عمان – مؤيد ابو صبيح| ◗ أصدرت مؤخرا مجموعتك الشعرية الجديدة «يجرحني الناي» التي جاءت بعد تسع مجموعات سابقة، ماذا أضفت فيها لتجربتك الشعرية؟ – الشاعر دائما في حالة تجدد، ويحاول في كل منتج شعري أن يخطو خطوات إلى الأمام متجاوزا كل ما كتبه سابقا، وإلا توقف عن الكتابة ولم يعد لديه ما يقوله. وقد يتساءل البعض عن كثرة المنتج الشعري لأي شاعر أو أديب، الكثرة ربما تكون عند البعض من الكُتاب على حساب المضمون وعلى حساب القصيدة في تمثلها للواقع، بحيث يقع البعض في تكرار ما كتب، وحتى بعض الشعراء من كثرة كتاباتهم وقعوا في سرقة أنفسهم وهناك الكثير من الأمثلة على ذلك، لأنهم أصبحوا مفرغين ولم يعد لديهم ما يكتبون، فتكون كتاباتهم مصيدة لسرقة ما كتبوه سابقا، وفي هذه الحالة باعتقادي على الشاعر أو المبدع في أي جنس أدبي أن يتنحى جانبا، ويعتمد على كتاباته السابقة إذا لم يستطع تجاوز ما كتبه. من هنا، أقول: الكتابة الإبداعية هي عملية خلق وابتكار وقراءة جديدة للمعطى اليومي برؤى وأفكار متجددة، وفي حالة من التطور تُجاري تطور الحياة في مختلف مناحيها. لهذا أنا أحرص على تقديم الشيء المختلف وكأني أصدر الديوان الأول، متجاوزا كل ما كتبت للأفضل وأُمارس النقد الذاتي على قصائدي قبل أن يمارس النقد عليها. الذات الشاعرة◗ كتب أكثر من ناقد عن شعرك بأنه مزج ما بين العام والخاص، إلى أي حد تحاول الابتعاد عن شخصيتك في الشعر؟ ـ إن أجمل الأشعار هي التي تنطلق من الذات الشاعرة وتمثل ذات الشاعر لأنها تنبع من أعماق القلب وصدق القول والتعبير الشعوري لهذه الذات، ومعظم الشعراء في تاريخنا العربي والمحدثين انطلقت قصائدهم من خصوصية الذات وأطلالها. لكن على الشاعر ألا يبقى أسيرا للذات وفضاءاتها، وأن ينطلق منها إلى عالمية الأشياء والكائنات، ينطلق إلى مساحات تطل على الشؤون الإنسانية ويقف على كثير من القضايا، سواء سياسية او اقتصادية او اجتماعية او ثقافية، وبرؤيته الثاقبة يستقرئ ما بداخل الإنسان ويعاين كثيرا من التوجعات والإرهاصات على عجلة الحياة.. لأن الشاعر الناطق الرسمي للوجع للإنساني المُعبر عن رؤاه وتطلعاته المستقبلية. فالذات الشاعرة تفضي بمخيلتها إلى اشتباك الشاعر مع محيطه والانخراط بما حوله ليكون أكثر قربا من واقعه. نشر مبكر◗ في ظل غزارة إنتاجك الشعري، هل ابتعدت عن تكرار نفسك في القصيدة؟ ـ بدأت كتابة الشعر في منتصف السبعينات وأنا مازلت على مقاعد الدراسة، وبدأت النشر في الصحف العربية والأردنية في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات وأكثر صحيفة نشرت فيها واحتضنت أشعاري هي القبس، الكويتية، نشرت جملة من القصائد فيها، وكذلك جريدتا الاتحاد والبيان الإماراتيتان، ومجلة فلسطين الثورة ومجلة اللوتس، والعديد من المجلات الثقافية. بمعنى أنه مضى على كتابتي للقصيدة أكثر من 30 عاما، خلال تلك الفترة الزمنية الطويلة لم أصدر سوى 10 مجموعات شعرية، أي أنني كل ثلاث سنوات ونصف السنة كنت أصدر مجموعة، وحاولت في كل مجموعة أن أقدم ما هو جديد في الرؤى والمضامين وبتقنيات تواكب تطور القصيدة العربية في أشكالها المختلفة، وكما كنت أبتعد عن تكرار نفسي في أي نص شعري، حافظت على البنية والشكل والوحدة الموضوعية للقصيدة، راصدا حركة الحياة وشؤونها وتفاصيلها بفلسفة القول الشعري، وأعتقد أنني راض عما قدمت، وما زلت أسعى إلى القصيدة التي أريد، وكل ما كتبته عبارة عن تمارين للوصول للقصيدة. قصيدة النثر◗ أنت تكتب قصيدة النثر الغنية بالصور والمضامين السامية، والقائمة على الرومانسية الصاخبة، ما وقع قصيدتك على المتلقي؟ ـ قصيدة النثر برأيي قد أحدثت تحولات كبيرة في الشعرية العربية منذ منتصف الثمانينات وكانت أكبر هذ التحولات في تسعينات القرن المنصرم، هذه القصيدة أخذت شوطا كبيرا في المشهدية الشعرية ولها حضورها اللافت في الملتقيات، وقد أفادت هذه القصيدة من قصيدة التفعيلة والقصيدة العمودية وأخرجتهما من النمطية من خلال كثافة اللغة وتقنياتها والانزياحات والتراكيب اللغوية وفتوحاتها. والشعر ليس وزنا فقط، وإنما هناك شروط أخرى للقصيدة كي تكتمل، نقرأ الكثير من الأشعار وهي عبارة نظم لا روح فيه وخالية من الشعر، يقول الشاعر المهجري إيليا أبو ماضي «لست منيّ إن حسبت الشعر ألفاظا ووزنا» إنما الشعر حياة ومعنى. أما ما يتعلق بوقع قصائدي على الملتقي، فهذا متروك له، لكن أنا راض عما قدمته من منجز شعري لاقى استحسان الناقد العربي والمحلي.◗ تعمل منذ زمن في الصحافة الثقافية، كيف أفادتك الصحافة في عالم الشعر؟ ـ الشعر والصحافة مكملان لبعضهما، وكل منهما يرفد الآخر، الصحافة الثقافية تحتاج اللغة العالية المبحرة في عالم الكلمة، وليست عبارة عن رصف الكلام كخبر عادي، من هنا أستطيع القول بأن لغتي وثقافتي انعكست على الصحافة، وفي المقابل أفدت الكثير من الصحافة من خلال مفاتيح الربط للخبر ومرتكزات العمل الصحافي واللغة الصحافية.. إذن الصحافة والأدب جسد واحد ولكل منهما أذرع مكملة لبعضها.◗ كيف تقرأ المشهد الشعري الأردني الحديث الآن؟ ـ المشهد يدعو إلى الفخر، ولدينا حركة شعرية برأيي مع التقدير والاحترام للمشهد الشعري العربي، تتفوق بكثير على هذه التجارب أو تجاورها وأحيانا تتجاوزها، لكن ليس هناك الدعم الكافي للحركة الشعرية، ولاحظ معي معظم الشعراء الأردنيين يحصدون العديد من الجوائز ويعرفون في الخارج.
مشاركة :