالة الاكتئاب والهوس للتخلص من الحياة، وبالعلاج والمتابعة، ومعرفة طبيعة المرض النفسي وتفهم حالته يتوقف العنف والمشاكل، أما التخوف من المريض واحتجازه داخل المستشفى خوفاً من حدوث سلوك عنيف يصدر عنه، يعتبر من الأخطاء التي تزيد من سوء حالة المريض وتدفعه للعنف والسلوك القاسي، والعنف بصفة عامة يتولد عن مشاعر الغضب لدى الأشخاص العاديين، وله الكثير من الأسباب عند هؤلاء الأشخاص، ويتم تبرير العنف لدى هؤلاء الأصحاء بأنه تعبير عن ظلم وقهر واندفاع وحالة من الزهق، ويصدر عن بعض الأشخاص المغيبين بفعل الخمور والمخدرات، أما تفسير غضب المرضى النفسيين على أنه من دون سبب فهذا ظلم وغير صحيح.

مشاركة :