استعجال تحويل استثمارات التأمينات إلى هيئة الاستثمار

  • 11/11/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

نسمع ونرى استياء المواطنين المتكرر من سخاء الصندوق الكويتي للتنمية مع دول العالم المختلفة. لكن المهم والغائب عن الكثيرين هو أن الحكومة لم تدفع للصندوق أي أموال منذ أكثر من ثلاثين عاما وتحديدا منذ سنة 1985 – 1986. اذ يعتمد الصندوق في تنمية موارده المالية على الاستثمارات، ولذلك زادت قروضه ومنحه وسخاؤه لدول العالم وتخطى ذلك بإقراض بنك الائتمان 500 مليون دينار وحتى المساهمة بتمويل المشاريع التنموية في البلد. عند المقارنة نجد أن الصندوق الكويتي حول أموال الدولة المحدودة إلى سخاء كبير مع دول العالم بينما حولت التأمينات سخاء الحكومة معها إلى شح مع المواطنين. تمويل الحكومة للتأمينات من ينظر إلى المعاش التقاعدي وما يدفعه المؤمن عليه كنسبة من التأمين الأساسي والتكميلي يجد ان نظام التقاعد في الكويت سخي جدا. فالمؤمن عليه يدفع %5 فقط شهريا ويحصل على معاش تقاعدي مدى الحياة قد يصل إلى %95 من آخر راتب. لكن الحكم بهذه الطريقة ناقص وسطحي، لأن ما تحصل عليه التأمينات كاشتراكات هو 25 % من الراتب شهريا وليس 5% فقط. وفي حالة الموظف الحكومي، التي تشكل %79 من اجمالي المواطنين الموظفين، تدفع الحكومة 20 % ويدفع الموظف 5 %شهريا فقط. طبعا لا تزال الصورة ناقصة ولا يمكن الحكم عليها بعد. فالتأمينات تدير سبعة صناديق تأمينية وهي: 1 – صندوق المدنيين العاملين لدى صاحب عمل. 2 – صندوق التأمين التكميلي. 3 – صندوق العسكريين. 4 – صندوق زيادة المعاشات التقاعدية. 5 – صندوق المدنيين العاملين لحسابهم الخاص. 6 – صندوق المكافأة المالية. 7 – صندوق التأمين ضد البطالة. بهدف الاختصار والتبسيط لبيان الصورة كاملة سنركز على أكبر وأهم صندوقين وهما صندوق المدنيين العاملين لدى صاحب عمل (الأساسي) وصندوق التأمين التكميلي. ثم نستعرض مصادر تمويلهم بالتفصيل في أفضل وأسوأ سنة لإيرادات الاستثمار من السنوات الخمس الأخيرة، وهما السنتان الماليتان 2014 – 2015 (الأفضل) و2015 – 2016 (الأسوأ) حسب البيانات المنشورة على موقع التأمينات الاجتماعية. تتكون ايرادات الصندوقين المجمعة من ستة بنود تتحمل الخزانة العامة 3 منها بالكامل. أما بالنسبة لبند الاشتراكات فيدفع المواطن ما نسبته %5 من الراتب كاستقطاع ويدفع صاحب العمل نسبة %10، سواء الحكومة او القطاع الخاص وتدفع الدولة نسبة %10 كمساهمة إضافية للتأمينات. وعند تطبيق ما سبق على نسبة توظيف حكومي تقارب الـ %79 للمواطنين تكون المحصلة أن الدولة تدفع أكثر من %70 من الاشتراكات التي تمثل %25 من الرواتب. وتتحمل التأمينات مسؤولية بندي حصيلة الاستثمارات والايرادات الأخرى. كانت حصيلة الاستثمارات في أفضل سنة 1091.7 ملايين دينار بينما كانت 15.6 مليون دينار فقط في أسوأ سنة أي بنسبة انخفاض تفوق الــ98% . حيث كانت نسبة إيرادات الاستثمار إلى اجمالي الإيرادات %28 في أفضل أحوالها و2 % في أسوئها. وكانت نسبة اعتماد التأمينات على أموال الدولة هي %64 عند أفضل عوائد للاستثمار و79 %عند أسوئها. فما هي فائدة إدارة التأمينات لاستثماراتها؟ هل التأمينات سخية مع المواطنين؟ نظام التأمينات هو نظام جماعي، لكن يمكننا الافتراض لتوضيح مدى سخاء أو شح التأمينات مع المواطنين أن صندوقي التأمين الأساسي والتكميلي اشترك فيه مواطن واحد فقط. وحسب التفصيل الآتي: ● يبدأ الموظف العمل بسن 25 سنة وبراتب 920 ديناراً شهريا. ● تحصل التأمينات شهريا على نسبة %25 من الراتب كاشتراك (%5 الموظف و%10 صاحب العمل و%10 مساهمة من الدولة). ● تجمع التأمينات وتستثمر هذه المبالغ أو الاشتراكات بشكل مستمر. ● للتبسيط، مع الأخذ بالاعتبار العلاوات الدورية والترقيات إلخ.. تم افتراض زيادة سنوية بالراتب تعادل 20 ديناراً. ● تحسب قيمة ما تبقى من هذه المبالغ المستثمرة عند الوفاة أي بعد دفع المعاشات التقاعدية بعمر افتراضي 80 سنة وهو رقم متحفظ لأنه أعلى من متوسط العمر الافتراضي في الكويت عند 75 سنة تقريبا حسب منظمة الصحة العالمية. ● لم تتم زيادة المعاش بــ30 ديناراً كل 3 سنوات لأن ذلك ضمن صندوق زيادة المعاشات التقاعدية وله اشتراك مختلف. تم حساب قيمة الصندوق أو المحفظة التأمينية عند الوفاة أي عند سن الـ80 حسب معدل عوائد استثمار مختلفة لمدة 55 سنة أي منذ بداية العمل وحتى الوفاة علما بأن العائد الاستثماري المستهدف للتأمينات هو %6.5 سنويا. كانت قيمة الصندوق عند الوفاة بسن الــ80 والتقاعد بسن الــ55 مع افتراض عائد استثماري %6.5 هي فائض 496 ألف دينار تقريبا. ولو نزلنا بالعائد الاستثماري إلى 5.5% سنويا لكانت قيمة الصندوق هي فائض 103 آلاف دينار. أما لو نزلنا بالعائد الاستثماري إلى مستوى الــ%5 سنويا لكانت قيمة الصندوق عند الوفاة هي عجز 24 ألف دينار. أي لو كانت التأمينات تحقق العوائد الاستثمارية المستهدفة لكان لديها فوائض بدل العجز. حتى تكتمل الصورة أكثر، تم افتراض تقاعد مبكر عند سن الــ50 سنة أي بعد 25 سنة خدمة وبعد حساب المعاش التقاعدي حسب قانون التأمينات الحالي والإبقاء على سن الوفاة عند 80 سنة، كانت قيمة الصندوق مع افتراض عائد استثماري %6.5 سنويا هي فائض 143 ألف دينار وليس عجز. ولو خفضنا العائد الاستثماري إلى %6 لكانت قيمة الصندوق هي عجز 23 ألف دينار تقريبا. فهل يمكننا فعلا أن نصف التأمينات بأنها سخية مع المواطنين؟ يمكن لأي مستثمر أن يدرك بأن أي محفظة استثمارية تخسر 5 % من قيمتها، ستحتاج لعائد %5 تقريبا لتعود لقيمتها الأصلية. ولو خسرت 10 % من قيمتها لاحتاجت إلى عائد %11 تقريبا لتعود إلى قيمتها الأصلية. لكن لو خسرت 50 % من قيمتها لاحتاجت إلى عائد 100 % لتعود إلى قيمتها الأصلية. وهنا يكمن صلب المشكلة، حيث ما زالت «التأمينات» تعاني من سوء إدارة في الاستثمارات لا يتسع المجال لذكر تفاصيله. لكن يكفي بأن نذكر ان مدير «التأمينات» يفتخر خلال لقاء تلفزيوني مؤخراً بأن عائد «التأمينات» الاستثماري كان عند مستوى الــ5 % تقريباً في سنة تعد من الأفضل لصناديق التقاعد في العالم والتي حقق فيها الكثير منها عوائد تفوق الــ%10. أليس من الواضح بعد كل هذه التفاصيل أن «التأمينات» حولت سخاء الدولة معها إلى شح وبخل كبير مع المواطنين بسبب عدم قدرتها على إدارة الاستثمارات بشكل جيد؟ تحويل «التأمينات» إلى جهة ذات ميزانية ملحقة نظراً لنسبة تمويل الحكومة العالية لـ «التأمينات» وظهور مؤشرات تبين سوء إدارة «التأمينات» للاستثمارات، وما ترتب على ذلك من مبالغات في العجز الاكتواري ومطالبات من شأنها أن تضر بالمال العام، أصبح من الضروري فصل إدارة الاستثمارات عن التأمينات الاجتماعية لتركز الأخيرة على خدمة المواطنين وتدع مسألة الحفاظ على المال العام لوزارة المالية وإدارة الاستثمارات للهيئة العامة للاستثمار وفق المقترح الآتي: 1 – يتم تحويل التأمينات الاجتماعية من مؤسسة ذات ميزانية مستقلة مفصولة عن ميزانية الحكومة إلى مؤسسة حكومية ذات ميزانية ملحقة ذات أهداف تتركز في توفير الأمان الاجتماعي للمواطنين. 2 – تتحول جميع صناديق التأمينات إلى الهيئة العامة للاستثمار وتنشأ بها، أي الهيئة، وحدة خاصة لإدارة هذه الصناديق نظراً لطبيعتها المختلفة عن الاستثمارات التقليدية في الاحتياطي العام واحتياطي الأجيال. 3 – تنشأ بوزارة المالية وحدة خاصة لتحليل تكاليف أنظمة التأمينات الاجتماعية على الدولة وتضع الأسس والمعايير ومستوى المخاطر المسموح به للهيئة العامة للاستثمار لكي تدير الصناديق التأمينية. 4 – تكون وزارة المالية هي المسؤولة عن مراقبة ونشر أداء الاستثمارات والفحوصات الاكتوارية بشكل دوري. للأسف ساهم كون التأمينات الاجتماعية مؤسسة ذات ميزانية مستقلة في تعرض المال العام لسوء الإدارة ثم في التأثير على الحكومة والنواب والرأي العام لرفض مقترحات توفر الأموال على الدولة مثل خفض سن التقاعد. لذلك كان لا بد من فصل المسؤوليات لإلغاء تضارب المصالح الموجود حالياً ليصبح تركيز «التأمينات» على تلبية وتوفير حاجة المواطنين، وتركيز وزارة المالية على تكلفة أنظمة التأمينات الاجتماعية، وتركيز الهيئة العامة للاستثمار على إدارة صناديق التأمينات الاستثمارية. ويفترض بعد كل ذلك أن يلمس المواطنون سخاء الدولة الحقيقي في أنظمة التأمينات بدل ضياع هذا السخاء بسبب محاولات تغطية للخسائر أو لسوء الإدارة.   محمد رمضانكاتب وباحث اقتصاديrammohammad@

مشاركة :