قبل أن يغوص القارئ جذلاً في تفاصيل المشهد ليستكشف حديث «نفود الثويرات» كيف تشهق مناغية الزلفي وكيف تستمطر الحياة على كثبان الرمال في تلك المحافظة العملاقة التي يرد ذكرها فاخراً كلما ذكر المؤرخون امتداد جبل طويق، وكيف يومض من مكانه ليرحب بزائري محافظة الزلفي؛ وحين يدلفون هناك بعد لأي؛ فهم - بتوفيق الله - يستبقون الخيرات! فيجدون أديم الأرض يستنطق أخباراً فريدة لأهل الزلفي؛ الذين تميزوا بها وتميزت بهم؛ ويجدون جبال الزلفي وسهولها وسهوبها تحمل التحايا الملأى بالكرم العربي الأصيل. وتحفل بعقول ملأى بالمدهش من المآثر قولاً وفعلاً، وأراهم كذلك يحسنون إدارة الذات وقيادة المصالح العامة والخاصة، ولهم في ذلك القدح المعلَّى. وفي محافظة «الزلفي» ليس هناك خيام ولا أكواخ ولا أطلال مبعثرة؛ بل رؤية حضارية خاصة يمتزج فيها ساكنوها مع حضارة وطنهم الكبير المملكة العربية السعودية لتلتقي في مهرجانات متوالية، وتنساب العطايا في لقاءات حميمة بين إنسان الزلفي وطبيعتها الخلابة بما يجسد معاني الاحتفاء بالأرض وذكرياتها الودودة مع أهلها وزائريها، ومن تلك المهرجانات التي عقدتْ أواصرها مع صحارى الزلفي الرملية ونفودها العريق كان احتفاء أخضر فوق الرمال الذهبية في مهرجان «الأرطى» الذي أقيم منذ أسبوعين في محافظة الزلفي، فبسقت تلك النبتة الصحراوية؛ وامتدت تحكي تفاصيل المهرجان في ملحمة وطنية تصور حب الأرض، والانتماء لها حين تعشق المدينة صحراءها؛ وتعشق الصّحراء رمالها؛ ويعشق المواطن ذلك كله! فتهمس لعشاقها ليصبحوا ذوي فرح وبهجة؛ وثمت تساؤل أثير مثير «لماذا كان للأرطى احتفاء في محافظة الزلفي المتحضرة التي يطوقها العمران والحراك التنموي الحديث؟ وأحسبُ أن ذلك المهرجان الأول لشجرة الأرطى يمثل شعاراً حضارياً للعناية بالبيئة عامة والمحافظة على الحياة فيها نباتاً وحيواناً وطيراً، والمهرجان أيضاً نموذج لثقافة «الزلفي الجديدة» بمن فيها من القطاعات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني التي ما فتئت تتسابق للمساهمة الحقيقية في الناتج المحلي في تلك المحافظة الوادعة، وتساوق المهرجان حين أعلنت عنه جمعية أصدقاء البيئة بالزلفي وشركائها تساوق مع إستراتيجية ممكنة ليكون عرساً سنوياً للزلفي وصحرائها الرملية يخرجها من قفص التصحر إلى مسطحات الجمال والحياة النضرة، ويحميها من جور الاحتطاب ويبس الحر والهجير، فاحتشدت في المهرجان عروض فلكلورية؛ ومنصات فنية؛ تحمل تراثاً كان يجب أن ينبض، وكان يجب أن يمتزج مع نهج الناس في تلك المحافظة؛ وشوهدت في سماء الزلفي رياضة الطيران الشراعي؛ وعلى الأرض اختُطتْ مساحات للأسر المنتجة التي بثتْ في المهرجان روحاً أخرى للعمل والإنتاج المحلي الذي يتكئ على قدرات جماعية وفردية استولدتها محافظة الزلفي وطورتها حتى أصبحت الأسر المنتجة قاسماً مشتركاً في كل مهرجانات الزلفي ومناسباتها، ولقد حقق مهرجان الأرطى كثيراً من الحوافز البيئية والاجتماعية فغُرِستْ آلاف الأشجار من قبل الأيدي الوطنية في المحافظة ومن المدعوين والزائرين فانتصرت الإرادة البشرية - بعون من الله - على كل مخاوف النكوص؛ كما كان المهرجان مجهراً لإطلالات أخاذة علىالمواقع الأثرية والسياحية هناك وعرضها في منصات محفزة لجلب الفرص للنمو في القطاع السياحي، كما شاركت في المهرجان رابطة رواد الحركة الكشفية في بلادنا ضمن المسؤولية المجتمعية التي يضطلعون بها، وتنفيذاً للمشروع الكشفي الوطني لنظافة البيئة وحمايتها. وأعتقد أن مهرجان «الأرطى» بهذه الإحاطة المجتمعية الغزيرة؛ والقدرات الواعية من قبل جمعية أصدقاء البيئة في محافظة الزلفي حتماً سوف يستقطب الشباب السّعودي للمنافسة وابتكار مشروعات تغذي تلك البيئة الجديدة المخضرة، وسيكون سقفاً جديداً تتدلى منه أنوار كاشفة للمحافظة الجميلة «الزلفي». بوح للزلفي مما قاله عبدالله بن خميس رحمه الله: «عقد الحبُ هاهنا مهرجانه في ربوع مجلوة مزدانة نضّر الله سوحها فرباها كتب الحسن فوقها عنوانه وطويق يحفها فتراه أبدعتْ صنعة الإله قِنانه هي زُلْفى وياؤها الآن بدْعٌ ألف قبلها فحلتْ مكانه»
مشاركة :