أكد معالي الدكتور أنور بن محمد قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية، أن الإمارات لن تقف مكتوفة الأيدي، في ظل التهديدات التي تمثلها إيران على استقرار المنطقة. وتأتي تصريحات قرقاش، خلال كلمته الافتتاحية في ملتقى أبوظبي الاستراتيجي الرابع، الذي ينظمه مركز الإمارات للسياسات، بالتعاون مع وزارة الخارجية والتعاون الدولي، والشراكة مع «مجلس الأطلسي» بالولايات المتحدة، ومركز جنيف للسياسات الأمنية بسويسرا، والذي انطلقت فعالياته أمس بقصر الإمارات بعاصمة الدولة. وقال قرقاش إن الدور الإيراني يزداد سوءاً في دعم التوتر الطائفي، ودعم الحرب بالوكالة في عدد من الدول موضحا الإمارات تدعم توجه الرئيس الأميركي دونالد ترامب حول إيران. وأضاف معاليه أن تنامي الوعي الدولي، بوجوب مواجهة التدخلات الإيرانية في المنطقة العربية، الذي يتزامن مع التراجع الكبير للجماعات المتطرفة بعد هزيمة داعش في الموصل والرقة، وتراجع القاعدة في اليمن، إضافة إلى تجفيف الدعم القطري في مساندة الإرهاب، كلها عوامل ستساعد في تحسين فرص الوصول إلى حلول سياسية للصراعات في كل من سوريا وليبيا واليمن. وأكد قرقاش أن البديل عن الأوضاع الحالية المضطربة في المنطقة، هو تبني استراتيجية تركز على تحقيق الاستقرار، وأن الإمارات ترى أن هذه الاستراتيجية تعتمد على قوة المملكة العربية السعودية وبرنامجها التطويري واستقرار وقوة مصر، إضافة إلى تحديث الأجندات السياسية في المنطقة. وحدد قرقاش 5 مبادئ لتمكين الدول العربية المعتدلة من تبني أجندة مشتركة تحقق التقدم، وهي عدم التسامح مطلقاً مع الإرهاب وداعميه، والعمل المشترك لمواجهة التدخلات الخارجية في الشؤون العربية، وتعزيز التعاون بين الدول العربية ذات السيادة، وتبني الحلول السياسية للنزاعات في المنطقة، وتحسين الأوضاع الاقتصادية والسياسية عن طريق الحوكمة الرشيدة وتحقيق التطوير الاقتصادي. تكريس الاستقرار بدورها، قالت رئيسة مركز الإمارات للسياسات، د. ابتسام الكتبي، إن دولة الإمارات تعمل جاهدة من أجل تكريس الاستقرار في المنطقة العربية، خاصة في ظل الأزمات التي تعصف بالشرق الأوسط حالياً، مثل الأزمة الدبلوماسية ما بين قطر والدول الداعية لمكافحة الإرهاب، ودور إيران التخريبي في النزاعات في اليمن وسوريا والعراق، إلى جانب دورها التخريبي في لبنان، من خلال دعم «دويلة حزب الله»، وإضعاف مؤسسات الدولة اللبنانية، عبر الاستقواء بمليشيات الحزب وسلاحه. وأشادت الكتبي، في كلمتها، بالدور القيادي الذي اتخذته الإمارات بالشراكة مع السعودية، بهدف تشكيل رؤى فكرية وسياسية لحلول عملية للأزمات الحالية، ونشر الأمن والاستقرار في المنطقة العربية. وقالت: «تسعى الإمارات إلى تقديم نموذج يحمل الأمل لشعوب المنطقة، ويَعدها بالاستقرار والنماء والتقدم والسعادة، ويقودها إلى المستقبل بآفاقه الرحبة، كما عبرت عنها خطة مئوية الإمارات 2071». وتابعت: «في السياق ذاته، تأتي جهود المملكة العربية السعودية، للتحديث السياسي والاقتصادي والاجتماعي، بقيادة الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، كما عبرت عنها رؤية السعودية 2030، لتمثل إسهاماً مهماً في رسمِ مستقبلٍ أفضلَ للمنطقة، وتوفير حياة كريمة لشعوبها». وأشارت إلى استمرار ما وصفته بـ «حالة السيولة وعدم الوضوح واللا يقين»، في النظامين الدولي والإقليمي، كما توقعت خُلاصات النسخة الثالثة من «ملتقى أبوظبي الاستراتيجي» في نوفمبر الماضي. وتابعت: «لم تتغير بنية النظام الدولي، ولا تزال الولايات المتحدة، القوة الأولى العظمى في العالم، وتسعى دول العالم جاهدةً إلى فهم توجهاتِ السياسة الأميركية ومحاولةِ التكيف معها». وسلطت الكتبي، الضوء على «الاضطراب والتناقض» بين مؤسسات الولايات المتحدة، في ظل إدارة الرئيس دونالد ترامب، والأزمات التي عصفت بأوروبا، مثل قرار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي «بريكست»، واستفتاء استقلال إقليم كاتالونيا في إسبانيا. وقالت الكتبي: «لا تزال المنطقة العربية تعاني تداعيات الربيع العربي، وتعيش حالة من النار واللهب، فالحرب مشتعلة في اليمن وسوريا، وحالة التصارع والانقسام قائمة حتى اللحظة في ليبيا. وفي الوقت الذي بدا فيه أن العراق على طريق دحر تنظيم «داعش» من فوق أراضيه، فإذا بقضية استقلال كردستان تنفجر في وجهه»، وأضافت أن ذلك يحدث في ظل مواصلة إيران لسياساتها الهادفة إلى الهيمنة على الإقليم، وتقويض الدولة الوطنية العربية، من خلال دعم المليشيات المسلحة وتكريس الخطاب الطائفي. وقدمت الكتبي قراءة للأوضاع الإقليمية والدولية، وما يشهده العالم من اضطرابات وتناقضات تهدد الأمن والسلم الدولي.. مشيرة إلى أن «ملتقى أبوظبي الاستراتيجي» لهذا العام، يسعى إلى مقاربة مختلف هذه التحولات بأدوات التفكيك والتحليل الجيواستراتيجي. وأوضحت أن جلسات الملتقى تتناول قضايا أمن الخليج وسيناريوهاته، وكيفية انعكاسِ أزمات إيران الداخلية على سياساتها الإقليمية، والدور التركي بين الإحياء والانكماش والمستقبلاتِ المحتملةَ للدول العربية، التي تشهدُ حروباً طاحنة وصراعات داخلية. وفي جلسة ركزت على تدخلات إيران في المنطقة،اعتبر خبراء دوليون أن شيفرة النظام الإيراني تكمن في تصدير الميليشيات المسلحة، التي يرونها الأداة الرئيسة التي يحافظ بها هذا النظام على بقائه عبر زعزعة الاستقرار في الدول المحيطة. والجلسة الثانية لأعمال الملتقى على الأزمات الإيرانية الداخلية ومحاولة طهران تصدير نموذج ثورتها المزعومة، وكانت بعنوان: «النار واللهب في الشرق الأوسط: تفكيك شيفرة إيران». وتحدث فيها د. خالد الدخيل، الباحث الأكاديمي والكاتب في صحيفة «الحياة»، ود. محسن ميلاني، المدير التنفيذي لمركز الدراسات الاستراتيجية والدبلوماسية في جامعة جنوب فلوريدا، وأليكس فاتنكا، زميل أول في معهد الشرق الأوسط بواشنطن، ود. سلطان النعيمي، خبير في الشؤون الإيرانية، وعضو هيئة تدريس في جامعة أبوظبي، وأدار الجلسة مهند الخطيب، مقدم برامج ومذيع رئيس للأخبار في قناة «سكاي نيوز عربية». ٣ أزمات وناقش المشاركون محاولات إيران المستمرة لتصدير أزماتها الداخلية إلى الخارج، إذ ركز المتحدثون على ثلاث أزمات رئيسة تعيشها إيران، وهي أزمة النموذج المتمثلة في عدم قدرة طهران على إنتاج نموذج سياسي أو اقتصادي كدولة، وأزمة الهوية باعتمادها على المركب القومي الديني (الإيراني الشيعي)، وأزمة بناء نموذج القوة، حيث يكمن الخلل هنا في النظرة الأحادية الإيرانية للقوة بأنها تنحصر في القوة الصلبة دون الأخذ بعين الاعتبار الأشكال الأخرى للقوة. وأكد المشاركون أن إيران تتصرف في المنطقة وفقاً لخلطها بين الاستراتيجيات الدفاعية والهجومية دون أن تمتلك رؤية واضحة المعالم، وأشاروا إلى أن السلوك الإيراني واضح للغاية، حيث تحاول إيران تصدير النموذج الثوري المزعوم إلى المنطقة. وقال الأكاديمي والكاتب السعودي خالد الدخيل إن إيران تستثمر مليارات الدولارات في دعم الميليشيات المسلحة، معتمدةً على العنصر الطائفي من أجل زعزعة الاستقرار في الدول العربية. ولفت إلى أن إيران دولة تحدد هويتها في الدستور على أساس مذهبي، مشيراً إلى أن ذلك ينعكس في أنشطتها التخريبية. ومن جهته، قال النعيمي، إن الشيفرة الإيرانية التي ترتكز على استخدام الميليشيات ليست لدعم الطائفية في العالم العربي فحسب، بل أداة للحفاظ على النظام الإيراني. وقال إن النظام الإيراني يحاول توسيع محيطه الأمني باستخدام الميليشيات لخدمة الهدف الوحيد بالنسبة إليه، وهو البقاء. ولفت النعيمي إلى أن التنمية الاقتصادية والانفتاح على الخارج أمران يراهما النظام الإيراني تهديداً وجودياً له، لأنه يريد الحفاظ على حالة «الثورة» لا الدولة، حتى يهرب من المشكلات الداخلية. ولا يرى أليكس فاتنكا أن النظام الإيراني قوي للدرجة التي يؤثر بها في الدول العربية، وإنما «استغل أزمات الدول العربية، ونجح عبر ميليشياته في الاستفادة منها». ويتفق محسن ميلاني مع هذا الطرح، بالقول إن طهران ليست بالضرورة سبب الأزمات، وإنما تستغلها لمصلحتها، داعياً إلى تفويت الفرصة على طهران عبر حل المشكلات الداخلية في الدول التي تعاني الأنشطة التخريبية الإيرانية. وقال إن إيران تسلّح أقليات شيعية في العالم العربي، وتلعب على وتر أنهم مستضعفون. لكن النعيمي يرى أن إيران متورطة تاريخياً في إنشاء الميليشيات وتسليحها، وهي حالة ليست وليدة الأزمات في المنطقة، وإنما ركن أساسي في عقيدة تصدير الثورة الإيرانية، كما ينص عليها الدستور الذي وضعه النظام الديني بعد السيطرة على الحكم عام 1979. ويشتمل الملتقى لهذا العام، لأول مرة، على تقديمِ نموذج للتحليلات والتوقعات الجيواستراتيجية، وتحليل المخاطر السياسية والاقتصادية، يتبناه مركز الإمارات للسياسات، ويوظفه في أعماله وتوصياته، تحت عنوان «تفكيك شيفرة المستقبل». ويشارك في الملتقى أكثر من 100 شخصية من كبار السياسيين والدبلوماسيين والخبراء والمفكرين والمختصين بالعلاقات الدولية والدراسات المستقبلية، وبحضور أكثر من 500 مشارك من دولة الإمارات ودول الخليج والمنطقة العربية وشتى أنحاء العالم. ويأتي الملتقى هذا العام، في وقت تشهد فيه المنطقة تطورات جيوسياسية، إذ ينعقد في أعقاب الحدث السياسي التاريخي الذي تمثل في القمة العربية الإسلامية الأميركية، التي استضافتها الرياض في مايو الماضي، بمشاركة ترامب، وما لا يقل عن 55 من قادة الدول العربية والإسلامية.
مشاركة :