يستمر الغموض حول مصير الازمة اللبنانية، على خلفية استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري من الرياض، وما احيط بها من ألغاز، والتصعيد السعودي المرتقب تجاه بيروت. وامس أعلنت رئاسة الجمهورية اللبنانية أن «الرئيس ميشال عون ابلغ مراجع رسمية محلية وخارجية عن ان الغموض المستمر منذ اسبوع، والذي يكتنف وضع الحريري منذ اعلان استقالته، يجعل كل ما صدر وما يمكن ان يصدر عنه من مواقف او خطوات او ما ينسب اليه لا يعكس الحقيقة، بل هو نتيجة الوضع الغامض والملتبس الذي يعيشه في السعودية أو بالآداب لا يمكن الاعتداد به». ودعا عون السعودية الى توضيح الاسباب التي تحول حتى الآن دون عودة الحريري الى وطنه، وأكد في بيان أن لبنان لا يقبل بأن يكون رئيس وزرائه في وضع يتناقض مع الاتفاقات الدولية والقواعد المعتمدة بين الدول. كذلك، دعا عون الى ان يكون ماراثون بيروت اليوم تظاهرة رياضية وطنية للتضامن مع الحريري وعودته الى وطنه. وذكر مسؤولون لبنانيون كبار أن السلطات اللبنانية تعتقد أن الحريري محتجز في السعودية. ويجب أن تكون له حصانة. رهن به شخصياً في المقابل كرر القائم بالاعمال السعودي في لبنان وليد البخاري نفيه بان يكون الحريري في الاقامة الجبرية، معتبرا أن وضع الحريري هو بارادته في السعودية، وليس باقامة جبرية. البخاري وعلى هامشه لقائه بوفد من العشائر العربية في لبنان، وردا على سؤال حول عدم عودة الحريري الى لبنان قال: «عودته رهن به شخصيا وربما يقرر عدم العودة لاسباب أمنية ولخشية من تعرضه لاغتيال». وبينما تشير مصادر في رئاسة الجمهورية إلى توجه لدى عون لتدويل الأزمة، لفتت تغريدة رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع عبر «تويتر» حيث قال: «إلى كلّ الذين يذرفون الدموع على غياب الحريري من فريق 8 آذار.. لو كنتم فعلا تريدون عودته إلى لبنان لتطلب الأمر قرارا واحداً لا غير، وهو الانسحاب من أزمات المنطقة. والسلام»! حراك دولي في غضون ذلك، تستمر حركة المشاورات واللقاءات والاتصالات الموزّعة بين مقار رسمية عدة، واضيف اليها امس حركة دولية ناشطة في كل الاتّجاهات من اجل البحث في تطور الاوضاع. وفي السياق، اعلن البيت الابيض رفضه «المسّ بسيادة لبنان او تهديد استقراره»، محذّراً «من تهديد اطراف داخلية او خارجية له». واوضح بيان صادر عنه «ان الولايات المتحدة ترفض في هذا الوقت الحسّاس اي جهود تقوم بها الميليشيات داخل لبنان او اي قوات اجنبية لتهديد استقراره وتقويض مؤسسات الحكومة اللبنانية، او استخدامه قاعدة لتهديد الآخرين في المنطقة»، مؤكداً «ان سعد الحريري شريك موثوق به للولايات المتحدة في تعزيز المؤسسات اللبنانية ومحاربة الإرهاب»، جازماً بان «الجيش اللبناني وقوات الامن هي السلطات الأمنية الشرعية في لبنان». اتصال ماكرون- عون اما على الخط الفرنسي الذي يبدو اكثر زخما، فقد اجرى الرئيس ايمانويل ماكرون اتصالا هاتفيا بالرئيس عون، وتداول معه في التطورات الاخيرة المتصلة باعلان الحريري استقالته، وشدد ماكرون على التزام فرنسا دعم لبنان ووحدته وسيادته واستقلاله، والمساعدة في تثبيت الاستقرار السياسي والامني فيه. واتفق الرئيسان على استمرار التشاور لمتابعة التطورات. اتصال ماكرون يأتي عقب لقائه امس الاول ولي العهد السعودي محمد بن سلمان حيث زار الرياض بشكل طارئ. وفي السياق، وصل الى بيروت امس موفد الرئيس ماكرون هو مستشاره الرئاسي للشؤون الخارجية اورليان دو شوفالييه، في مهمة وصفت بأنها تتصل بالبحث عن وضع الحريري كمواطن فرنسي بالاضافة الى كونه سعوديا ولبنانيا. وتوازيا، تشير مصادر مطلعة الى ان ماكرون سيوفد وزير خارجيته جان ايف لو دريان الى الرياض لاستكمال مهمة ترتكز على مبادرة فرنسية قوامها ثلاث نقاط تتقاطع في جزء منها مع ورقة لبنان التي حملها مدير عام الامن العام اللواء عباس ابراهيم الى فرنسا، وقبلها عمّان تنص على عودة الحريري الى بيروت وتقديم استقالته شخصيا الى رئيس الجمهورية، واعادة تكليفه لتشكيل الحكومة من دون ان يشكلها فعليا، فيستمر على رأس حكومة تصريف اعمال حتى موعد الانتخابات النيابية، بحيث يمكن خلال هذه الفترة ان تتظهر طبيعة الامور على المستوى الاقليمي. وكشفت مصادر في باريس عن قلق كبير ينتاب فرنسا، وخشية على لبنان في ضوء التطورات الاخيرة بعيد زيارة الرئيس ماكرون الى السعودية. دار الفتوى إلى ذلك، بقيت دار الفتوى تستقبل الزوّار من شخصيات سياسية ودينية للتشاور مع المفتي دريان في استقالة الحريري. واوضح راعي ابرشية بيروت للموارنة المطران بولس مطر موفداً من البطريرك الراعي اثر لقائه المفتي»ان زيارة الراعي الى السعودية قائمة وتبدأ غداً الاثنين، مؤكداً «انها من اجل الحوار الإسلامي المسيحي والعيش المشترك». وفي حين تُرجّح مصادر ان يشمل جدول اعمال الراعي لقاءً مع الرئيس الحريري، لا تستبعد «ان يحضر الحريري شخصياً الى جانب الملك سلمان وولي العهد في استقبال الراعي»، حيث ستحرص المملكة على تنظيم استقبال حاشد لرأس الكنيسة المارونية، وهذا بحد ذاته حدث جديد في المشهد السياسي اللبناني. ( بيروت- رويترز، المركزية، ا ف ب) ترقُّب لخيارات المملكةهل ينجح حصار لبنان اقتصادياً؟ تتوارد المعطيات عن تصعيد سعودي مرتقب يطول جميع اللبنانيين، على خلفية النزاع مع «حزب الله»، ونتيجة تداعيات استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري وغيابه عن المشهد. ولا تُعدّ مطالبةُ السعودية رعاياها بمغادرة لبنان فوراً، دعوة «روتينية» شكليّة، ككل الدعوات التي تُصدرها بين الحين والآخر، بل تدلّ إلى قرار «كبير» اتخذ في المملكة بوقف سياسة المهادنة والمسايرة لبنانياً، والذهاب نحو خيارات أكثر تشددا وصرامة، «حتى تعود الأمور إلى نصابها الطبيعي»، وفق ما أعلن وزير الدولة ثامر السبهان. وقرار سحب الرعايا، ليس إلا أوّل الغيث سعودياً، وسيتم استلحاقه بجملة إجراءات أخرى، إذا بقي لبنان الرسمي يتعاطى مع استقالة الحريري بطريقة تتعلق فقط بشكلها، من دون الدخول إلى باطنها لمعالجة أسبابها وخلفياتها، فالسعودية تملك أوراق قوة كثيرة ستعمد الى «سحبها» تدريجيا، للضغط على الدولة اللبنانية، ودفعها الى التجاوب مع طلباتها، ومن هذه الأوراق، ترحيل اللبنانيين العاملين في السعودية (نحو 350 ألفاً)، ومن بينهم آلاف المستثمرين ورجال الأعمال، الذين يملكون أكثر من 600 مؤسسة، وتقدّر استثماراتهم في المملكة بعشرات مليارات الدولارات. وفي وقت يبلغ حجم التحويلات المالية من منطقة الخليج إلى لبنان نحو 4.5 مليارات دولار سنوياً، %50 منها تحوّله الجالية اللبنانية الموجودة في السعودية، مما سيكون له تداعيات كبيرة إذا قررت المملكة منع التحويلات المالية إلى بيروت. إلى ذلك، يمكن للمملكة أن تسحب استثماراتها من لبنان، وهي استثمارات وازنة، رغم تراجع قيمتها في السنوات الماضية، وتشكل نحو %90 من إجمالي الاستثمارات العربية، كما للرياض ودائع مالية في مصرف لبنان، وقد تلجأ إلى سحبها أيضا للضغط على لبنان. وفي هذا السياق، يؤكد الكاتب والمحلل السياسي إيلي يشوعي لموقع {عربي 21} أن الأزمة الراهنة «تثير مخاوف كبيرة على الاقتصاد في لبنان، وقد تخلّف تأثيرات عدّة في حال تفاقمها»، مشيرا إلى أن «العقوبات التي يتمّ الحديث عنها ترتكز على رفع الضمانات المالية عن لبنان، ووقف الصادرات اللبنانية وغيرها من الإجراءات». ولم يستبعد يشوعي «ارتفاع وتيرة العقوبات الأميركية، التي تستهدف شخصيات لبنانية، وقد تطول أسماء أخرى وهيئات تحت ذريعة مكافحة الإرهاب». ووسط تلك المخاوف، أكدت مصادر مصرفية أن مصرف لبنان «يملك من الأسلحة ما يؤهّله لأن يبقى ممسكاً بالقطاع النقدي والمصرفي، أولها امتلاكه احتياطياً نقدياً بالعملات الأجنبية تجاوز الـ44 مليار دولار (يمنع حدوث «اضطراب على سعر صرف الليرة في الفترة المقبلة»)، وثانيها التعاميم الصادرة عن مصرف لبنان، التي تشدد الإجراءات وتضع قيوداً على تداول النقد والعمليات المصرفية اليومية، مثل منع تحريك الحسابات المجمّدة قبل فترة استحقاقها. (بيروت المركزية)
مشاركة :