هل تصبح اليابان نموذجاً للدول الغنية؟

  • 11/11/2017
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

سليمة لبال| رغم الكوارث الطبيعية والأزمات المالية والجيوسياسية والشيخوخة، يحتل الاقتصاد الياباني المرتبة الثالثة عالمياً، فما سر ذلك؟ وكيف استطاعت الحكومة اليابانية مواجهة كل هذه التحديات على مدى السنوات الماضية؟ فللمرة الثالثة، في ظرف خمسة أعوام، قرر رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، إجراء انتخابات مبكرة من أجل تعزيز موقعه، وقد فاز هذه المرة بعد أن استفاد من أجواء الحرب التي أفرزتها الصواريخ الكورية الشمالية لينتقل من موقع الضعف إلى القوة. يعدّ التحفيز النقدي والمالي مفتاح استراتيجة شينزو آبي الاقتصادية، التي تقوم على 13 برنامجاً للدعم الضريبي، منذ توليه هذا المنصب في 2012 علاوة على الإصلاحات التي باشرها. ففي الحملة الانتخابية صرخ آبي في وجه الناخبين قائلاً: «قد تتحول اليابان إلى بلد عجزة. اليابان ستفقد سكانها، إنها صرخة إيقاظ لكم».   مثل شينزو آبي جده نوبوسوك كيشي، الذي شغل منصب رئيس للوزراء في اليابان بين 1975 و1960 واستثمر جيدا للحصول على حق تنظيم الألعاب الأولمبية في 1964، التزم شينزو آبي بالعمل من أجل الفوز بتنظيم الألعاب الأولمبية لعام 2020 في طوكيو، ضارباً بكل المشاكل المرتبطة بكارثة فوكوشيما النووية عرض الحائط، التي عصفت بالبلاد في 2011. لكل عقد تحدياته الخاصة ينظر الغرب وخاصة الأميركيين إلى اليابان بعين الريبة دوما، ففي شتاء 2016 وخلال بداية حملته الانتخابية الرئاسية، تساءل دونالد ترامب «متى قهرنا اليابان في أي شيء؟» وكان ترامب يتحدث عن الفوائض التجارية المعتبرة التي تحققها اليابان مقارنة بالولايات المتحدة، فامبراطورية الشمس المشرقة لا تزال أول دائن دولي قبل الصين، ووفق السفارة الفرنسية في طوكيو فإن أصول اليابان الخارجية الصافية، تبلغ 3200 مليار دولار. وهاجس اليابان ليس جديداً في منطقة ما وراء الأطلسي وهو من دون شك يعود إلى الهجوم الذي شنه الجيش الياباني على قاعدة بيرل هاربر الاميركية في المحيط الهادي في عام 1941، وقد أوضح ذلك البروفيسور إزرا فوغل في كتابه «اليابان رقم واحد» الذي كان من أكثر الكتب رواجاً عام 1979، حين تساءل بصراحة «هل سيتجاوز اليابان الولايات المتحدة، بعد أن تجاوز الناتج المحلي الإجمالي، المستوى الاميركي؟» لقد بدا للوهلة الاولى ان لا اساس لهذه المخاوف، لكن الاستاذ في جامعة هارفارد وبعد سنوات من التحقيقات التي أجراها في اليابان، حيث لا تراجع لعدد سكان اليابان ولا دخول للصين في لعبة العولمة العالمية، لكن بعد عشرة اعوام وبالتحديد بعد اندلاع الازمة المالية في 1989، بدأت طموحات طوكيو تتراجع خاصة مع المبالغة في تقدير قيمة الين في ثمانينات العقد الماضي بعد الاتفاقيات النقدية التي ابرمت في عام 1985 ثم الانهيار المالي عام 1998 تلتها الأزمة المالية وارتفاع الدين العام في بداية عام 2000 وأخيرا كارثة فوكوشيما، وتراجع النمو الديموغرافي عام 2011. وفي كل عشرة اعوام تحتضن اليابان تظاهرة رياضية ويقول هاجيم تاكاتا رئيس القسم الاقتصادي في معهد ميزوهو للابحاث: «لقد واجهت اليابان وجرّبت كل التحديات والمشاكل التي يواجهها العالم اليوم». مواجهة الأزمات تمكنت اليابان قبل بقية العالم بعشر سنوات، من مواجهة انهيار البورصة، وقد أُجبرت حينها على إعادة بناء قطاعها المالي في العمق، وتقول وكالة المراقبة المالية المستقلة التابعة لوزارة المالية: «تأثرنا نسبيا بشكل بسيط بالأزمة المالية العالمية في 2008 التي انفجرت بعد افلاس بنك ليمان براذرز». أنشئت هذه الوكالة في عام 1998 من أجل معالجة المشاكل المالية الكبيرة التي عانت منها المؤسسات المالية وحينها ترك حوالي 20 بنكاً وطنياً مكانهم لاكبر ثلاثة بنوك حاليا. وكان بنك اليابان هو اول بنك مركزي يلجأ في عام 2001 الى تطبيق نسبة فائدة تساوي الصفر ويقول هاجيم تاكارا إن اليابان رائدة في مواجهة الازمات، ولا يتردد في القول ان بلاده قامت بدفع الاقتصاد العالمي إلى تبني مقاربتها، منذ الازمة المالية لعام 2008. وهذه الحيوية والنشاط نلاحظهما أيضا في المؤسسات اليابانية التي طهرت حساباتها، ما سمح لها بأن تكبر بنسبة 60 في المئة خلال السنوات الخمس الأخيرة، التي حكم فيها شينزو آبي خاصة من خلال استثماراتها الأجنبية، فالبنوك الكبرى الثلاثة في البلاد وهي ميزوهو وسوميتومو ميتسوي وميتسوبيشي، تجني اليوم نصف أرباحها في الخارج وفي المقابل تعاني بعض البنوك المحلية من حجم فائدة يساوي الصفر، حيث يحد ذلك من ارباحها. تراجع عدد اليابانيين يتراجع عدد سكان اليابان بمقدار 885 ألف سنويا، حيث ينتظر ان يصل عدد السكان إلى 40 مليون نسمة بحلول 2060 أي بانخفاض يصل إلى الثلث وفق المعهد الوطني للسكان وابحاث الامن الاجتماعي وأمام هذا الوضع قرر شينزو آبي في اكتوبر 2015 ان يرفع نسبة خصوبة النساء من 1.45 اليوم الى 1.8 طفل لكل امرأة من دون ان يحدد موعدا لذلك. وتتميز اليابان اليوم بتقدم عمر السكان لدرجة تم مؤخرا الإعلان عن انشاء مجلس متعدد الاجيال مكلف بالتفكير في رعاية مجتمع يفوق عمر افراده المئة عام. ووفق مكتب رئيس الوزراء فان فئة السكان الذين تتراوح أعمارهم ما بين 15 و64 عاما تراجعت بـ3.9 ملايين نسمة ما بين 2012 و2016، وعلى الرغم من ذلك ارتفع عدد الاشخاص القادرين على العمل بـ1.85 مليون نسمة. وقد تمكنت اليابان من تحقيق هذه المعجزة بفضل ما حققته من تقدم في توظيف المرأة واعادة توظيف ثلث المتقاعدين الذين تتراوح اعمارهم بين 70 و74 عاما. ويقول ناوويوكي شينوهارا الاستاذ في جامعة طوكيو: «سيكون اللجوء إلى العمالة الاجنبية ضرورياً، وإن أوضحت استطلاعات الرأي أن الشعب يرفض ذلك خوفاً من انتشار الجريمة». وأما شينزو آبي فيفضل من جهته التوجه إلى إنشاء شركات تعتمد في عملها على روبوتات، لكن الشيخوخة قد تؤدي الى ظهور أحياء أشباح مثل قرية نانموكو المعروفة بأنها الأكثر تقدما في السن، فهذه القرية التي تبعد 107 كلم عن طوكيو، فقدت نصف سكانها في ظرف عشرين عاماً، واما من بقي منهم وعددهم 1963 وواحد من أصل اثنين منهم تجاوز السبعين، وأما مدرسة القرية فليس بها سوى صف واحد يتكون من 24 طفلاً. التغيير من أجل البقاء خلال الحملة الانتخابية، اقترح شينزو آبي تقوية النظام التعليمي رغم أنه الأكثر كفاءة في العالم وفق منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، لكن رجال الأعمال مهتمون فقط بتقليص الدين العام. وعلى الصعيد الاجتماعي لا يزال نظام التوظيف مدى الحياة قائماً بينما لا يزال لوزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة، وهي رمز التخطيط الياباني منذ فترة بعد الحرب، نفوذ أيضاً اليوم، ويقول أحد مديريها «إن هذه الوزارة لم تتطور كثيرا، والمحيط فقط هو ما تغير. وأولويتنا من الآن فصاعدا هو إدماج مؤسساتنا المتوسطة في سلاسل الإنتاج الدولية». ويؤكد المحللون اليوم أن الاتفاقيات التجارية في منطقة آسيا – المحيط الهادئ ومع الاتحاد الأوروبي، أصبحت أولوية بالنسبة لبلد ضاقت سوقه الداخلية، بينما يحقق أربعة اخماس فوائضه المالية الخارجية من استثماراته في الخارج. تلعب اليابان لعبة العولمة وهي على طرفي النقيض مع شعوبية ترامب الاقتصادية، بينما فهم المجتمع الياباني الفخور بثقافته، ضرورة التغيير من أجل الحفاظ على وضعه ومكانته. لوفيغارو

مشاركة :