الحديث عن القيم المشتركة واللغة الموحدة لا يحل الأزمات بل استراتيجية دفاعية واقعية وتعاون داخلي.العرب محمد بن امحمد العلوي [نُشر في 2017/11/14، العدد: 10812، ص(6)]المغرب قوة إقليمية صاعدة الرباط - تشهد المنطقة العربية تحولات عميقة على عدة مستويات تتداخل فيها السياسة مع الاقتصاد وحركية المجتمعات، تحولات أغرت كل المثقفين والمسؤولين والخبراء لقياس المؤشرات والمؤثرات التي ساهمت في هذه الحركية والأسباب التي أدخلت المنطقة في دوامة من الصراعات والأزمات المالية والاجتماعية والأمنية بدأت حسب هؤلاء منذ حرب الخليج الأولى عام 1991 ولم تنته بتداعيات “الربيع العربي” الذي اندلع عام 2011. وشهدت بعض مدن المغرب مؤخرا عدة مؤتمرات وورشات عمل لتدارس تلك التحولات والوقوف على تأثيراتها والقوى المساهمة في تكريسها ومَن المستفيد منها. وفي هذا الصدد أكد يوسف العمراني، الدبلوماسي المغربي المكلف حاليا بمهمة في الديوان الملكي، أن المنطقة العربية قبل عشرين سنة كانت تعرف صراعا وحيدا يتطلب حلا، وهو الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، “بينما اليوم هناك صراعات متعددة”. وفي خضم ما يعتمل في العالم العربي من تغييرات واضحة توقع يوسف العمراني في مؤتمر السياسة الدولية الذي انعقد أيام 4 و5 و6 نوفمبر الجاري، في مراكش، أن العالم العربي اليوم مطالب بالتأقلم مع السياق الجديد، ولم يعد بإمكانه الاعتماد على القيم المشتركة واللغة الموحدة بل عليه أن يبحث عن مجالات أخرى مشتركة لدعم الاقتصاد وخلق فرص الشغل لقطع الطريق أمام الجماعات المتشددة التي أصبحت تصطاد في مياه اليأس التي يغرق فيها الشباب العربي. وأصبحت هذه الجماعات تقض مضجع العديد من دول العالم وتشكل أكبر المهددات للأمن الإقليمي والدولي جعلت تلك الدول تدخل في حرب حقيقية وشرسة ضدها ومنها المغرب، ولم يكتف يوسف العمراني بالتركيز على الجانب الأمني والعسكري في مواجهة ظاهرة الإرهاب، بل أكد على العمل الجماعي في إطار رؤية مشتركة، وهذا يتحقق أولا بحل النزاعات القائمة، وعلينا أن نقوم بأدوارنا الخاصة بدل تحميل المسؤولية للفاعلين الدوليين وذلك عبر الحوكمة الجيدة والديمقراطية. وحول الأدوار التي بات يلعبها المغرب كقوة إقليمية صاعدة أكد ميغيل أنخيل موراتينوس، وزير الخارجية الإسباني السابق، أن دول المشرق العربي نظرت إلى المغرب في بعض الفترات باعتباره منطقة هامشية على غرار منطقة المغرب العربي. واعترف موراتينوس بحكم اقترابه من قضايا المغرب جغرافيا ودبلوماسيا وسياسيا أن المملكة المغربية يمكن أن تتحدث بصوت مرتفع عما حققته في علاقتها بالتزاماتها العربية وقضايا الشرق الأوسط وعن نموذجها الخاص في التعاطي مع القضايا. ويوافقه الرأي يوسف العمراني الذي أكّد أنه لم يعد اليوم بالإمكان الفصل بين الشرق الأوسط والمغرب العربي ومنطقة الساحل، “لأننا نواجه التحديات نفسها والمخاطر نفسها، كما لا يمكننا تجاهل أوروبا كفاعل أساسي في المنطقة، عبر سياستها الخاصة بالجوار”. وشدد الدبلوماسي المغربي على أن “الوضعية في المنطقة باتت اليوم فوضوية، وأصبحت لدينا تحديات مركبة وانقسامات وتفكيك للعالم العربي، هذا واقع. وإذا أضفنا إلى ذلك الانقسام الحاصل في مجلس الأمن الدولي، والذي يجعله غير قادر على حل الصراعات الحالية في المنطقة، فإننا أمام ضرورة البحث عن وسائل جديدة”. وفي مدينة طنجة، كان الحديث موجها أكثر نحو أحد أبرز الملفات وهو ملف السياسة الخارجية الأميركية التي يقول الخبراء والدبلوماسيون إنها تؤثر بشكل كبير فيما يجري في المنطقة. وأكدت سميرة رجب، الكاتبة البحرينية ووزيرة الإعلام السابقة، في ملتقى ميدايز الذي انعقد يوم 11 نوفمبر 2017، أن الوجوه تتغير في الولايات المتحدة الأميركية ولكن الاستراتيجيات الكبرى تُجاه العالم الإسلامي ثابتة، موضحة أن إدخال المنطقة العربية في حروب مستمرة بالوكالة واستغلال فزاعة الإرهاب يخدمان أغراضا غير عربية بقدر ما هما سياسة أميركية لتأسيس نظام جديد. ولم يفلت الخليج العربي من كافة التحولات التي تعتمل داخل المنطقة العربية، وخصوصا ما نلمسه من ديناميكية جديدة داخل العربية السعودية في تعاملها مع تهديدات وفرص محيطها الخارجي والهيكلة التي دشنتها داخليا سياسيا واقتصاديا والتي تنبئ بعلاقات جديدة وممنهجة بالخليج العربي تتماشى مع المتغيرات الجديدة. وفي ظل التحولات الجارية والمتدخلين القدامى والجدد أوضح عمرو موسى، الأمين العام السابق للجامعة العربية، في كلمته بملتقى ميدايز، أن توجه الرئيس الأميركي دونالد ترامب نحو المملكة العربية السعودية يهدف إلى إحداث تغيير في استراتيجية مواجهة إيران، وذلك من أجل مواصلة التغلغل الأميركي في الشرق الأوسط وربما ترك الحلفاء يقومون بحرب بالوكالة على طهران، مؤكدا أن تقسيم دول المنطقة على الأساس السني والشيعي يخدم مصالح الغرب. ولم تعد الولايات المتحدة اللاعب الدولي الوحيد بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا رغم أنها تحارب بكل شراسة من أجل امتيازاتها، مع الصعود السريع لقوى دولية وإقليمية تريد الاستثمار في المنطقة. وقال عبيدي حسني، مدير مركز الدراسات والأبحاث حول العالم العربي والمتوسط بجنيف، إن أميركا لم تقم بأي دور لإيجاد حلول للصراعات في المنطقة بل تلعب على حبل التوترات. ومع المتغيرات الحادة والقاسية على دول المنطقة توقعت سميرة رجب أنه يجري الإعداد لظهور منظمات جديدة أكثر خطورة ووحشية وأكثر قربا من منطقة الخليج التي بدأت تدخل في حروب ومواجهات مباشرة بفضل لعبة إدارة ترامب الجديدة. وعن المدخل لتجاوز شبح الفوضى، شدد جهاد أوزر، المسؤول عن منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، على ضرورة الاشتغال على التعليم والتكنولوجيا وتطوير الكفاءات والمعارف.
مشاركة :