بعد أشهر وربما سنوات من الأخبار الاقتصادية السلبية، بدأت الأنباء السارة تظهر عن الاقتصاد البريطاني، فخلال الاجتماع السنوي لمحافظي المصارف المركزية في ولاية وايومنج الأمريكية، أكد نائب محافظ بنك إنجلترا (المصرف المركزي البريطاني)، تشارلي بن، أن قرار عدم رفع سعر الفائدة إلى حين انخفاض معدل البطالة إلى 7 في المائة قد بدأ يؤتي ثماره. وأولى ثمار هذه السياسة كان تحفيز الثقة لدى المستهلكين والشركات، وهو ما انعكس على ارتفاع معدلات النمو في الربع الثاني من العام الجاري إلى 0.7 في المائة، بدلا من 0.6 في المائة كما كان متوقعا. وإذ تبدو نسبة النمو المحقق بسيطة في مجملها، كما أن المتحقق لم يزد كثيرا على التوقعات؛ لكن رغم هذا يُعتبر مؤشرا على أن السياسات المالية التي يتبعها بنك إنجلترا تحفز النمو وترسّخه، بعد الاتهامات التي كالتها المعارضة للحكومة، بأن سياستها تأخذ الاقتصاد البريطاني إلى نفق مظلم. وقال جيمس ويلسون، المستشار المالي لمجموعة مورغان ستانلي الاستثمارية لـ الاقتصادية أن تحليل معدلات النمو يكشف عن أن السياسة المالية لعبت دورا مهما للغاية في الجهود الرامية لإخراج بريطانيا من أزمتها الاقتصادية. وأضاف أن زيادة الصادرات كان لها الدور الأبرز في ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي، وسبب هذا انخفاض أسعار الصادرات البريطانية في مواجهة منافسيها. وقال: الأمر هنا لا يتوقف على تسهيلات مالية من بنك إنجلترا تُمنَح للمُصدّرين، بل إن عدم رفع معدلات الفائدة ساهم في خفض تكلفة الإنتاج عبر خفض التكلفة الرأسمالية للإقراض من المصارف. وتعتمد السياسة المالية البريطانية على الحفاظ على سعر فائدة منخفض لا يتجاوز 0.5 في المائة، حتى يتم تحقيق معدل نمو اقتصادي جيد، حيث يمكن في هذه الحالة تبنى سياسات مالية أكثر تشددا، للسيطرة على معدلات التضخم المحتملة. وقد أكد نائب محافظ بنك إنجلترا أثناء اجتماع محافظي المصارف المركزية في أمريكا، أن الأهم - من وجهة نظر لندن- الشفافية والوضوح في المعايير التي سيتبناها البنك المركزي عند وضع سياسته المالية، وهذا أهم من تعهده بالحفاظ على معدلات الفائدة منخفضة. وفي حديثه لـ الاقتصادية، قال بيتر داي، رئيس قسم التحليل المالي في بنك إنجلترا: المحور الرئيسي في سياستنا المالية الراهنة هي خفض نسبة عدم اليقين في سلوك الاقتصاد الكلي بالنسبة لرجال الأعمال والمستهلكين، والنجاح في هذا يعني أساسا رفع معدلات الاستهلاك والإنتاج ثم رفع معدلات النمو، وهو سيتضمن تلقائيا معدلات أعلى في التوظيف. وأضاف: إذا كانت المخاوف الراهنة تنصب على أن تؤدي الأنماط غير التقليدية المتبعة في السياسة المالية الحالية إلى زيادة معدلات التضخم؛ فإنه بمجرد شعور البنك المركزي بالسير في هذا الاتجاه فسيكون من السهل رفع معدلات الفائدة. لكن اقتصاديين، وفي مقدمتهم الدكتور باستون أستريتر، أستاذ مادة المالية العامة في مدرسة لندن للاقتصاد سابقا، يعتبر أن السياسات المالية يجب أن تكون سياسات مساعدة لتحقيق النمو، وليست الأساس لرفع معدلات النمو الاقتصادي. وقال: النمو المتوازن هو مفتاح السر لاستعادة الاقتصاد البريطاني عافيته المفقودة، وهذا يتطلب أن تلعب الصادرات والاستثمار الدور الأبرز مع خفض معدلات الاستيراد، فالاستثمار في المصانع والآلات ومساهمة صافي الصادرات (المتبقي من قيمة الصادرات بعد خصم الواردات) لا يقل أهمية عن إنفاق الأسر. وأكد أيضا أن إنفاق رجال الأعمال الاستثماري زاد نحو 1.7 في المائة، وأيضا إنفاق الحكومة بـ 0.9 في المائة، والصادرات بـ 3.6 في المائة في حين أن الواردات نسبتها 2.5 في المائة؛ وهذا يعني تحسن الميزان التجاري، وفقا لأستريتر. وأضاف: رغم هذا فإن إجمالي مخرجات الاقتصاد البريطاني أقل بنسبة 3 في المائة عما كان عليه الوضع عام 2008م الذي انفجرت فيه الأزمة الاقتصادية، وحتى تتجاوز مخرجاتنا الاقتصادية ما كانت عليه قبل انفجار الأزمة فإن الاقتصاد البريطاني سيظل في وضع الخطر.
مشاركة :