إعداد: عبير حسين لمجرد كونها امرأة، رفضت هيئة التدريس بجامعة «كراكوفيا» البولندية ضمها إلى هيئة التدريس بها على الرغم من شهادتها المتميزة من جامعة السوربون في واحد من أصعب التخصصات العلمية، فاضطرت للعودة إلى باريس لاستكمال دراستها التي لم تكتفي فيها بالحصول على شهادة الدكتوراه، بل أصبحت أول أمرأة تحصد جائزة نوبل، كما أنها الوحيدة التي حصلت عليها مرتين في تخصصين مختلفين (الكيمياء والفيزياء). و«كونها امرأة» لم تمنعها مواصلة بحثها العلمي لتصبح أول من يصوغ نظرية للنشاط الإشعاعي، ولتدفع حياتها ثمناً لمسيرتها العلمية إذ لقيت حتفها بسبب إصابتها بمرض فقر الدم اللاتنسجي نتيجة تعرضها للإشعاع لسنوات طويلة داخل مختبرها، ولتستمر في حيازة الأرقام الصعبة حتى بعد رحيلها، فتصبح أول سيدة توارى الثرى في مقبرة العظماء في باريس بعد رحيلها في العام 1934. واليوم تحتفي الذاكرة باليوم العالمي للفيزياء الطبية الذي يوافق ذكرى ميلاد العالمة ماري كوري في العام 1867.ولدت كوري في وارسو في بولندا، وورثت شغفها بدراسة العلوم والرياضيات من والدها الذي كان مدرساً للعلوم الطبيعية، ونتيجة للظروف المالية المتواضعة لعائلتها اضطرت للعمل منذ صغرها بالتدريس لتدبير نفقات إكمال تعليمها. أبرمت كوري اتفاقاً مع شقيقتها الكبرى برونيسلافا يقضي بأن تسافر الأخيرة لدراسة الطب في باريس على أن تنفق عليها ماري، ثم تتبادل الأختان المهام بعد عامين. بدأت كوري مهمة الإنفاق على نفسها وتعليم شقيقتها بالعمل كمربية لدى العائلات الثرية في كراكوفيا، إضافة إلى عملها بالتدريس، حتى انتقلت بعد ذلك إلى باريس حيث بدأت حياتها باستئجار غرفة بسيطة على سطح أحد المنازل وانهمكت في دراسة الفيزياء والرياضيات بجامعة السوربون التي التحقت بها 1891 ولتصبح بعد ذلك بأعوام أول سيدة تتبوأ منصب الأستاذية بها. ينسب الفضل لكوري في وضع نظرية للنشاط الإشعاعي، كما ابتكرت تقنيات لفصل النظائر المشعة، واكتشفت عنصرين كيميائيين جديدين هما «البولونيوم والراديوم» وأجريت تحت إشرافها أول دراسات لمعالجة الأورام باستخدام النظائر المشعة. وحصدت كوري أول جوائز نوبل في الفيزياء عام 1903 مناصفة مع زوجها بيار كوري والمشرف على رسالتها للدكتوراه هنري بيكريل لدراستهم عن «الإشعاع المؤين»، وفي العام 1912 حصدتها مرة ثانية في الكيمياء، والمثير أن ابنتها ايرين جوليو كوري حصدت نفس الجائزة في العام 1935 مناصفة مع زوجها فردريك كوري.وعلى الرغم من حصول كوري على الجنسية الفرنسية، إلا أنها لم تفقد إحساسها بهويتها البولندية، فحرصت على تعليم بناتها لغتهم الأم، وأطلقت على أول عنصر كيميائي نجحت في عزله للمرة الأولى 1898 «البولونيوم» نسبة إلى بلدها، كما أسست معهداً مخصصاً للعلاج بالراديوم في مدينة وارسو ترأسته شقيقتها الطبيبة برونسوافا.اشتهر عن كوري أمانتها ونمط حياتها المعتدل، وإنفاقها العوائد المالية للجوائز التي حصلت عليها على المؤسسات العلمية مع تخصيص جزء كبير منها لمساعدة طلابها، وفي قرار غير عادي امتنعت عن تسجيل براءة اختراع فصلها للراديوم، بحيث يمكن للأوساط العلمية إجراء الأبحاث عليه دون عوائق.
مشاركة :