تساءلت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية في مقال نشرته مؤخرا حول احتمال دفع السعودية لشنّ حرب على لبنان من خلال كسر شوكة “حزب الله” اللبناني وحليفته إيران. وتساءلت الصحيفة عمّا إذا كانت هناك علاقة بين الاستقالة المفاجئة لرئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري وتهديد “حزب الله” وانعكاسات ذلك التهديد على المملكة العربية السعودية وإسرائيل، وأوضحت “هآرتس” أنّ رئيس الوزراء سعد الحريري لطالما واجه نوعا من السلبية حيث لم يبرز كرئيس حقيقي للحكومة خلال أدائه للدور المنوط به، وجاءت استقالته كمؤشر على وجود توتر بين الرياض وطهران في لبنان والمنطقة، وهو التوتر الذي قد يلقي بظلاله على إسرائيل. واعتبرت “هآرتس” أنّ سعد الحريري إنسان طيب، ولكنه ليس بالقائد السياسي الأصلح، وقد شغل منصب قيادة تيار المستقبل التي تمثل الكتلة السنية في لبنان لاحتواء الفراغ الذي تركه اغتيال والده رفيق الحريري في العام 2005 حيث لم يكن القائد السياسي الطبيعي وإنما صمّمت بعض الأطراف على أن يعمل الحريري في “ظلّ والده؟. وحسب الصحيفة الإسرائيلية فقد لعبت المملكة العربية السعودية من جهة والولايات المتحدة من جهة أخرى دورا لا يستهان به لتثبيت الحريري حيث كثيرا ما دعمت الرياض النظام السياسي اللبناني “المتعدد الطوائف” خصوصا خلال فترة الحرب الأهلية، كما دعمت أيضا مؤسسات الحريري ماليا ولم يتمكن الحريري من “التموقع” سياسيا دون الدعم المالي السعودي، وبالتالي ظلّ الحريري لا يتحرك بأوامر الرياض. وأشارت “هآرتس” إلى أنّه وخلال بداية عمل حكومته لم يواجه الحريري متاعب مع وزراء حزب الله الذين كانوا بمقدورهم إسقاط حكومة الحريري في أية لحظة، خاصة مع تردد اتهامات بتورط حزب الله وسوريا في اغتيال رفيق الحريري، ولكن العمل جنبا إلى جنب جعل الأمور تسير بسلاسة مع نوع من “تعذيب” الحريري على خلفية عدم كشف المتورطين في مقتل والده، وقد انتهى الأمر بمحاولة إيران الحفاظ على نفوذها في لبنان واستعادة هيمنتها التي فقدتها عندما أدى تحرك 14 اذار الشعبي بعيد اغتيال الحريري إلى انسحاب القوات السورية بعد 30 عاما من التواجد في لبنان. وبفضل دعم الرياض استطاع سعد الحريري الصمود مؤقتا في وجه الضغوطات التي كان يشهدها لبنان سواء من ناحية التجاذبات السياسية الداخلية، المتمثلة في حزب الله او الخارجية والمتمثلة أساسا في سوريا وحليفتها إيران، ولكن الدعم السعودي تراجع في العام 2010 عندما بادر الأمير عبد العزيز إلى التقارب مع نظام الأسد، وعندما رفض الحريري القيام بنفس الخطوة، انسحب وزراء “حزب الله” من حكومته، وهو ما أدى إلى إبعاده بطريقة مهينة، وعندما التقى الحريري بالرئيس الأميركي السابق باراك أوباما في واشنطن في بداية العام 2011 بدا أكثر ارتياحا. واعتبرت “هآرتس” أنّ عودة الحريري المفاجئة لرئاسة الوزراء العام الماضي، بعد الجمود الذي شهده المشهد السياسي في لبنان كان مؤشرا سيئا، حيث لم تنفرج الأزمة السياسية في لبنان إلاّ بانتخاب العماد ميشال عون، الحليف المسيحي لحزب الله رئيسا للجمهورية“، وهو ما جعل الصحيفة تطرح تساؤلا آخر: لماذا عاد الحريري إلى رئاسة الحكومة في ظلّ ظروف أكثر صرامة من تلك التي سادت خلال فترة ولايته الأولى؟ وتجيب الصحيفة بأنّ هذه العودة سببها العرض الذي قدمته الرياض، فالسعوديون قدموا عرضا لا يمكن أن يرفضه الحريري في ظلّ “الوجوه الجديدة” للحكام السعوديين. فالملك عبد الله لم يكن يحب إيران، وكثيرا ما وصفها بالسم المنتشر في جميع أنحاء الشرق الأوسط، لكنه اختار مواقعه لمواجهة خصومه، وخفض خسائره في لبنان في العام 2011 وخلفه الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود وابنه الأمير محمد بن سلمان، الذي صمّم على شنّ الحرب ضد إيران انطلاقا من اليمن، ثمّ إلى سوريا، فلبنان، ووجود الحريري وعودته كرئيس وزراء يمنح للرياض لاعبا وحليفا في لبنان. وفي هذا الشأن اعتبرت “هآرتس” أنّ سعد الحريري واجه مهمة مستحيلة في وقت لاحق مع تنامي نفوذ حزب الله على المشهد السياسي اللبناني رغم مواصلة الولايات المتحدة دعمها للجيش اللبناني. فقد أصبح حزب الله بالنسبة لبعض الأطراف “دولة” داخل الدولة اللبنانية، ويؤثر بشمل كبير على السياسة اللبنانية. من جهة أخرى يوجد اجماع في إسرائيل من مختلف الأطراف السياسية على أنه في حال تحرك الترسانة العسكرية لحزب الله والمتمثلة في “الصواريخ الدقيقة” إلى الحدود الجنوبية للبنان فإن إسرائيل ستردّ بقوة خاصة وانّ الجيش الإسرائيلي راجع أخطاءه العسكرية بعد خسائره في حرب الصيف في العام 2006 مع حزب الله.
مشاركة :