ارتبط اسم ياسر عرفات بالقضية الفلسطينية سنواتٍ عديدة، على الرغم من أنّ هذا الاسم هو الاسم الحركي له وليس الحقيقي.. أما اسمه الحقيقي، فهو محمد بن عبدالرؤوف القدوة الحسيني، من مواليد القاهرة على الأرجح عام 1929م، وهو سادس إخوته الذين ينتمون إلى أبٍ تاجر. توفّيت والدته وهو في السنة الرابعة من عمره، ليرسله والده بعد ذلك إلى القدس؛ ليشهد أحداث الثورة الفلسطينية التي انطلقت عام 1936م، وتشرّب منها ياسر عرفات الفكر الثوري. عاد بعدها إلى القاهرة؛ ليلتحق بكلية الهندسة المدنية ويتخرج فيها عام 1951م، ويؤسس رابطة الخرّيجين الفلسطينيين التي كانت محطّ اهتمام وسائل الإعلام المصرية، واشترك إلى جانب الجيش المصري في صدّ العدوان الثلاثي عام 1956 م. أمّا عن مسيرته السياسية، فقد شكّل هو وصديقه خليل الوزير حركة ثورية أطلق عليها اسم حركة "فتح"، وحاول جلب الاعترافات الدولية بهذه الحركة، كممثل شرعي للشعب الفلسطيني، وتمّ تأسيس أول مكتب للحركة عام 1965م في الجزائر. و في عام 1967م، اعترف به الرئيس المصري آنذاك جمال عبد الناصر، ممثلاً للشعب الفلسطيني، ثم أصبح بعدها رئيساً للّجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية عام 1969م. أولى مراحل النزاع بين القوات الفلسطينية التي كان يتزعّهما أبو عمار، والقوات الأردنية بدأت في شهر سبتمبر/أيلول 1970م؛ الأمر الذي أدّى إلى سقوط ضحايا من الطرفين، فيما يُعرف بمجزرة أيلول الأسود، التي تمّ بعدها خروج ياسر عرفات ورفاقه من الأردن إلى لبنان، بعد وساطات عربية تدخّلت لحقن الدماء بين الأردنيين والفلسطينيين. وبعدها شنّت إسرائيل هجمات مركّزة على قواعد المقاتلين الفلسطينيين في لبنان خلال الاجتياح الأول والثاني، ودمّرت أجزاء واسعة من بيروت، وتمّت محاصرة ياسر عرفات ورفاقه لمدة 10 أسابيع، وبعدها خرج ياسر عرفات من لبنان تحت الحماية الدولية، لتكون تونس هي محطته الثالثة بعد الأردن وبيروت، وقد تمكّن الموساد الإسرائيلي من اغتيال خليل الوزير في تونس وصلاح خلف، بينما نجا أبو عمار من محاولات اغتيال متعددة هناك. كُلّف أبوعمار رئاسة الدولة الفلسطينية في أبريل/نيسان عام 1989م، لتبدأ بعدها حرب الخليج الثانية، التي كان فيها موقف ياسر عرفات مؤيّداً نوعاً ما للغزو العراقي للكويت، الأمر الذي أثّر سلباً على القضيّة الفلسطينية، والمواطنين الفلسطينيين المقيمين بالخليج. وفيما يخصّ اتفاق أوسلو، فقد وقّع ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين عام 1993م وثيقة أوسلو، التي أسفرت عن وجود كيان جديد اسمه السلطة الوطنية الفلسطينية التي تعترف بالدولة الإسرائيلية، إلى جانب الدولة الفلسطينية التي ستقودها منظمة التحرير الفلسطينية. وفي عام 1994، عاد ياسر عرفات إلى غزة، بعد 27 عاماً قضاها في المنفى، وقد حصل في العام ذاته على جائزة نوبل للسلام، لتبدأ بعدها المسيرة السلمية للرئيس ياسر عرفات. وفي هذه المرحلة جاءت قمة كامب ديفيد عام 2000، التي جمعت ياسر عرفات والرئيس الأميركي بيل كلينتون، ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك، وانتهت دون الوصول إلى اتفاق يخصّ القدس والمستوطنات واللاجئين. ومع اندلاع انتفاضة الأقصى التي كان سببها زيارة رئيس الوزراء الصهيوني آنذاك أرئيل شارون المسجد الأقصى، ساءت العلاقات بين ياسر عرفات والولايات المتحدة الأميركية، التي اتهمته بالتكاسل في قمع الانتفاضة، وبدأت إسرائيل تطالب بالتخلص من ياسر عرفات بأيّ شكل من الأشكال. أمّا عن وفاته، فقد توفّي ياسر عرفات في الحادي عشر من شهر نوفمبر/تشرين الثاني عام 2004م، في مشفى باريس بعد صراع مع المرض، وسط اتهامات من قِبل الفلسطينيين لإسرائيل، بدسّ السمّ له في الطعام عن طريق عملائها، لتتعاقب فرق التحقيق من روسيا وفرنسا، وتتضارب الآراء والمقولات حول تسمّم ياسر عرفات، وما تزال القضية مفتوحة حتى اليوم.. رحلَ ياسر عرفات، تاركاً وراءه إرثاً، وصفه البعض بالإرث الفلسطيني، طالما أصبحت كوفيّته رمزاً للمواطن الفلسطيني، في حين وصفه آخرون بغير ذلك، آخذين بعين الاعتبار بعض التنازلات التي قدّمها الزعيم الراحل للمجتمع الدولي، والتي لم ترُق للكثير من الفلسطينيين. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :