التحرير والبيان في مآثر الشيخ صالح السدلان

  • 11/7/2017
  • 00:00
  • 13
  • 0
  • 0
news-picture

في يوم الثلاثاء الرابع من شهر صفر لعام ألف وأربعمائة وتسعة وثلاثين من الهجرة النبوية، فَقَد المسلمون عالماً وفقيهاً وداعية ومصلحاً عظيماً، وهو شيخنا الفقيه الأستاذ الدكتور صالح بن غانم السدلان - رحمه الله -، والذي عانى من المرض فترة جعلها الله في موازين أعماله. وشيخنا - رحمه الله - علم من الأعلام الراسخين ذاع صيته واسمه في جميع البقاع والأصقاع نفعاً وتعليماً وإصلاحاً ودعوة. وقد وُلد في مدينة بريدة بالقصيم في 25 من ذي الحجة 1362هـ. حفظ القرآن الكريم على والده ثم التحق بمدرسة تحفيظ القرآن الكريم بالرياض. والتحق بالمعاهد العلمية المتوسطة ثم الثانوية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض وتخرج فيها عام 1381هـ. تحصّل عام 1386 على «ليسانس» في الشريعة من جامعة الإمام. وتحصّل عام 1391 على «الماجستير» في الفقه المقارن. وتحصّل في عام 1403 على الدكتوراه في الفقه المقارن.. شيوخه: 1- العلاّمة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، تخرج على يديه في العقيدة والفرائض والحديث والفقه. 2- العلاّمة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، تخرج على يديه في العقيدة والحديث والفقه. 3- العلاّمة الشيخ عبد العزيز بن باز في العقيدة والفقه. 4- العلاّمة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في الأصول والتفسير. 5- العلاّمة الشيخ عبد الرزاق عفيفي المصري في التفسير والحديث والأصول وغيرهم. أعماله في عام 1386 بدأ بالتدريس بوزارة المعارف. في عام 1395 عُين محاضراً بكلية الشريعة. تدرج في كلية الشريعة من أستاذ مساعد، فأستاذ مشارك، فأستاذ بقسم الفقه. وأشرف على عدد كبير من طلبة العلم في أطروحات التخرج. مؤلّفاته مظاهر الأخطاء في التكفير والتفسيق. النية وأثرها في الأحكام الشرعية. الإيضاح في الشروط في النكاح. صلاة الجماعة وأحكامها. الحكم بغير ما أنزل الله بواعثه وأسبابه وحكمه. وكنت قد أجريت معه لقاءً في البرنامج المعروف في موكب الدعوة سنة 14221هـ والذي كنت أقدمه في إذاعة القرآن الكريم واستمر اللقاء أكثر من ساعتين، تحدث فيها تفصيلاً عن نشأته وسيرته وحياته العلمية والعملية الحافلة. لقد بدأت علاقتي بشيخنا - رحمه الله - منذ عام 1416هـ، حيث كنت أتردد عليه في مسجده وقد تصدّر للتعليم والتدريس ونفع الناس، وازدادت العلاقة وكنت أتلقى منه غاية اللطف والاهتمام مع ما وهبه الله من حسن خلق فريد سوف آتي عليه تفصيلاً. ولعلّي هنا أبرز بعض ملامح شخصية هذا العالم الجليل - رحمه الله -: أولاً: حبه للتعليم والدعوة. فمنذ أكثر من خمسين عاماً وهو في الإمامة والخطابة لم يتركها رغم كثرة مشاغلة وأعماله الكثيرة، وكان دوماً ينصح طلبة العلم بالإمامة لما فيها من النفع العام والخاص والتعليم والدعوة. أما دروسه فهي كذلك منذ سنوات طويلة منعقدة يواظب عليها فجراً وعصراً ومساءً. وهو في مسجده مرجع للحي منذ أن كان في حي العليا والتعاون، يقضي حوائجهم ويفتيهم ويعقد عقود الزواج والنكاح ويتفقدهم ويلاطفهم، ويسأل عن فقيرهم ومحتاجهم. ثانياً: أخلاقه لقد وهب الله شيخنا خلقاً ولطفاً وكرماً عجيباً، فهو ذو ابتسامة دائمة ونكتة حاضرة فوق ما حباه الله إياه من علم غزير. وبابه مفتوح للجميع ويدعو العلماء والوجهاء دوماً إلى بيته ولا ينقطعون أبداً عن دعواته ومناسباته، ولقد رافقته حضراً وسفراً سنين عديدة فما تبدل ولا تغير. وهو ذاته في لطفه وسماحته ولين معشرة، وهو بإجماع من رافقه نعم الصاحب والرفيق. تسمع الفائدة العلمية والقصة والطرفة فما تشعر بملل مطلقاً. ثالثاً: محبته للفقراء والضعفاء والمحتاجين. بل إن دعواته ومناسباته نصف الحضور منهم، بل إني وقفت على بعض أسفاره يرافقه بعضهم ويوليهم عناية وشفقة أكثر من غيرهم، ومنذ سنوات طويلة وبيته لا يخلو منهم أبداً.. وهو كما قال الشاعر: ‏بشاشةُ وجهِ المَرءِ خيرٌ مِنَ القِرى ‏فكيفَ بمنْ يأتيْ بِهِ وهْوَ ضاحِكُ رابعاً: صلته مع أرحامه وأقاربه تراه يدعوهم دوماً ويسأل عن حالهم مهما بعدت درجة القربى، والجميع يعلم أنه كان يزور بريدة كل شهر أو أقل أو أكثر، يدور على أقاربه وأرحامه رجالاً ونساءً كباراً وصغاراً ، يقضي حاجتهم ويساعدهم بما يقدر عليه، ولقد وقفت على حالات عديدة، يبادر إليهم بالسؤال رغم مكانته ومشاغله. أذكر أن أحد أقاربه قدم من القصيم وأخبره أنه ليس لديه سيارة ولا يستطيع الشراء لتراكم بعض الديون، وقال والله إني قدمت بالنقل الجماعي، وإني ذاهب إلى الأحساء بالنقل الجماعي كذلك، فقال اذهب وواصل رحلتك وإذا رجعت من الأحساء تعال إلينا وإن شاء يسهل الله أمرك. وفعلاً بعد خمسة أيام رجع، ومر على شيخنا - رحمه الله - وإذا به يعطيه مفاتيح سيارة جديدة هدية منه، وقال سافر بها إلى القصيم. فتعجب الرجل وقبّل رأس شيخنا وبكى فرحاً، ومواقفه كثيرة في هذا. أما المساعدات وأوامر العلاج التي كبعض الأمراء فهي كذلك لا تحصر، أذكر أنّ أحد الإخوة أعطاني تقريراً طبياً عن حالة ابنته التي تشكو فشلاً كلوياً وتتطلب زراعة خارج المملكة، أخذت الأوراق وأخبرته أني سوف أوصلها لشيخنا وفعلاً أوصلتها إليه، وبعد عشرة أيام اتصال بأمر علاج خارج المملكة وتحمّل جميع التكاليف، ثم سافروا ورجعت وشفيت الحمد لله، فقدم إليّ يشكر، وأخبرته أن الفضل لله ثم لشيخنا - رحمه الله وأسكنه فسيح جناته -. أما المساعدات وشراء المساكن وقضاء الديون فهي كثيرة معروفة مشهورة جميعها تمت عن طريقه وشفاعته - رحمه الله -. ولقد ظل وبقي لسنوات مقصداً لكل ذي حاجة، وكنت أعجب من قدرة تحمله بتلك الأعداد والأفواج من الناس. خامساً: علمه وفتواه اشتهر - رحمه الله - بأنه من أهل الفتوى المعروفين ومحل ثقة مطلقة من سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله -، وسماحة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ - حفظه الله -. وفِي عام 1422هـ طلبت منه المشاركة في برنامج سؤال على الهاتف الذي كنت أقدمه في إذاعة القرآن الكريم بعد موافقة دار الإفتاء، فكانت فتواه متميزة بالدليل وحسن الفهم للسائل والتيسير على الناس، وكذلك في برنامج الفتاوى في قناة المجد وغيرها .. فما وجدته إلا مبادراً حريصاً على نفع الناس في كل موقع أو مناسبة من غير منٍّ ولا أَذًى. سادساً: نصحه وصدقه مع ولاة الأمر فقد كان - رحمه الله - يبذل نصحه دوماً وفق منهج سلف الأمة وعلماء هذه البلاد المباركة بالحكمة والموعظة الحسنة، ووقف في وجه دعاة التكفير وخوارج العصر والمبتدعة، يناصحهم ويرشدهم إلى المنهج الأصلح والتحذير من الخروج على ولي الأمر ونزع يد من طاعة، وأنّ ذلك مؤذن بويلات ومصائب لا حصر لها، فكان - رحمه الله - نعم الناصح، ولاقى في ذلك شدة وكرباً فصبر وصابر جزاه الله خير الجزاء، هذا وإن كان الله قد قضى أن يتوفى شيخنا وأنا في الجزائر لحضور معرض الكتاب هناك وفاتتني الصلاة عليه، فإنّ العزاء في دعوات الإخوة هناك الذين أكثروا ولَم ينقطعوا عن الدعاء له - رحمه الله - وكان له معهم مناصحات ومراسلات ولقاءات - رحمه الله -. وختاماً فإنّ شيخنا مدرسة علم وعمل - رحمه الله - وصل أثره جميع البقاع والآفاق، وما خيب الله ظنه فأكرمه في أخريات عمره بذرية مباركة بعد أن جاوز الستين ولَم يولد له ذرية. فاستجاب الله دعوته ودعوات غيره ممن لا حصر لهم وقد نالهم بره ومعروفه وإحسانه، فكان ذلك من إكرام الله له في الدنيا، فلعل الله أن يكرمه كذلك بجنته ورضوانه في الأخرى، جزاء ما خدم وقدم ونفع للإسلام والمسلمين. غفر الله لشيخنا العلاّمة الفقيه الداعية الصابر المحتسب أبي محمد صالح بن غانم السدلان وبارك في عقبه .. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

مشاركة :