في أول زيارة لبطريرك ماروني لبناني، للمملكة السعودية، وصفت مسبقا بأنها «تاريخية»، ترصد الدوائر السياسية في لبنان، دلالات ومؤشرات غير مسبوقة، لتقارب «بكركي» مع «الرياض» بزيارة البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي للسعودية خلال الأسبوعين المقبلين، وهي الزيارة التي يراها القائم بأعمال السفارة السعودية الوزير المفوض وليد البخاري، عقب تسليمه الدعوة إلى الكاردينال «الراعي» في الصرح البطريركي في «بكركي» الأربعاء الماضي، بأنها « تعتبر من أهم الزيارات الرسمية، وهي تاريخية». أهمية الزيارة، أنها تسجل سابقة باستقبال السعودية، للقيادة المسيحية اللبنانية الأولى، ذات النفوذ الديني والسياسي ، خاصة وأن اللبنانيين ومنذ تأسيس الدولة اللبنانية، تعاطوا مع المقر الرسمي للبطريكية المارونية في «بكركي» وفق قاعدة مارونية تقول (خوري في ضيعة من بيتين، أفضل من بابا في روما بمنازل كثيرة)، وعليه، تحوّل كلّ بطريرك ماروني، من «بطريرك أنطاكية وسائر المشرق» إلى بطريرك لموارنة لبنان حصراً، على قاعدة أنّ «مجد لبنان الذي أعطي له» خير له من صلوات الأتباع الذين لهم سماوات تحميهم.. والمعنى يشير إلى مكانة ونفوذ وتأثير الجالس على كرسي البطريكية في «بكركي» ، القرية التي تتبع قضاء مدينة جونيه في لبنان،و تضم مركز البطريركية المارونية لسائر المشرق، ومحل إقامة البطريرك الماروني. ويرى سياسيون لبنانيون، أن زيارة البطريرك الراعي للسعودية، نحمل أهمية كبيرة لأنها أولا غير مسبوقة ، وثانيا لمكانة المركز الديني المسيحي «الماروني» في لبنان، المتمثل في «بكركي»، والدور الفاعل والمؤثر تاريخيا ومتواصل حتى الآن، وفي كل مرة كان لبنان يواجه خطراً وتهديداً، كانت بكركي السبّاقة إلى قرع ناقوس الخطر وأخذ زمام المبادرة، وكانت رأس الحربة في معركة الدفاع عن لبنان ورسالته ودوره ومجابهتها المخاطر المحدقة به. ولم تتأخر بكركي يوماً ولم تتردد في إعلاء شأن الوطن وصيانة وحدته وسيادته عند كل مفترق حاسم ومرحلة مصيرية.. ومن هنا تبدو أهمية الزيارة والمباحثات التي ستجرى في المملكة العربية السعودبةن وفي ظل الظروف الراهنة التي تحيط بالمنطقة وتاثيرها المباشر على لبنان. والزيارة التي وصفت بالـ «التاريخية» حين تستقبل الرياض أعلى سلطة كنسية في الشرق الأوسط، كاردينالاً وبطريركاً للموارنة، للمرة الأولى، سوف يتردد صداها سعودياً وإقليمياً ودولياً، بقدر ما ستكون لها ارتدادات لبنانية. فالسعودية لا تقيم علاقات ديبلوماسية مع الفاتيكان الذي عيّن سفيراً له في الكويت كأول دولة خليجية عام 2001، وأقامت لاحقاً علاقات ديبلوماسية مع قطر عام 2003، ومع الإمارات العربية عام 2010. ولكن السعودية ظلت في منأى عن إقامة هذه العلاقات، لاعتبارات معروفة، لذا يمكن فهم الاستثنائية التي ستقابل بها الرياض زيارة البطريرك الماروني لأراضيها، من منظار داخلي ودولي، في وقت تسعى فيه الى الترويج لصورتها المستحدثة وفق رؤية 2030، في حدث سيحظى بتغطية إعلامية واسعة، لأنه يحصل للمرة الأولى في تاريخ المملكة، وتاريخ بكركي أيضاً. ولأنَّ الزيارة تاريخية، فإنَّ دلالاتها غير مسبوقة، وجميع اللبنانيين ينظرون بعين الإعتبار إيجابياً لهذه الزيارة، لأنَّ بالتأكيد ما بعدها لن يكون على الإطلاق كما قبلها. فضلا عن أن المحادثات التي ستتضمنها ستكون على جانب كبير من الأهمية، وقد أشارت مصادر الصرح البطريركي في بكركي إلى أنَّ ملف المفاوضات سيتضمن عدة نقاط منها: الوضع في لبنان على مختلف الصعد ..والتركيز على ما يطالب به لبنان في أن يكون مركزاً لحوار الحضارات والأديان، وبكركي تريد لهذا المطلب أن يتحقَّق، وتحقيقه يكون بمساعدة السعودية.. والحوار بين الأديان، ولا سيما بين الإسلام والمسيحية، إنطلاقاً من رفض العنف والإرهاب، والحفاظ على التنوّع الطائفي في الشرق..والبحث في وضع الجالية اللبنانية في المملكة، وهناك ثناء من «بكركي» على التعاطي الكبير للسعودية مع اللبنانيين، وهي تأمل أن يستمر هذا التعاطي بهذه الروحية. الزيارة المرتقبة للبطريرك الماروني «بشارة الراعي» للسعودية، بعد تلقّيه دعوة رسمية من الرباض، ليست رعوية، وحسب الدوائر السياسية في بيروت، حيث لن يكون متاحاً للراعي الاحتفال بالقداس الإلهي، مع رعايا موارنة ومسيحيين بعشرات الآلاف يعملون في السعودية، منذ سنوات طويلة، كما جرت العادة في كل دول الانتشار التي يزورها، بسبب غياب الكنائس عن أرض السعودية ، ولذلك فهي زيارة سياسية و«وطنية»، وهي تحمل أبعاداً مختلفة، سعودياً ولبنانياً. وبينما يرى النائب اللبناني السابق، فارس سعيد، أنّ زيارة البطريرك الراعي للسعودية هي زيارة «فوق سياسية، ولا تندرج في إطار اللقاءات السياسية التي حصلت في المملكة في الآونة الأخيرة»، مؤكدا أن الزيارة بالغة الأهمية، ومن دلالات هذه الأهمية أنّ الدعوة إلى البطريرك الراعي صادرة من جانب خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وهذه المرّة الأولى في تاريخ المملكة التي يدعو فيها الملك رسمياً أحد أحبار الكنيسة الكاثوليكية في لبنان والعالم». فضلاً عن أن الزيارة «تبيّن التناقض بين قوى إقليمية تسلّح فئات لبنانية، وقوى عربية تقف إلى جانب الكنيسة في لبنان». ولا شكّ أنّ التوافق بين السعودية والبطريركية المارونية في توصيف الزيارة، يدّل على الأهمية التي يوليها الجانبان لهذه الزيارة، وإلى أهميّتها بحدّ ذاتها من حيث توقيتها ومضمونها في لحظة تشهد تحوّلات مصيرية كبيرة في المنطقة وحتى في العالم بأسره، ليس على المستويات السياسية فحسب وإنمّا على صعيد التعايش بين مختلف الحضارات والثقافات الإنسانية.
مشاركة :