محمد بن سلمان قد يكون شريف مكة القرن الواحد والعشرين. فهل يأخذ في الحسبان الخداع البريطاني ولورانس العرب وهل لديه الهاديات التي تسمح له بوضع المملكة على طريق الخلاص من الوهابية؟ اختفاء مثلث التأثير التاريخي (القاهرة ـ بغداد ـ دمشق) ترك حالة من البلبلة على المستوي الإقليمي. وأما إرادة قطر في ملء الفجوة باتكائها على شبكة الإخوان المسلمين بعد ثورات 2011، هي التي أثارت حفيظة مثلث الذهب الأسود (الإمارات ـ البحرين ـ السعودية). إلا أن هناك معطيات أخري تجعل لمصر بريقها في أعين واشنطن. فإدارة ترامب تعرف أن مفتاح الحل في القضايا الشائكة في المنطقة، وملف فلسطين خاصة، هو مصر، وترامب يعرف أن مفتاح الباب المصري في الوقت الراهن هو الإمارات والسعودية. فبعد صفقة تيران وصنافير، صارت المليارات تؤثر، أكثر من أي وقت مضي، على القرارات السياسية، حتى يمكن القول بأنها قرارات سياسات المليارات. قرارات المليارات ليست وليدة اللحظة، ولكن التاريخ له مفارقاته. ففي ستينات القرن الماضي أثرت المليارات على القرارات فتدخلت القاهرة في حرب اليمن حينها، وما أشبه اليوم بالأمس. الإدارة الامريكية تري أن عجلة التاريخ العربي يجب أن تدور إلى الوراء لتواكب مفهوم الخراب الناتج عن فلسفة واستراتيجية الفوضى الفتاكة. فجاريد كوشنر يري أن روح التغيير، بعد الخريف العربي، يجب أن تأتي بسراب يدفئ الشتاء القارس الذي من المنتظر أن تعيشه معظم البلدان العربية. المرأة السعودية تقود سيارة التحرر الأمير محمد بن سلمان يبلغ من العمر 31 عاما ويعيش في عصر مارك زوكربرغ وعالم تاء ترامب التي تلاعب دائماً تاء تويتر. ولأن روح العصر تحارب التطرف فلقد حضر الأمير مراسم افتتاح مركز اعتدال في خضم زيارة ترامب للمملكة. وحينها افتتح خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبد العزيز، مع الشيخ الأميركي دونالد ترامب، أطال الله في عمره، المركز العالمي لمكافحة التطرف وتعزيز الاعتدال (اعتدال). إذ يضم هذا المركز إمكانات تقنية وبشرية ضخمة لرصد وتحليل نشاطات الفكر المتطرف ومواجهته. وحين زار الأمير محمد بن سلمان مقر شركة “فيسبوك” في وادي السيليكون بولاية كاليفورنيا، التقي بمؤسس الفيس مارك زوكربيرغ، للتعرف على شبكة التواصل ووضع رؤية للمملكة لعام 2030. ولي العهد يرنو إلى بناء مستقبل يتأسس على مكتسبات الشركات العملاقة الأمريكية للاستفادة منها. وأول تأثير لهذه التوجهات الجديدة هو ملف المرأة إذ كان للأمير محمد بن سلمان، موقفاً من هذه القضية. فخلال مؤتمر الإعلان عن رؤية المملكة 2030، في إبريل/ نيسان عام 2016، ورداً على سؤال ما إذا كان سيُسمح للمرأة بالقيادة صرح قائلاً: “قيادة المرأة ليست قيادة دينية، بقدر ما هي قيادة لها علاقة بالمجتمع نفسه، يقبلها أو يرفضها، لكن المستقبل قد تحدث فيه متغيرات، ونتمنى دائماً أن تكون متغيرات إيجابية.” توازن القوى في السعودية أصبح على حافة الانهيار، لوجود معارضة قوية لولي العهد الجديد من داخل الحرس القديم لقوات الأمن. ورغم قرار الملك سلمان بمنحه منصب ولي العهد، إلا أن سلفه، محمد بن نايف، لا يزال يحظى بنفوذٍ كبير. محمد بن سلمان يواجه ضغوطا كثيرة. مثلاً عدم إحراز تقدم في حرب اليمن، واخفاق الاستراتيجية الرامية إلي تحقيق استقرار في سوق النفط بالإضافة إلي أزمة قطر ماأدي إلي تراجع كبير في توقعات وكالات التصنيف الدولية الخاصة بنمو الناتج المحلي الإجمالي. ويظل التأثير السلبي لهذه الملفات تحت السيطرة في ظل الاحتياطات المالية الهائلة في السعودية، ولكن مع تزايد قائمة مبادرات محمد بن سلمان الغير مجدية، يتعرض منصبه في المملكة لضغوط متزايدة. في الوقت نفسه، تنتشر إشاعات بأن صحة الملك سلمان نفسه في تدهور، حتى أن هناك مصادر سعودية أشارت في وسائل الإعلام إلى أن الملك سلمان يفكر في التنازل عن العرش لصالح ابنه مما ينذر ببداية مرحلة من الاضطرابات قد تعرفها المملكة في الأشهر المقبلة. ويصح القول بأن الثورة قد تكون ثورة شك والثورة الحقيقية عليها أن تنتظر بعض عقود. ________________________________ محمد عبد العظيم دكتور في العلوم السياسية / ليون-فرنسا متخصص في العلاقات الدولية، والشرق الأوسط صدر له العديد من المؤلفات حول الأسلحة النووية ودورها في الحروب بين إسرائيل وجيرانها وحول السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط. ألآراء التي تعبر عنها مقالات الرأي المنشورة في يورونيوز لا تمثل موقفنا التحريري ________________________________ Jared Kushner and Mohammed bin Salman: Princes of Tech Disruption? https://www.newyorker.com/business/currency/jared-kushner-and-mohammed-bin-salman-princes-of-tech-disruption
مشاركة :