استقالة الحريري هل كانت غبار ما قبل زلزال السعودية؟

  • 11/13/2017
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

لم يكد ينقضي عام واحد على التسوية السياسية في لبنان برعاية إيرانية -سعودية، أوصلت كلاً من ميشال عون لرئاسة الجمهورية، وسعد الحريري لرئاسة الوزراء وكرّست هيمنة حزب الله على قرار لبنان، حتى فوجئ اللبنانيون ومعهم العرب، بإعلان الحريري عن استقالته في بيان متلفز تلاه من العاصمة السعودية الرياض، الحريري برر استقالته بأمرين اثنين: الأول التدخل الإيراني في مفاصل الدولة اللبنانية وسيطرتها على القرار الرسمي من خلال أذرعها، وعلى رأسهم حزب الله، أما الأمر الثاني فقد كان ما وصفه بالكشف عن محاولة لاغتياله، وأنه بات يخشى على حياته. يعتقد كثير من المتابعين للشأن اللبناني خصوصاً، والسعودي عموماً، أن الحريري أُجبر على الاستقالة، بعد أن تم استدعاؤه للسعودية على عَجَل، حتى إن بعضهم يذهب أبعد من ذلك فيقول: إن البيان الذي تلاه الحريري كان مكتوباً ومعداً سلفاً، فقد كان الامتعاض والتشنج باديين على وجه الرجل أثناء تلاوته بيان الاستقالة. من غير المؤكد ما إذا كان الرجل قد أُجبر على الاستقالة، أم أنه قدمها تماهياً مع الموقف السعودي الراهن من عدة ملفات، على رأسها الملف الإيراني المتداخل عضوياً مع معظم ملفات المنطقة، من العراق وصولاً إلى اليمن، مروراً بسوريا ولبنان وغزة، لكن وعلى ما يبدو فإن هناك ما هو أبعد من ذلك، إذ تدور تكهنات بأن استدعاء الحريري وإجباره على تقديم استقالته، كان شكلاً من أشكال الابتزاز المالي والسياسي، فالاستقالة تعني نزع الحصانة السياسية والدبلوماسية عنه؛ لتجعل منه مواطناً سعودياً يمكن حتى محاكمته وسجنه إذا ما قرر ولي أمره ذلك، وهو ما دارت كثير من الأقاويل حوله، لكنها ما زالت في إطار الشائعات غير المؤكدة، والتي تحدثت عن قرب عودة الحريري إلى لبنان وربما لجوئه دولة غربية. لا يمكن بحال من الأحوال فصل ملف الحريري عن ملف إقالة واعتقال العشرات من الأمراء والوزراء والعسكريين السعوديين، وذلك تحت شعار مكافحة الفساد، وهي الخطوة التي اعتبرت شبه انقلاب وثورة بيضاء داخل العائلة الحاكمة، وفسّرت بأنها تهدف لأمرين: الأول إزاحة آخر العقبات أمام تولّي محمد بن سلمان للحكم، وثانياً ابتزاز الأمراء والمسؤولين ورجال الأعمال وأصحاب المؤسسات الإعلامية وإجبارهم على الخضوع والقبول بعد تقليم أظافرهم مالياً، بالحظر على أموالهم واستثماراتهم، التي تقدر بمئات المليارات وليس العشرات كما يشاع، والتي ربما ستنتقل بمعظمها من جيوب هؤلاء لجيب الملك المنتظر، الذي تقدر ثروة والده لوحده بحوالي 1900 مليار دولار. لم يكد يستوعب الشارع خبر الاعتقالات حتى جاء خبر تحط طائرة الأمير منصور بن مقرن المروحية ليلقى حتفه مع عدة مسؤولين آخرين كانوا بصحبته، وقد أُشيع أنه كان ينوي الفرار خشية اعتقاله على خلفية معارضته لمحمد بن سلمان. في مكالمة هاتفية بارك ترامب خطوة ولي العهد في مكافحة الفساد والمفسدين، وشكر الملك سلمان على جهوده ودعمه للاقتصاد الأميركي بمئات المليارات من الدولارات، وحثه على تسريع عملية إدراج أسهم شركة أرامكو في سوق نيويورك المالية، هذه الخطوة التي ستجعل من حملة الأسهم شركاء لمواطني المملكة، في ثروة أنعمَ الله بها على مسلمي جزيرة العرب كفاية لهم وكفاً لأيدي وأذى الناس عنهم. المتابع لفصول الاعتقالات في السعودية، لا بد أن يلحظ أنهم جميعاً من طبقة الأمراء الكبار والمليارديرات، وعلى رأسهم الأمير متعب بن عبد الله قائد الحرس الوطني بمرتبة وزير، والملياردير الأمير الوليد بن طلال، الذي كشف سابقاً عن مناصحته للقيادة، حول حملة الاعتقالات السابقة والتي طالت ولي العهد السابق محمد بن نايف، إضافة لمشايخ ودعاة وإعلاميين سعوديين. إذاً ومن هنا يتبين لنا أن الحملة الأخيرة قد شملت كل مَن اعترض أو تفوَّه بكلمة نقد ضد سياسات محمد بن سلمان، أو عارض وصوله لولاية العهد، أو يمكن أن يعارض توليه الحكم، حتى الحريري نفسه لديه استثمارات ومشاريع وعلاقات مالية متداخلة مع رموز في السلطة، ولا يعرف الكثير عنها باستثناء شركة "أوجيه" التي فجّرت أزمة مالية أطاحت بها. دقق بما يحدث في المنطقة من تخريب وفوضى، وستكتشف أن الإمارات تقف خلفه، حتى إنه ما عاد بالإمكان استبعادها عن مجمل التطورات والمآزق التي تعصف بمنطقتنا، وحقيقة الأمر أن التخطيط لا يجري في الرياض، بل في أبوظبي التي باتت وكراً ومقراً لغرف عمليات تدار منها كافة المخططات القذرة التي ترسم، وبمباركة المسؤولين الأميركيين، وهي نفس غرف العمليات التي أشرفت على دعم الثورات المضادة، في مصر وتونس وليبيا واليمن، وزرعت عملاءها الفاسدين في جسد الثورة السورية ونصبتهم قادة وممثلين، وهي التي دعمت وحدات حماية الشعب الكردية بالمال والسلاح، وجعلت من أحمد الجربا شريكاً لهم، ونسقت دخول مصر على خط التفاهمات في الغوطة، وهي مَن يدير غرفة عمليات "الموك" في الأردن التي تتحكم برقاب قادة فصائل الجنوب وتمنع قيامهم بأي تحرك عسكري فاعل ضد نظام الأسد، مستعينة على ذلك بوكلائها الذين يتولون عملية تقديم الدعم المالي لقادة الفصائل بهدف إسكاتهم. كل هذا حدث بإشراف شخصي من محمد بن زايد، وبإدارة مستشاره محمد دحلان، وبتنسيق مع عدد من الساسة والعسكريين الغربيين المتقاعدين. لطالما كانت الإمارات مركزاً مالياً وسوقاً تجاريةً مفتوحةً، مكّنها من لعب دور محوري في عمليات التصدير وإعادة التصدير، خاصة بوجود منطقة جبل علي الحرة، لكنها ومع الوقت تحولت لمركز إقليمي وعالمي، لغسيل الأموال وتجارة الرقيق الأبيض "الدعارة" الذي تشرف عليه مافيات عالمية بحماية الدولة، حيث تقدر قيمة هذه الأنشطة بمئات المليارات من الدولارات. يكفي أن نعرف أن هناك عشرات الألوف من فتيات الليل يعملن بكل حرية، وأن الإمارات قد احتلت المركز الأول في استهلاك الخمور، متقدمة بذلك على فرنسا وعاصمتها باريس. ليس هذا فحسب، لقد كانت الإمارات الدولة الإقليمية الأكثر استفادة من موجة الربيع العربي، فاستقبلت مئات المليارات من العملة الصعبة، وأطناناً من الذهب والفضة، إضافة للألماس والقطع الفنية والأثرية المنهوبة، من سوريا ومصر وليبيا وتونس واليمن والعراق، وحتى إيران، وهو ما وّفر لأبوظبي بحبوحة مالية استخدمتها في ضرب استقرار الدول العربية وتمويل الثورات المضادة، ودفعها للتفكير في الحصول على المزيد بعد أن استهوتها الفكرة، فوضعت يدها على جزر وموانئ اليمن والمنطقة، مستخدمة فرقاً من المرتزقة الأجانب الذين باتوا يشرفون على حماية ابن زايد الشخصية، وينفذون مخططاته في المنطقة العربية. من المفارقات أنه وبينما تغوص السعودية في مستنقع اليمن، وتدفع فاتورة الحرب من دماء أبنائها وأموالهم، فإن الإمارات تجني ثمار هذا التدخل، من خلال استضافة حاشية وأبناء علي عبد الله صالح وأمواله، والاستيلاء على أراضي وثروات اليمن، وإنشاء القواعد العسكرية والموانئ البحرية والمطارات، واستقطاب وشراء ذمم وضمائر المسؤولين وشيوخ القبائل؛ لنكتشف أنها قد ابتلعت اليمن الجنوبي بأكمله، حدث هذا على مسمع ومرأى حكام السعودية، شركائها في التحالف المزعوم ضد الحوثي المدعوم إيرانياً، وصالح الذي دعمته السعودية لعقود. لا يمكن استبعاد أن تكون إقالة الحريري مجرد دخان للتعمية والتمويه على زلزال السعودية ما بعد منتصف الليل، أو حتى غباراً سبق الزلزال نفسه، فالتوقيت وحيثيات الاستقالة التي ساقها الحريري مستبعدة تماماً، خاصة أن كلتا الدولتين السعودية والإمارات، تنسق مع إيران في كثير من الملفات، وخاصة ملف الحرب على ما يسمى الإرهاب، وتدعم العمليات العسكرية لحشدها الشيعي في العراق وسوريا، في هذا الإطار، وحتى حزب الله اللبناني يحصل على جزء من الدعم المالي المقدم للبنان بطريقة أو بأخرى، وذلك نظراً للمحاصصة الطائفية التي يقوم عليها النظام السياسي اللبناني، الممسوك من قِبل الحزب الأصفر. أما رواية الاغتيال فهي أيضاً مستبعدة أقله في الوقت الراهن الذي تحاول فيه إيران التركيز على هدوء لبنان وعدم تفجير الوضع كونه سيؤثر سلباً على نفوذها المتعاظم فيه. لقد باتت إيران ومشروعها في المنطقة سلعة وتجارة خارجية لتصفية الحسابات الإقليمية كما يحدث ضد قطر، في حين أن مكافحة الفساد هي السلعة الداخلية التي يجري تصفية الخصوم والمنافسين بواسطتها كما حدث في السعودية . ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مشاركة :