القاهرة: «الخليج» يقدم قصر الأمير محمد علي الكائن في جزيرة الروضة في منطقة المنيل صورة بانورامية لما كانت عليه حياة القصور الملكية في العصور السابقة في مصر، وما بلغته فنون العمارة في تلك القصور من روعة وابتكار بعدما برع المعماريون في ذلك الزمان في المزج بين مختلف الطرز المعمارية والجمع بين مختلف فنون العمارة الإسلامية ليخرجوا للعالم بنايات فريدة في معمارها وروحها وما تضمه من مقتنيات نادرة.يجمع قصر الأمير محمد على في بنائه بين العمارة الفاطمية والمملوكية إلى جانب ملامح من العمارة الفارسية والمغاربية التي تضرب بجذورها إلى حضارة الأندلس، فيما تقدم زخارفه ملامح لا تخطئها عين روح العمارة العثمانية، ما يجعله أقرب للمتحف منه إلى قصر ملكي يعكس عبر مقتنياته عمق ثقافة ساكنه ومدى شغفه بالفنون، ويرجع تاريخ بناء هذا القصر المنيف إلى بدايات القرن التاسع عشر، وقد شرع الأمير محمد علي في بنائه عام 1901 بادئاً بسراي الإقامة، وهو الجزء الذي كان مخصصاً لسكنه قبل أن يشرع لاحقاً في بناء بقية مكونات القصر الذي أشرف بنفسه على تنفيذه، ليضم إليه في وقت لاحق عدداً من التحف النادرة والمقتنيات الثمينة التي حصل عليها من مختلف دول العالم، إذ عرف عن صاحب القصر ولعه بالفنون وجمع التحف والمقتنيات الثمينة، بل إنه خصص لذلك إدارة في خاصته الأميرية كان مهمتها البحث عن التحف النادرة وشراؤها لتستقر في نهاية الأمر في القصر الأميري.كان الأمير محمد علي هو الأقرب لحكم مصر، لولا أن أنجب الملك فاروق ابنه الأمير أحمد فؤاد، إذ ظل وصياً على العرش بعد وفاة عمه الملك فؤاد الأول، حتى تولى ابن عمه الملك فاروق الأول حكم مصر، وقد نصب الأمير محمد علي وقتها ولياً للعهد قبل أن ينجب فاروق ابنه ليطيح بآمال الأمير في حكم البلاد، وإن قال مقربون منه إنه ظل عازفاً عن ذلك طوال حياته متفرغاً لهوايته الأثيرة إلى قلبه وهي جمع التحف وتربية الخيول.يتميز قصر الأمير محمد علي بسوره الذي شُيّد على طراز حصون القرون الوسطى، وهو مبني من الحجر الجيري المكسو بقطع مسنمة من الحجر الرملي شديد الصلابة تعلوها شرفات للحراسة، ويعد السور تحفة معمارية بما يضمه من سور لآيات قرآنية كتبت بالخط الكوفي البارز، ولا يضاهي السور جمالاً سوى مدخله الرئيسي الذي صمم على غرار مداخل المساجد والمدارس الإيرانية في القرن الرابع عشر، وتواجه سراي الاستقبال الزائر للقصر الذي تحوّل قبل سنوات بعيدة إلى متحف، وقد كانت السراي مخصصة لاستقبال الضيوف الرسميين، وتتكون السراي من طابقين بينهما سلم خشبي، حيث يضم الطابق الأول حجرتين إحداهما تسمى «حجرة التشريفة» والأخرى لاستقبال كبار الزائرين، فيما يضم الطابق الثاني قاعتين هما القاعة الشامية والقاعة المغربية، ويتميز الطابقان بما يضمانه من رسوم لحيوانات نادرة وطيور إلى جانب زخارف نباتية بديعة لا ينافسها في الجمال سوى برج الساعة الذي يبعد أمتاراً عدة عن سراي الاستقبال والمسجد القريب منها، وقد بناه الأمير على الطراز الأندلسي لأغراض الحراسة والمراقبة.ويعد المسجد الصغير الذي بناه الأمير محمد علي داخل قصره تحفة معمارية بما يضمه من زخارف وعمارة جمعت بين مختلف الفنون الإسلامية، ويتميز المسجد بسطحه المزين بعرائس من الحجر الرملي على شكل رؤوس حيات الكوبرا وجدرانه التي تمت زخرفتها على نحو يشبه زخرفة البسط والسجاجيد، وهو يضاهي في زخرفته ومعماره سراي الإقامة التي تعد من أقدم البنايات في القصر، إذ كانت هي المبنى الرئيسي الذي شرع الأمير في بنائه ليكون مقر إقامته، وهي تتكون من طابقين ملحق بهما برج كان يطل على نيل القاهرة، يجاور سراي العرش وهو مبني صمم على الطراز العثماني الذي انتشر على ضفاف البوسفور والمعروف باسم «الكشك».
مشاركة :