قراءة في تجربة مجلة «العلم والحياة»

  • 11/8/2017
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

تبدو علاقة المجتمعات العربيّة بالعلم ضعيفة في الظاهر، وعميقة في الباطن. إذ يسود تلك المجتمعات تعطش كبير إلى المعرفة العلمية، فيما المجلات العلمية المُحْكَمَة تدور في فلك نخبة من المتخصصين المحدودي العدد. وكذلك تقدّم المجلات العلمية المترجمة خدمات للمختصين أو من هم في عدادهم. وكذلك تفتقر الساحة العربيّة الى مجلات تكرس نفسها لتقديم الثقافة العلميّة، إضافة إلى تبسيط العلوم. ومن ذلك المنظار، يعتبر تصدي «الهيئة المصريّة العامة للكتاب» لإصدار مجلة «العلم والحياة»، طفرة في ذلك الحقل المعرفي. ولدى تصفّح أعداد المجلة خلال عامي 2016 و2017، تبرز مجموعة من الملاحظات من بينها ميل المجلة إلى التركيز على ملفات محددة، ومعالجة قضايا علمية تكون قيد التداول والنقاش كموضوع الطاقة المتجدّدة. وفي عدد حديث من «العلم والحياة»، يلفت مقال سحر مازن عنوانه «الطاقة المتجدّدة واقتصاداتها وتنوعّها: طاقة الشمس وطاقة الرياح والوقود الحيوي». ويرد فيه أنّ هناك نوعاً جديداً من الوقود الحيوي يعتمد على الأساليب الوراثية لإدخال تعديل على تركيب أحد أكثر أنواع البكتيريا شيوعاً على كوكب الأرض (= بكتيريا «إي كولاي»)، ما يجعلها قادرة على التعامل مع السكر في المخلفات الزراعيّة كي تجعله وقوداً مفيداً. وترى مازن أن تلك التكنولوجيا يمكن أن تؤدي إلى التوصل لأنواع وقود جيدة الأداء ورخيصة الكلفة، وفيها نسبة منخفضة من الكربون. وتلفت إلى أنّ تطبيق أساليب التعديل الوراثي في بكتيريا «إيكولاي» يعطيها القدرة على تحويل مواد خام إلى وقود. وتتكوّن تلك العملية من خطوة واحدة، بمعنى أنّ البكتيريا تحوّل النبات إلى وقود من دون الحاجة إلى عمليات كيماويّة معقدة.   إشكالية تمويل البحوث في منحى آخر، يلاحظ حرص هيئة تحرير مجلة «العلم والحياة» على تقديم ملفات عن موضوعات مهمة، فتحتوي الملفات على مقالات كثيرة متكاملة. ومثلاً، حوى ملف الطاقة النوويّة المقالات التالية: من أين تأتي الطاقة النوويّة؟ وستة عقود عمل في المجال النووي في مصر، ومعايير أمان معالجة النفايات النوويّة، والمحطات النوويّة الروسية، ومستقبل واعد للطاقة النوويّة. وفي منحى آخر، تلاحق المجلة المستجدات في الاكتشافات العلمية. واحتوى عدد نيسان (أبريل) 2017 على مقال للزميل فتح الله الشيخ عن أهم 70 إنجازاً علميّاً في 2016. وكتبت آمال عبدالهادي تقريراً عن لقاح جديد يعالج مرض السكري تمّ الحديث عنه خلال المؤتمر الـ75 لـ «الجمعية الأميركيّة لمرض السكري» في أيلول (سبتمبر) 2016. ويتمّ اختباره حاضراً على 150 مريضاً مصاباً بالنوع الأول من السكري، الذي يتّسم بنقص أساسي في قدرة غدة البنكرياس على إفراز هرمون الإنسولين. وليس ذلك اللقاح سوى الـ «بي سي جي» المعروف تماماً لأنّه استخدم لما يزيد عن مئة سنة في الوقاية من السل. ويعتقد أنه يساعد على التخلص من بعض الخلايا التي تعيق إفراز الإنسولين عند مرضى السكري. وتولي المجلة أيضاً اهتماماً كبيراً لمراكز البحوث العربيّة التي تعاني إهمالاً إعلامياً يكاد يصل حدّ التعتيم والتجاهل التام. وكتب الزميل ياسر الغبيري تقريراً عن دور «مركز البحوث القومي» في القاهرة في بحوث الأمن الغذائي التي ترتبط بشؤون التنمية المستدامة. وأشار إلى فوز 12 بحثاً بجائزة «يونيليفر»، مكافأة على تركيزها على الاستفادة من المخلّفات الزراعيّة وإعادة تدويرها، ما يصبّ في مصلحة الصناعات الغذائيّة. وكذلك أفردت المجلة في كل عدد موضوعين عن التراث العلمي. وفي عددها الأخير، استكتبت الباحث المتميّز صبري العدل الذي كتب عن أقدم مرصد فلكي في مصر وعن مدرسة طب القصر العيني. وتتميز مجلة «العلوم والحياة» بجودة الصور والألوان الصافية والرسومات التي تشرح مواضيع علميّة محددة، ما يعبّر عن اهتمام غير مسبوق في المجلات العلمية العربيّة (خصوصاً المصريّة) بتلك المناحي. ويبقى أن هناك من يأمل باقتحام المجلة قضايا جدالية شائكة كتمويل البحوث العلميّة، وتراجع دور كليّات الطب في البحوث الطبيّة، والإشكاليات التي ترافق تطبيق الابتكارات العربيّة وغيرها.

مشاركة :