عبّر سعادة الشيخ محمد بن أحمد بن جاسم آل ثاني وزير الاقتصاد والتجارة الأسبق عن شعوره بالأسى والجرح العميق من جراء الممارسات المؤذية والمضللة التي مارستها بلدان الحصار إزاء دولة قطر، قائلاً في حوار خاص مع «العرب» إن القطريين برهنوا على رباطة جأشهم ورقي مستوى تفكيرهم ووعيهم حيال هذه المساعي الجائرة التي تستهدف النيل من استقلال بلادهم وتقدمها على جيرانها ونظرائها في شتى الميادين والمضامير. وفي ما يلي تفاصيل الحوار مع سعادته.منذ أن تم فرض الحصار على قطر في الخامس من يونيو الماضي، هبت كل مرافق الدولة ومؤسسات القطاع الخاص، للتصدي لهذا الحصار الجائر ومواجهته بكل السبل، فكان أهم مفصل يتعلق بتطوير المنتج المحلي في كل القطاعات وخصوصاً الغذائية منها. هل تعتقد أن قطر شهدت ثورة في إنتاجها الوطني منذ ذلك الحين؟ وإلى أي مدى نجحنا في ذلك؟ إلى أي مدى استطاع المنتج الوطني القطري أن يكون بديلاً قوياً لنظيره مما كان يستورد من دول الحصار؟ - أعتقد أن كل المنتجات والسلع التي كنا نستوردها من أو عن طريق دول الحصار، يمكن إنتاجها في قطر بكل سهولة ويسر، وبأمان وجودة أضمن وأعلى، والعديد من تلك المنتجات قد بدأ إنتاجها محلياً بالفعل، حيث كانت تنتج من قبل، ولكن تحاربها منتجات دول الحصار، اليوم هناك جيل من الشباب ورجال الأعمال في قطر، والرواد منهم بدؤوا بمشروعات تساهم في تعزيز مكانة الاقتصاد القطري في كل القطاعات، لذلك ليس بعيداً أن يكون هناك اكتفاء ذاتي في قطر من المواد الغذائية، وتحديداً خلال عامين فقط. ولكن يجب في هذا المجال أن يدعم المنتج المحلي من خلال توفير الأراضي بأسعار معقولة، وتوفير الكهرباء والمرافق بأسعار تشجيعية، فليس بالضرورة أن يكون دعماً مادياً مباشراً، وإنما يؤمن المستثمر بالوقوف معه، وتذليل العراقيل التي قد تواجهه. لو نظرنا إلى مصاريف قطر التي ذهبت لاستيراد سلع ومنتجات من دول الحصار خلال الـ 20 سنة الماضية، نجد أن الفرق في السعر الذي حصلت عليه تلك الدول كربحية أو زيادة في الأسعار، كان يمكن توظيفه في بناء قاعدة عريضة من مصانع مماثلة لإنتاج تلك السلع في قطر، لذلك لا بد من وجود الدعم العادل والشفاف للصناعة الاستراتيجية، من خلال تسهيل وتيسير وتسريع إجراءات الحصول على الرخص والتشغيل دون تعقيد، بربطها بجهات عديدة مبعثرة في الدولة. وبهذا الخصوص، أعتقد أن آلية لجوء بعض الجهات الرسمية في الدولة إلى طرح مناقصات، بحيث يحصل عليها الذي قدم أقل سعر هو خطأ، لأنه أحياناً تأتي شركات من الخارج مدسوسة تشارك في هذه المناقصات وتتلاعب بالأسعار، فكان في أغلب الأحيان يفوز الأجنبي ويخسر القطري. لذلك، اليوم لدينا فرصة لوضع استراتيجية واضحة لاحتياجات الدولة، خاصة للمواد الاستراتيجية كالغذاء ومواد البناء ومعدات الصناعة البترولية والطاقة، وتكون عادلة وشفافة، تمكن القطاع الخاص من القيام بهذا الدور بتنافسية، وتمنع التعقيد والتسويف، علينا أن نزرع في المسؤول الفكر الإيجابي لمساندة القطاع الخاص ليخدم تطلعات الدولة. دول الحصار تروج إشاعات وأكاذيب كل يوم، بشأن وضع الاقتصاد القطري وقطاع البنوك، أنت من واقع خبرتك كوزير للاقتصاد والتجارة لعدة سنوات، وباحث في الدراسات الاقتصادية الدولية، كيف تقيم وضع الاقتصاد القطري اليوم في ظل الحصار؟ بمعنى: أين كنا وأين أصبحنا؟ - نحن اليوم لدينا أفضل فرصة لتحقيق التنوع الاقتصادي في قطر، وهو الأمر الذي لطالما نادينا بتحقيقه فيما مضى، لكن اليوم ومع الحصار، فإن عملية التنوع الاقتصادي بدأت تتحقق في قطر على أفضل وجه. كنا في السابق، كلما أعددنا خطة لتنويع مصادر الدخل تحدث طفرة في أسعار البترول، وكانت طفرات البترول في السبعينيات ومطلع الثمانينيات ومطلع العام 2004 تحديداً كانت تعطل عملية التنويع الاقتصادي، ما كان يؤدي بالناس إلى اللجوء إلى أدوات الربح السريع التي لا تعود على الاقتصاد بالنفع على المدى البعيد، مثل البورصة والعقار وتمثيل الشركات. لذلك لا يوجد لدينا تنوع اقتصادي واضح، فتلك الطفرات كانت توجه كل الأموال إلى موارد أساسياتها غير مجدية للتنوع الاقتصادي، الحصار على قطر اليوم يوفر للدولة فرصة ذهبية لتنويع اقتصادها، وهو ما يعد من أفضل وأهم المخرجات، والأمر الأهم للدولة هنا أنه سيولد تنمية اقتصادية مستدامة، وهو الأمر الذي لم يكن موجوداً، ستكون هناك الآن استدامة وتنافسية مستمرة، والأهم أن اقتصاد قطر اليوم في طريقه ليصبح اقتصاداً عالمياً، وليس اقتصاداً محلياً أو إقليمياً معتمداً على اقتصادات دول الحصار. كانت دول الحصار هي التي تستفيد من السوق القطري، ولا يستفيد منها الاقتصاد القطري، لأن حركة التجارة في معظمها كانت باتجاه واحد، أغلب المواد التي كانت تستهلكها صناعة النفط والغاز والمواد الأولية والغذائية كانت تأتي من دول الحصار، أو يعاد تصديرها إلينا، ولم ينتبه لهذا الأمر في قطر، أنا أعلم عن شركات بجبل علي تعمل على المشاريع القطرية فقط! اليوم قطر تمر بهذه الأزمة وهي في أقوى أوضاعها، لأن قطر اليوم لديها مستوى تعليم عالٍ جداً، فخلال العقود الثلاثة الماضية كان التعليم والصحة على رأس أولويات عملية التنمية، لذلك هناك في قطر اليوم جيل متعلم، مثقف، واعٍ ومتطور، وهو ما فاجأ دول الحصار، حيث مواطنوها مغيبون سياسياً وإعلامياً واقتصادياً، عكس المواطن القطري، أعتقد أن دعوة سيدي سمو الأمير «اللهم اجعلنا ممن تحبهم شعوبهم» قد أجيبت، وأن الحماس الذي نراه اليوم من رجال الأعمال ستكون له نتائج طيبة وملموسة، لتغطية احتياجات الدولة وتنويع الاقتصاد. الحصار الحالي -الذي تتعرض له قطر- ليس الأول، كما تحدثت سعادتك في دراسات سابقة لك، فقد تعرضت قطر لحصارين آخرين من دول الجوار في 1850 و1937م، وخرجت منهما منتصرة، واليوم يعيد التاريخ نفسه، وكل الوقائع والمعطيات تؤكد أن قطر تسجل انتصارات متتالية ومستمرة في مواجهة هذا الحصار، كيف تنظر إلى تعامل الدولة والقطاع الخاص القطري مع الحصار؟ وهل ترى أن الحصار يمكن أن يطول لأمد بعيد؟ - أعتقد أن دول الحصار في ورطة جسيمة، تذكرني للأسف بأيام غزو العراق للكويت، فهم يحاصرون أنفسهم، ويغلقون الأبواب، والمخرج من الحصار أصبح محرجاً جداً لهم، تماماً مثل محاولة خروج السعودية من حرب اليمن، حكام السعودية والإمارات فتحوا على أنفسهم جبهات خاسرة -الأولى حرب اليمن والثانية الاستنزاف المالي لمصر والبحرين والثالثة حصار قطر وفشلهم في إثبات أي من مزاعمهم، فأصبحوا مهزوزين أمام العالم، وأمام شعوبهم، التي كانت في غنى عن هذه المغامرات المدمرة لمستقبلهم، ولو أضفنا تدمير الوحدة والأمن الخليجي، فقيادتهم تتحمل تبعات هذا العبث المحزن. ولو عدنا لحصارات قطر السابقة، وسر نجاح قطر في إفشالها، نجد أنها تكمن في قرب القائد من شعبه، وانسجامه مع تطلعاته، وحكمته في إدارة الأزمة، وهو ما نلمسه اليوم تماماً في سيدي سمو الأمير المفدى يحفظه الله. أستطيع تقدير أمد الحصار لفترة قد تمتد لأعوام، لكن أرى أن هذا الحصار -حتى لو طال- فلن يؤثر على قطر، بل سيزيدها إصراراً وعزيمة. قطر في ظل الحصار تحولت إلى جزيرة، إلا أنها منفتحة على العالم، ونرى كل يوم منافذ جوية وبحرية جديدة تعزز مكانتها، ولذلك فقد نجحت -بشكل كبير ولافت- في التأقلم مع الحصار والوضع الراهن، ومن الطبيعي أن تشهد الفترة التي تمر بها قطر الآن تقلبات في أسعار بعض السلع، فالسوق المحلي يقوم حالياً بتعديل نفسه، وفقاً للمعطيات والمواد والمنتجات الجديدة التي دخلت عليه من العديد من المصادر، لذلك ليس من المفروض أن يتخوف المستهلكون من هذا الوضع، فتقلبات الأسعار أمر طبيعي، ولكن هذا الأمر لن يطول، وهي فترة مؤقته لن تتجاوز المدى القصير، وإنما على المدى المتوسط ستتعدل الأمور بشكل أفضل، وأعتقد أنها ستعود إلى ما كانت عليه أو أفضل من قبل الحصار، فقطر تجاوزت تداعيات الحصار بنسبة تفوق 90 % حتى الآن، ومن يرفعون الأسعار اليوم يستغلون الوضع، ولكن في الواقع لا يوجد هناك أي مبرر حقيقي ومنطقي لرفع الأسعار، هذه الأمور ستتعدل، وهناك معروض كبير جداً من السلع والمنتجات، وأرى أن آثار الحصار بالنسبة للمواد الغذائية والسلع الأولية ستنتهي تماماً بداية العام المقبل. إلى أي مدى ساهم الحصار في بناء روابط وشراكات اقتصادية جديدة لقطر مع العالم؟ - لا توجد دولة اليوم على مستوى العالم إلا وترحب بالاستثمارات القطرية والتعامل مع قطر، وهذا يدل بشكل قاطع على أهمية ومكانة قطر التي بلغتها اليوم على خريطة العالم السياسي والاقتصادي، وعلمهم بأن ما تلفقه دول الحصار ضد قطر هي أكاذيب يضحك منها الكثير وتضر بدول الحصار أكثر مما تضر بقطر. قبل فترة وجيزة كنت في هنغاريا و بريطانيا والتقيت بعدد من المسؤولين هناك ورجال الأعمال، وجميعهم يثمنون الفرص الاستثمارية ورغبتهم الاستثمار في قطر، كذلك هم يثمنون حكمة قطر ومصداقيتها في التعاطي مع الأزمة الراهنة، وهنا لا بد من التنويه بأن الخطوط القطرية تساهم بفعالية في الترويج لقطر في مختلف دول العالم، فالطائرات القطرية اليوم تصل إلى أي مكان في العالم، وتحضر الناس من كل مكان، هناك رجال أعمال وسياح أجانب من كل دول العالم يزورون قطر يومياً، ويستغربون مما تردده دول الحصار بشأن الاقتصاد القطري ومدى توفر السلع، والاستقرار والأمن الذي توفره الدولة. فلا خوف على اقتصاد قطر ولا على مكانة قطر الاقتصادية والسياسية في العالم، بل إن الحصار أظهر لدينا قوة هائلة أول مرة نشعر بها بهذه الصورة، وهي تجانس الشعب القطري وقوته ورسوخ حبه لوطنه وقيادته، وهي القوة الضاربة والحاسمة، أما ثاني قوة فتتمثل في وعي القيادة القطرية الشابة في قراءة المستقبل والتصرف بحكمة واقتدار في التعامل مع الأزمة ومواجهة الحصار على جميع الأصعدة. الجيل القادم سيدرك أن الأزمة الخليجية قد تكون من أفضل الأمور التي حصلت لقطر، هي شر بلية ولكنها أفادت قطر بشكل كبير للوصول للأمن الغذائي وتنوع مصادر الدخل والحيطة في المستقبل. دعت سعادتك سابقاً إلى تجاوز عملية دعم المنتج المحلي في ظل الحصار إلى تطوير الصناعات الخفيفة والانتاج الغذائي ليكون على قدر المساواة والمنافسة في وجه المنتجات الخليجية، هل يمكن أن ننجح في ذلك كما ينبغي؟ - في الواقع، دول الحصار كانت تتحكم في أسواق قطر وهذا كان يشكل فيما مضى خطراً كبيراً، فكانت هناك خطورة استراتيجية على بعض المواد خاصة تلك المتعلقة بالصناعة البترولية والمواد الأولية للبناء والمواد الغذائية الأساسية، لذلك يتوجب علينا أن نحمد الله أن حصلت هذه الأزمة والحصار اليوم وليس بعد 5 أو 10 سنوات، لأنه في حينه قد يكون موقفنا أصعب، فقد يكون ذلك من إرادة الله بتنبيه أهل قطر وقيادتهم أن اعتماد السوق القطري على دول الجوار كان فيه مخاطرة عليهم. لقد أصبحت هناك استراتيجية جديدة في قطر تجاه الانتاج والتصنيع المحلي والتنويع الاقتصادي، دول الحصار اعتقدت أنها تحاصر، لكنها فشلت فشلاً ذريعاً، فقطر لديها أصدقاء في كل مكان بالعالم، ولا ننسى أن قطر تزود العالم بـ 30 % من احتياجاته من الغاز المسال، لذلك العالم يحتاج قطر بقدر احتياج قطر للعالم. قطر أثبتت للعالم أن مصداقيتها أهم شيء لديها أمام العالم، ومنها احترام ملكية الآخرين، سواء كان فرداً أو شركة، حتى مواطني دول الحصار، من كانت لديه أي ممتلكات في قطر أو تحت العلاج أو في دراسة لم يتغير عليه شيء، فقد حافظت قطر على تلك الممتلكات وسهلت للأفراد، وهو ما ساهم في تعزيز مصداقية قطر أمام العالم، أما دول الحصار فشوهت سمعتها أمام العالم بالاستيلاء على ممتلكات القطريين فكيف يثق بهم مستقبلاً. كذلك احترمت قطر العقود الموقعة مع أي طرف في دول الحصار واحترمت سيادة القانون، قطر لديها قانون تحترمه فهي لا تستطيع أن تتصرف هكذا مثل ما تتصرف دول الحصار، هي تعمل وفقاً لنصوص القانون، فلا يمكن أن تعمل بشكل مزاجي كما يفعل الآخرون. قطر دولة مدنية متطورة تحترم القانون وتلتزم بالعقود والعهود والمواثيق، ولذلك فشلت السعودية عندما أرادت أن تلعب على وتر إثارة النعرات القبلية في قطر، ونسيت أن قطر دولة مدنية متطورة ولديها مجتمع مدني متطور، ونسيت السعودية أيضاً أن لديها أكبر مجتمع قبلي، وهو ما يشكل أكبر خطر عليها لو أراد أحد أن يتلاعب به، لذلك فإننا نستغرب ونضحك في مثل هذا الوقت من تطور الشعوب أن يكون هناك توجه لاستخدام القبلية بهذا الشكل، على الأقل القبائل في قطر معززة. أظهر اقتصاد قطر مرونة كبيرة ولافتة في مواجهة التحديات الناجمة عن الحصار، إذ أشار تقرير صدر مؤخراً عن صندوق النقد الدولي إلى أن القطاع المصرفي في قطر لا يزال يتمتع بأساس متين من الرسملة القوية والأصول عالية الجودة، كما أن السياسات الاقتصادية المرنة لقطر أثبتت من جديد قدرتها الكبيرة على جذب الاستثمار الأجنبي المباشر.. فإلامَ تعزو كل ذلك؟ إلامَ تعزو نجاح الاقتصاد القطري في إنجاز ما حققه خلال الأشهر الأربعة الماضية؟ - الاقتصاد القطري اكتسب قوة جديدة في ظل الحصار، قوة قطر الاقتصادية تكمن في مصادر دخلها، وفي وجود فريق قوي في السياسة المالية والسياسة النقدية، فريق متوسط العمر متحمس للعمل والنجاح وخدمة الوطن. قطر لديها تنسيق مع كل مؤسسات العالم، وهذه المؤسسات تعلم جيداً مصداقية قطر ومصداقية الأرقام التي تقدّمها لها؛ لذلك نجد مسؤولي الدولة كافة قد تعاملوا كما يجب مع الأزمة بشكل دقيق وسليم، فكان هناك سرعة في اتخاذ القرارات، فنجحوا على أكمل وجه؛ فكفاءة هذا الفريق تصدت للأزمة باقتدار، وأفشلت مخططات دول الحصار، ولا ننسى أن قطر دولة ذكية في استغلال مواردها، ولديها عقلية اقتصادية منفتحة ومتطورة، فلو حصلت الأزمة لدولة أخرى لانهار اقتصادها خلال أسابيع؛ لذلك قطر ستقوى أكثر وأكثر، وفي المقابل هم سيضعفون. وستتعاظم أهمية قطر بشكل غير مسبوق بحدود العام 2025 لأولويات الطاقة؛ ففي حينه ستبدأ أهمية النفط بالتراجع لصالح تعاظم أهمية الغاز كمصدر للطاقة النظيفة، لذلك العالم يرى أن المستقبل سيكون للغاز، مع أن النفط سيبقى موجوداً ولكن بأهمية أقل. من هنا، تنبع أهمية قرار زيادة طاقة قطر من إنتاج الغاز من 77 مليون طن سنوياً حالياً إلى 100 مليون طن بحلول عام 2023، والذي أُعلن عنه مؤخراً. لذلك، قطر لديها اليوم كامل البنية التحتية لتزويد العالم بالغاز، ولديها القدرة المالية لزيادة الإنتاج، وأسطول حديث متطور لنقل الغاز، وخبرة كبيرة تصل إلى 25 سنة، ومصداقية يحترمها الجميع. دول الحصار تعاملت مع قطر بحالة من الانتقام والحقد والكيد والحسد، ربما بشكل غير مسبوق في أي وقت مضى، بمعنى أن تلك الدول لم تجعل تأثير الحصار مقتصراً على مستوى معين، بل ساقت تبعاته وتداعياته إلى المواطنين العاديين الذين تربطهم علاقات قربى، وإلى مجالات وقطاعات لا ذنب لها، حتى «الحيوانات» لم تسلم من حقدهم فتأذت هي الأخرى بشكل أو بآخر.. بماذا تفسر كل ذلك؟ لماذا كل هذا الحقد على قطر؟ وأين كان مخبئاً طوال العقود الماضية؟ - موضوع الحقد والحسد لا يجب أن يصل إلى الدول ورؤساء الدول؛ فهذا أمر مستهجن وغريب جداً يعود إلى الأيام الغابرة. لقد لمسنا حقداً دفيناً لدى تلك الدول على قطر، يُضاف إليه أنهم وجدوا أنفسهم فجأة متأخرين خلف قطر، وأن قطر تسبقهم بسنوات طويلة، وتنعم بمكانة عالية مع الكبار، وأنها دولة ذات سيادة واستقلالية في قرارها، واعتقدوا بهذا الحصار أنه يمكن أن تغيّر قطر من نهجها، وهو أمر مستحيل؛ فقطر تعتلي في علاقاتها مع الدول الكبرى، ويعلمون مدى أهميتها، ولديها قيادة تقرأ المستقبل بشكل يعجزون عن فهمه. ولذلك، ما يخيفهم ويهز فرائصهم أن قطر تحتضن التغيير، وترى فيه فرصة لتطور الشعوب. أما هم، فيريدون وقف التاريخ، وتثبيت الجمود الفكري والتحول الإيجابي. من الخاسر الأكبر اليوم من الحصار؟ - بالتأكيد دول الحصار، هي الخاسر الأكبر وبكل المقاييس، دول الحصار خسرت مصداقيتها وثقة المجتمع الدولي بها، وتعرت سياسياً وأخلاقياً ودينياً، الأزمة عرت أموراً كثيرة وكشفت وأظهرت شخصيات دينية على حقيقتها، فهناك من كنا نصلي خلفهم اتضح اليوم أنهم ينساقون خلف أبواق دولهم. أكبر خسارة للسعودية والإمارات بعد الخسائر المالية على حرب اليمن ومصر والبحرين وحصار قطر، تتمثل في خسارة احترام الملكية الفردية ونقض العهود والمواثيق، فمن يستطيع اليوم أن يكون مطمئناً لاستثماره في السعودية أو الإمارات بعد أن قامتا بالاستيلاء على ملكيات فردية لمواطنين قطريين، من يكون مطمئناً على استثماره في أرامكو على سبيل المثال، منذ ثلاثة أعوام وهم يتفاخرون بتخصيص أرامكو، والعالم كله بدأ يشكك بهذا التخصيص، في الإمارات هناك ما يزيد على ثلاثة آلاف قطري مثلاً يملكون استثمارات، فأين هي بلد الأمان والاستقرار والسعادة والتسامح؟ ماذا حصل في النهاية؟ استولت الإمارات على ممتلكات القطريين لديها، بل وطردت أبناءهم من الجامعات، ومرضاهم من المستشفيات، وشردت أبناء العائلة الواحدة، هناك مواطنون قطريون يضعون أموالاً داخل بيوتهم في الإمارات لا يستطيعون اليوم إحضارها أو الوصول إليها. بالطبع، لا نستطيع أن ننفي أن السوق القطري تأثر بشكل أو بآخر بتداعيات الحصار، حيث شهدت بعض المنتجات والسلع ارتفاعاً طفيفاً في أسعارها، وحدث بعض الارتفاع في التضخم، لكن قطر اليوم مكانتها في الآفاق، نحن فوق وهم تحت، أنظر إلى ممارساتهم في وسائل التواصل الاجتماعي والمستوى السوقي الذي بلغوه، هم لا يقومون بممارسات دول عندما يقومون بتوجيه أشخاص والدفع لهم لمهاجمة قطر! هل من الإسلام في شيء أن تقوم دولة مسلمة بمحاصرة دولة مسلمة شقيقة لها وتستخدم كل الوسائل والأساليب البذيئة في مهاجمتها؟! إنها أساءت للإسلام على يد دولة تدعي أنها تمثل الإسلام وتحمي مقدساته! كم تقدر حجم الخسائر التي تتكبدها دول الحصار من حصارها لقطر؟ - بالتأكيد خسائر كبيرة جداً، فمثلاً إمارة الفجيرة كانت تستخدم لتزويد سفن وناقلات الغاز القطرية بالوقود، وكانت تحصل على مبالغ مالية كبيرة سنوياً، ولكن بعد الحصار لم تعد قطر تزود سفنها بالوقود بالفجيرة، حيث تم منع الناقلات القطرية من التزود بالوقود بقرار من أبوظبي، فدفعت الفجيرة الثمن وتكبدت تلك الخسائر، وأصبحت الناقلات القطرية تتزود بالوقود في سنغافورة وراس لفان بأمان وكلفة أقل. أيضاً دبي تكبدت خسائر فادحة مباشرة وغير مباشرة، فنادق دبي فقط تعاني كثيراً، حيث إن نسبة الإشغال فيها في حدود 50 % أو أقل، لذلك أستطيع تقدير حجم الخسائر التي تتكبدها دول الحصار مجتمعة بنحو مليار دولار شهرياً.;
مشاركة :