خالد القشطيني: عاقل ومجنون

  • 9/9/2014
  • 00:00
  • 15
  • 0
  • 0
news-picture

رغم كل التناقض بين العقل والجنون، فإن هناك علاقة قرابة قوية بينهما. وكثيرا ما يختلطان بحيث يصعب التمييز بينهما وفصلهما بطلاق نافذ. كثير من عباقرة الفكر والفن من نيتشه إلى فان جوخ، عرف عنهم جنوحهم لاختلال العقل. وكذا الأمر بالنسبة لقادة الدول والسياسة. منهم نيرون وهتلر، وكما أعتقد القذافي وصدام حسين. ويغص الأدب أيضا بمثل هذه الشخصيات، كمجنون ليلى وهاملت. اختلاط العقل بالجنون ظاهرة شائعة حتى في الطبخ والمطبخ. فهناك طبيخ يسمونه «عاقل ومجنون» يتميز بحدة المذاق! وكثيرا ما يصف البعض مسلكا أو قرارا أو عملا فيه مجازفة بليغة بأنه «عاقل ومجنون»! ويحدث أن الأشخاص المرهفي الإحساس والمشاعر يصعب عليهم التعامل بوقائع الحياة المرة فيقعون في مطب الجنون، أحيانا بصورة لا شعورية وأحيانا أخرى عن قصد ودراية. فالجنون كثيرا ما يعطي تبريرا وغطاء ومخلصا لصاحبه. هكذا حار النقاد في شخصية هاملت. هل فعلا اختل عقله بنبأ مقتل أبيه وخيانة أمه، أم كان يتظاهر بالجنون تمهيدا للثأر؟ وماذا عن مجنون ليلى؟ هل جننه حب ليلى فعلا أم كان يحاول شعوريا أو لا شعوريا استدرار العطف بجنونه وتشرده ليعطوها له، وهو بالفعل ما حاوله الخليفة عندما حاول إقناع أهلها بتزويجها له، كما تقول الحكاية؟ تبرز هذه المشكلة بصورة صعبة وخطيرة في عالم القضاء. فالقانون والعرف يقضيان بالعفو عن الجاني المجرم. وقد وجد كثير من المجرمين منفذا للخلاص وتبرير جرمهم باللجوء لهذا العذر، بالادعاء بالجنون أو التظاهر به. وهذه مشكلة خطيرة بالنسبة للقضاة، كيف يفرقون بين العاقل والمجنون؟ يضطرون لاستشارة الأطباء وعلماء النفس دون جدوى في أكثر الأحوال. فالطبيب أيضا كثيرا ما تختلط عليه الأمور ويصبح مثله مثل «العاقل والمجنون» في إفادته. ويتفنن المجرمون في تقمص الشخصية المنحرفة عقليا. وكثير منهم يحضرون أنفسهم تحضيرا دقيقا لهذا الدور بدراسة سايكولوجيات المجانين والعصبيين وأعراض العلة التي يتذرعون بها. ومن المعتاد للمحاكم والمسؤولين أيضا أن يخصصوا مدة كافية لمراقبة المجرم وتعقب مظاهر سلوكه. هناك قضايا شهيرة في هذا الميدان. والواقع أن العالم انشغل أخيرا بقضية البطل الرياضي المشهور بيستوريوس وقيامه بقتل عشيقته في جنوب أفريقيا. فالادعاء يدعي بأنه قام بذلك خطأ ودون قصد وإصرار نتيجة سورة من الاختلال العقلي. الالتجاء للجنون ملجأ للصالحين والطالحين. ومن أظرفها التظاهر الجماعي بالجنون كمخلص. وهو شيء روي عن أهالي حمص. قالوا إنه بعد أن دمر تيمورلنك مدينة حلب وسبى أهلها انحدر جنوبا نحو حمص. فتحير القوم. كيف يتفادون نفس المصير؟ أوصى عقلاؤهم بالتظاهر بالجنون والادعاء بأن نهر العاصي يحمل مادة تجنن كل من يشربه فشاع الجنون في أهلها. وراحوا يستعرضون جنونهم بملابس عجيبة ويقومون بأعمال شاذة ويرقصون كمن مسهم الجن. فلما لاحظ تيمورلنك ذلك ابتعد عن المدينة! وهذا درس أسوقه لكل من اقترب منهم «داعش» والإرهاب الإسلامجي.

مشاركة :