الشارقة: «الخليج» ناقشت ندوة «الكتابة وشغف التلقي» في ملتقى الكتاب سعي المبدعين الدائم إلى جذب مزيد من القراء والمتلقين، ورغبتهم في أن تحظى مشاريعهم الأدبية بتجاوب كبير من قبل الجمهور، شارك في الندوة كلٌّ من الأديب والروائي الإماراتي علي أبو الريش، والروائي والقاص الكويتي الدكتور طالب الرفاعي، والكاتب والشاعر الإماراتي، حارب الظاهري، وأدارتها الإعلامية المصرية دينا قنديل.قال الرفاعي: «شغف التلقي بدأ معي في البداية مع القراءة، حيث نشأت وترعرعت في أسرة بسيطة تتكون من والد كان إمام مسجد، وربة منزل لا تجيد الكتابة والقراءة، ولم تكن لدينا مكتبة في المنزل، وأول رواية وقعت في يدي كانت رواية الأم للكاتب الروسي مكسيم غوركي، وكانت قراءتي لهذه الرواية نقطة مفصلية في حياتي، حيث بدأ ولعي بالكتب يزداد، ونهمي للقراءة يرتفع؛ إذ منحتني نوافذ مضيئة أطللْتُ من خلالها على العالم الخارجي، الذي يتجاوز بيتي ومدرستي والبحر، وعلمت أن هناك بحراً متجمداً غير البحر الذي أعرفه».وأضاف الرفاعي: «كانت قراءتي بما يُتعارف عليه بالقراءة البيضاء، حيث كنت أقرأ كل ما أجده أمامي، لتأخذني هذه القراءة إلى عوالم بعيدة، وبدأت بالأدب الروسي ثم الأوربي قبل أن أتجه إلى الأدب اللاتيني، وبعد 10 سنوات من القراءة المتواصلة، جالت بخاطري فكرة أن أكتب أول أعمالي الأدبية، وبالفعل نشرتُ أول قصة قصيرة لي في صحيفة الوطن الكويتية، وكان ذلك في نهاية السبعينات من القرن المنصرم، وعندما وجدتُ قصتي تملأ نصف صفحة في جريدة هي الأهم والأوسع انتشاراً في الكويت ومعها صورتي، ازداد ولعي وشغفي بالكتابة، وإلى أن أكون كاتباً مشهوراً تحظى أعماله بانتشار واسع بين القراء».ومن جانبه قال حارب الظاهري: «المتلقي بالنسبة لي هو حجر الزاوية في المنظومة الثقافية، وهو يمثل في الوقت نفسه الناقد، ونجده في أوقات كثيرة يتنبأ بأشياء قبل حدوثها، ليتسلل من خلالها خلسةً إلى ذاكرة الكاتب، ولتكتمل بذلك المنظومة الإبداعية، وبخصوص نظرتي إلى النقد فأرى أن التواجد في الوسط الثقافي والأدبي، يُحتم على الشخص قبول النقد والرأي الآخر».وبدوره نحا علي أبو الريش منحىً آخر عندما أشار إلى أن فهم الصورة التي تجسد العلاقة بين الكاتب والمتلقي تتطلب إلى حد كبير أن نفهم ماهية الحب، الذي يمثل لنا الحقيقة التي نبحث عنها دائماً، وأضاف أبو الريش: «نحن في العالم العربي اعتدنا لأمدٍ بعيد على أساليب التلقين والتكرار والاجترار، والتي باتت لا تتوافق مع متطلبات ومفاهيم عصرنا الحديث، الذي تعددت فيه وسائل الوصول إلى المعلومة والتزود بالمعرفة.وأضاف أبو الريش: أجد نفسي من المؤمنين بموت المؤلف، بعد إصدار أي كتاب، حيث تُبنى بعد ذلك علاقة جديدة بين قارئ ونص أدبي متدفق ومُنساب، ليبدأ القارئ في البحث في خبايا وأسرار النص، ومن ثم تقييم جودته، ومدى إسهامه في الحركة الأدبية والإبداعية، وليصل إلى ثيمته الرئيسية أو المسكوت عنه، وهنا لابد من التأكيد على أنه لا يوجد قارئ جيد بمعزل عن وجود مُستقرئ جيد.وفي إجابته عن سؤال طُرح حول اتجاه عدد من الكُتّاب إلى نشر جزء من أعمالهم على مواقع التواصل الاجتماعي قال الرفاعي: لست من أنصار الكتابة التفاعلية التي تعتمد على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي تتأثر بتوجهات الرأي العام، فلابد للكاتب أن يحدد هدفا رئيسيّاً من عمله، وأن يكتب ما تُمليه عليه قناعته، والرواية في عالم اليوم لم تعدْ ذلك النوع من الفُسحة، فلابد من البحث والتقصي قبل البدء في إنجاز أي عمل، وبخصوص تجربتي الشخصية فأنا أؤمن بأن النص يكون ملكاً للكاتب قبل نشره، وبعد النشر يصبح ملكاً عاماً، وهذا يجعلني في حالة خوف دائم ممن يقرأ لي، وهو ما يدفعني إلى مراجعة النص مرات عديدة، قبل الدفع به إلى الناشر.ومن جانبه قال أبو الريش: بلا شك عندما نكتب أي نص يكون رأي المُتلقي مهمّاً جدّاً، ولكن يجب عدم التوقف عنده كثيراً؛ وذلك لكوننا لم نصل حتى الآن إلى معايير ثابتة في النقد يمكن التوافق عليها، فهناك اختلاف الأذواق والاهتمامات، وعلى الكاتب ألا يتعامل بمقولة (الجمهور يريد هذا)، فهذا هدم للإبداع ولإنسانية المبدع ولقيمه ومبادئه وأفكاره الخاصة به.واتفق المشاركون مع ختام الأمسية على أن الكتابة هي تعويض لما لم نعشه، والعصا التي يتوكأ عليها الكاتب، وبريق حياته، وأن الكتابة وظيفة مقدسة؛ كونها تُسهم في تشكيل وعي وقناعات الآخرين.
مشاركة :