يقول شيخ قطر تميم بن ثاني: (قناة الجزيرة القطرية أضافت إلى الإعلام العربي بُعدا مهنيا جديدا لم يكن يعرفه الإعلام العربي قبلها). وهذا تدليس واضح في رأيي، فالجزيرة هي نسخة لإعلام عبدالناصر الإذاعي، حيث كان يحرض شعوب الدول العربية المناوئة له على الثورات والتمرد على أنظمتهم، لكنه في الوقت نفسه لا ينتقد النظام المصري آنذاك، ولو بكلمة واحدة. قناة الجزيرة قناة موجهة إلى خارج قطر، وترفض أن تتعرض لنظام قطر الداخلي، أو كما يُسمى (نظام الحمدين) رغم أن أوضاع قطر السلطوية لا تختلف عن أية دولة من دول المنطقة، اللهم إلا في التحريض على التمرد، بل هناك من دول المنطقة من يمارس إعلامها نقدا داخليا سقفه أعلى وبكثير من سقف الإعلام القطري، ومعه الجزيرة عندما تتحدث عن أوضاع إمارة قطر الداخلية. فالجزيرة كانت تمارس دورا تحريضيا واضحا في الدعوة إلى تمرد الشعوب العربية على حكوماتها، لكنها إذا استدارت صوب قطر فلن تجد في قناة الرأي والرأي الآخر إلا الإشادة أو الصمت المطبق. فمثلا عندما سحبت السلطات القطرية الحاكمة جنسيات بعض مواطنيها لمجرد أن النظام الحاكم يختلف معهم، سكتت هذه القناة عن هذا الحدث، رغم أنه كان حينها موضوعا هاما، يتقدم النشرات الإخبارية لدى جميع القنوات العربية والأجنبية. وكذلك عندما وقف الشيخ عبدالله بن علي آل ثاني موقفا معارضا ومناوئا لنظام الحمدين، تجاهلت القضية تجاهلا كاملا، ولم تنبس عنه ببنت شفة، وكذلك الأمر بالنسبة للشيخ سلطان بن سحيم. وهذا يبرهن بوضوح على أن قناة الجزيرة أنشئت منذ انطلاقتها في منتصف التسعينيات من القرن المنصرم لخدمة مهام إعلامية ذات اتجاه واحد، تثوير الشعوب العربية، وتمويل أي تمرد، لمصلحة جهات مشبوهة، ولم تكن حرة إطلاقا كما يزعم أمير قطر، وإنما تم إنشاءها لقلب أنظمة الحكم في الدول العربية، وهو ما اتضح بجلاء بعد أن حشدت وحرضت على الثورات في كل الدول العربية، والتي أسمتها (الربيع العربي). لذلك فافتخار شيخ قطر بالجزيرة في لقائه الأخير على اعتبار أنها طورت الإعلام العربي، تدور حوله كثير من التحفظات فضلا عن الشكوك في الأهداف والغايات، أهمها -على الإطلاق- ضلوعها بشكل سافر في المسؤولية عن الدماء والخراب والتدمير والتشريد الذي انتهى إليه ما يُسمى الربيع العربي، الأمر الذي يُسوغ القول: إذا كانت الحريات الإعلامية التي تتطلع إليها الشعوب العربية ستنتهي إلى ما انتهت إليه نتائج هذا الربيع الدموي، فلا أعتقد أن عاقلا سويا سيطالب بتلك الحريات المخضبة بشلالات الدماء والخراب. الأمر الآخر الذي يجب الإشارة إليه في هذا السياق، أن الجزيرة اليوم من حيث التأثير والشعبوية ليست مثل الجزيرة بالأمس؛ بالأمس كانت هذه القناة منفردة بالساحة العربية الإعلامية دونما منافسة، أما اليوم فلا يخفى على نظر المتابع الموضوعي دخول منافسين جُدد وبقوة إلى ذات الميدان، ما جعل تأثيره، إن سلبا أو إيجابا، يتناقص إلى درجة كبيرة، بسبب مشاركة آخرين لها على نسب المشاهدة، بل وتفوقت قنوات أخرى عليها في بعض الأجزاء من العالم العربي. وقطر دون الجزيرة، وانتهاج دور التآمر، هي مثل الثعبان دونما أنياب، قد يخيف الاقتراب منه، غير أنك ما إن تعلم أن أنيابه تم انتزاعها، فليس ثمة ما يخيف. وعلى أية حال فدور قطر قبل مقاطعة الدول الأربع، سيكون حتما ليس كدورها بعد المقاطعة، ومواجهة الدول الأربع لمؤامراتها بحزم، وعلى رأس تلك المؤامرات دعم وتمويل الإرهاب، وجعل قطر ملاذا آمنا للإرهاب والإرهابيين. إلى اللقاء
مشاركة :