الروائي والشاعر الفلسطيني سميح مسعود في حوار حول كتاباته التي تسعى إلى التأريخ لفلسطين.العرب محمد الحمامصي [نُشر في 2017/11/14، العدد: 10812، ص(15)]يجب ألا ننسى التاريخ يتكئ الروائي والشاعر الفلسطيني سميح مسعود في ثلاثيته “حيفا برقة.. البحث عن الجذور”، وكتابه “متحف الذاكرة الحيفاوية” على ثقافة عميقة ومعرفة واسعة بالتاريخ والحضارات والقواسم المشتركة بين البشر، ليغوص بحثا في جذور الداخل الفلسطيني والشتات مقدما رؤية مختلفة عن سابقيه من الكتاب الفلسطينيين الذين قدموا عددا متميزا من الأعمال الروائية التي تناولت ذات الموضوع. مسعود الذي ولد عام 1938 في حيفا، وهُجِّر عام 1948 إلى بُرقة التي تنحدر منها عائلته، درس في جامعتَي سـراييفو وبلغراد في يوغوسلافيا، وحصل في عام 1967 على درجة الدكتوراه في الاقتصاد، ليعمل بعدها مستشارا اقتصاديّا في ثلاث مؤسسات إقليمية عربية. ويعمل مسعود الآن مديرا للمركز الكندي لدراسات الشـرق الأوسط في كندا، ورئيسا للصالون الثقافي الأندلسـي في مونتريال. صدر له عدد من الأعمال الأدبية، منها مجموعة شعرية “الوجه الآخر للأيام”، ومجموعة أخرى باللغتين العربية والإنكليزية بعنوان “حيفا وقصائد أخرى”، وكتاب في النصوص النثرية هو “رؤى وتأملات”. كما صدر له كتاب بعنوان “حيفا.. بُرقة – البحث عن الجذور” بأجزائه الثلاثة، وكتابان مصوّران “متحف الذاكرة الحيفاوية”، و”مقامات تراثية”، وبقية كتبه اقتصادية في مجال تخصصه، منها “الموسوعة الاقتصادية” وتقع في جزأين. نحت الذاكرة يرى سميح مسعود أنه لا توجد علاقة ما بين ثلاثيته “حيفا بُرقة… البحث عن الجذور” وأي عمل روائي آخر تناول المدن الفلسطينية، ويقول “لها علاقة فقط بمقالة لي نشرتها في صحيفة الاتحاد الحيفاوية، بتاريخ 17 تموز 2009، بعنوان ‘البحث عن الجذور’ بينتُ فيها اهتمامي بالبحث عن الجذور في فلسطين قبل النكبة، للتأكيد على دلالات انتماء الآباء والأجداد إلى الأرض الفلسطينية، وعرفت القارئ في سياق مقالتي على حيفا كمسقط رأس لي، هاجرت منها قسرا في يوم سقوطها، ولجأت مع أسرتي إلى قرية أهلي وأجدادي بُرقة، بينت في مقالتي بعض الدلالات المعجونة بالتفاصيل الحميمة عن أهلي والمكان والزمان، واستحضرت بها الطفولة بوعي حاضري الذي أحياه”. يتابع ضيفنا “بعد عدة أيام من نشر مقالتي، وصلتني رسالة بالبريد الإلكتروني من سيدة عرفت نفسها باسم ‘حسناء دراوشة’ من بلدة إكسال القريبة من الناصرة، استهلت رسالتها بعبارات مفادها أنها قرأت مقالتي المنشورة في الصحيفة واكتشفت منها أني أمتُ بصلة قربى مباشرة مع جدتها نجية حمدان التي تنحدر أسرتها من قرية بُرقة، والتي أبعدتها النكبة عن أهلها البرقاويين وبقيت في إكسال مع أسرتها حتى وافتها المنية، بينت لي في رسالتها أن والدي من أخوال جدتها، فشعرت بسعادة لأنني تمكنت من خلال مقالتي التعرف بعد أكثر من ستين عاما من النكبة على حفيدة عمتي نجية، ثم تعرفت على أكثر من سبعين شخصا من نسلها من الأبناء والبنات والأحفاد والأنسباء، زرتهم في إكسال، وغمرتني الفرحة عندما التقيت بهم، شعرت أنني شديد القرب منهم، كأن النكبة لم تفرقني عنهم لحظة واحدة”. ويوضح مسعود “من وحي هذه التجربة وبسبب تعرفي على أقربائي في إكسال اتسع اهتمامي بالبعد الروحي للمكان، وبالبحث عن جذور تتشابك على امتداد الأرض الفلسطينية، لحفظها في الذاكرة الجمعية، وعلى أساس نتائج بحثي أصدرت ثلاثيتي ‘حيفا… بُرقة البحث عن الجذور”. ويؤكد مسعود أن ثلاثيته تصنف ضمن ما يُسمى بالرواية التسجيلية، التي تعتمد على بنية معرفية واسعة على امتداد السرد الروائي، تظهر في فعاليات نصية زاخرة بالأحداث والمشاهد واللحظات التاريخية والحكايا والأفكار، ضمن تركيب تسجيلي يتجلى فيه الواقع ممزوجا بقدر محدود من المخيال، ومن أجل توفير العتبات النصية لروايتي التسجيلية، كان شغلي الشاغل وقت إعداد ثلاثيتي هو القيام بزيارات للتعرف على مدن وقرى كثيرة في الداخل الفلسطيني، سبرت فيها أيام أسلاف تنحدر أصولهم من بُرقة، والتقيت برجال ونساء من نسلهم، عبّروا لي عن اعتزازهم وفخرهم بجذورهم الضاربة في عمق الأرض”. ويقول مسعود “التقيت بكل هؤلاء وزرتهم وتحدثت معهم في نسـيج حكائي كثيف؛ يمزج الماضـي بالراهن، ويُلامس بانثيالات متلاحقة جملة من الأحداث والمشاهد في سـياق مادة منسجمة ومتناغمة”. كما زار الكاتب أيضا مجموعة من الشخصيات الحيفاوية في بيروت والرباط وفاس ومكناس والولايات المتحدة الأميركية وكندا وتشيكيا، وسجل في الكتاب الثالث من ثلاثيته خلاصات أحاديثه معهم بمضمونها وسـياقها، مؤكدا على صفحاته أهمية التعرف بوعي على الذات والآخر، وضـرورة تدوين كل ما في الذاكرة من دلالات ومضامين عن الحياة الماضـية في فلسطين، بكل حناياها ومداراتها وجزئياتها وما فيها من تفاصـيل، حتى لا تُنسـى، وتبقى ماثلة في أذهان الأجيال القادمة. كي تُحيي فيهم وعيا دائما للحفاظ على ثوابت هويتهم.ضـرورة تدوين كل ما في الذاكرة من دلالات ومضامين عن الحياة الماضـية في فلسطين حتى لا تنسـى من الأجيال القادمة يرى مسعود أن الذاكرة الجمعية الفلسطينية أداة للحفاظ على الهوية الوطنية والقومية، ويعتمد الحفاظ عليها على الفلسطينيين أنفسهم بتجسيدهم كل ما يذكرهم بماضيهم قبل النكبة، كالرموز الوطنية التاريخية الفلسطينية، والمدن والقرى والبيوت والأناشيد والأغاني والفنون الشعبية وغيرها، لكي يبقى التواصل مستمرا مع فلسطين. بين فلسطين والمغرب حول روايته “تطوان وحكايا أخرى” وهي من أدب الرحلات، يقول سميح مسعود إنه في هذه الرواية اعتمد على المشاهدة ومقاربة المنظور على النحو المتبع في أدب الرحلات، مع ربط جوانب بعض عتباتها النصية مع تشابكات علاقات فلسطينية مغربية من أيام ما قبل النكبة، بتسليط الضوء على طلبة من تطوان درسوا بمدينة نابلس في العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي، قام تكريما لهم بزيارة تطوان ومقابلة بعض الأحياء من أهلهم، وعبروا في سياق الرواية عن علاقة متميزة تجمع ما بين أهل نابلس وتطوان، يتشابك فيها الماضي والحاضر معا يدا بيد. ويوضح مسعود “في شتاء هذا العام (2017) منحتُ نفسـي شـيئا من التغيير بشد الرحال إلى المغرب، الذي زُرته مرات عدة في سنوات خلت، فأطلْتُ التجوال في أرجائه بأجواء تفيض بالإثارة، وخصبت ذاكرتي بأجمل الذكريات، وتنقلتُ بين مُدن كثيرة شكَّلت الطبيعة فيها لوحات تشكيلية بتكوينات لونية مميزة، تبعث الأمل والإلهام في النفس”. ويلفت إلى أن الثقافة الفلسطينية عبرت في الماضي ولا تزال حتى اليوم عن هموم وتطلعات الشعب الفلسطيني، وقد أنجبت العديد من المبدعين في مجالات الأدب والفن والفكر، وثمة حضور متميز في الوقت الحالي لفلسطينيي الداخل على الساحة الثقافية الفلسطينية، من خلال مشاركتهم الإبداعية في مختلف الأنشطة الثقافية، وثمة ظاهرة مهمة لا بد من ذكرها أيضا تتعلق بالأسرى في سجون الاحتلال، لأنهم حولوا السجون إلى ساحة حراك ثقافي، يتقدم عدد كبيرمنهم في كل عام لامتحانات التوجيهي، ويلتحق عدد آخر بالجامعات، وبهذا تمكنوا من تحويل السجون إلى حراك تعليمي وثقافي وفكري.
مشاركة :