وعند جهينة الخبر اليقين - مها محمد الشريف

  • 9/11/2014
  • 00:00
  • 11
  • 0
  • 0
news-picture

قيل لدب: لمَ تُفقر رجلاً في ليلة من كثرة ما تأكل من عنبه؟، فقال: لا تلمني فإن بين يدي أربعة أشهر أتحجر فيها فلا أتلمظ إلا بالهواء. فيقول الراوي: يمكن قراءة هذا الخبر وفق معنيين، ينظر المعنى الأول إلى مغزاه الإنساني الصريح الذي يكشف مبدأ عاماً يرى أن "الغاية تبرر الوسيلة" حيث تؤدي شدة الحاجة بالضرورة إلى ارتكاب الفعل السيئ أو اللاأخلاقي المتمثل في السرقة، بينما يوحي المعنى الثاني بدلالة الخبر الرمزية التي تعكس سوء الوضع وما يعانيه الفقراء من ترد معيشي وتدهور اجتماعي. غير أن الفكرة تجسد موضوع المعرفة ومادتها، وتستقيم من خلال إعدادها وتنسيقها، وتساعد على استيعاب الصور التي بداخلها، وتفاعل فوائدها وروافدها، فليس الفقر هو المحرض على السرقة بقدر الفعل السيئ والتخلي عن القيم الأخلاقية، أما الطريف في الوقت الحاضر أن السرقات لم تعد تهمة الفقراء والمحتاجين، بل أصبحت إدانة تلتصق بالأغنياء أيضاً. فقد لاحظ القارئ أن التقديم المركب، يكوّن اعتباراً مختلفاً، لا يتشابه مع الكثير ولكنه يقع ضمن سلسلة من البراهين والاستدلال تشحذ الذهن على التأمل والاستمتاع، وتكافئ العلاقة بين الشعور والفكر. فالمشار إليه في الرواية ليس خبراً بمعناه الصحيح، وإنما تشبيه الخبر بالرواية في نقله ليصبح ذا معنى، لأن كثيراً من الأخبار يسعى ناقلوها، إلى سرد يؤثر في الذات ليكسب تعاطف المتلقي، ويضمن تأييده، حيث يساهم في ترسيخ أفكار لا تقل غرابة عن مفارقة يريد تبريرها وتمريرها. ولقد ورد في سياق الرواية سرد للإمتاع والتخيل، واستثمر الخبر في ضوء هذا التصور حسب عهدة الراوي والناقل،، فكانت صياغة الخبر قادرة على استيعاب المعقول المطابق للتأثير الديني. إذ من البديهي ألا يتوقف الذهن عن الاكتساب والتجربة، ويستحضر معيار الحقيقة التي تتضمنها الأخبار، وقيمتها الموضوعية الصادقة، فلسنا بصدد خطيب وراوٍ عظيم، بل نريد مخبراً يؤمن بخطورة النقل الكاذب على الفرد والمجتمع. فالتباس البنية الصحيحة بين الخبر والنقل، أدى إلى غياب الزمن وضبط سلوك المصدر، فلابد من وجود مكان الحدث، إذا كان الفعل رهن الزمان والمكان ليخلق التوازن في النقل، ويحاول أن يمرر خطابه أو خبره خلف أقنعة السرد، وهذا يعني الاستجابة الفعلية للناقل أو الراوي. ولذلك نستخلص الحكمة والغاية من الرواية القصيرة التي قدمناها، أن الخبر ليس جريمة وذنباً، بل هو تصوير حي أو من نسج الخيال، حيث يُنقل بشكل مغاير يقلب الأحداث رأساً على عقب، ليستقطب اهتمام وانتباه الناس له، وأما ما يتم نقله متكامل العناصر والتفاصيل، يعد بحثاً عن الاعتدال ليقدم الخبر اليقين على غيره، وقالوا: عند جهينة الخبر اليقين، مثل تضربه العرب، من الأمثال الأكثر شهرة في معرفة الأخبار وصحتها.

مشاركة :