طالعتنا الفضائيات منذ عدة سنوات بعرض الأعمال التركية في خطوة لافتة لدرجة أنها جعلت من تلك المسلسلات الأيقونة المتربعة على عرش الدراما، وأصبحت هى المُتسيّدة والآمرة الناهية بل باتت هى المتحكم والمُحدد لأوقاتنا فلقد أفردت لها العائلات العربية أوقاتا محددة تتوقف فيها كل الأعمال والمتطلبات. المسلسلات التركية تواجه شبح الاختفاء. فطالما أطلت الشاشة بالأعمال التركية ثم نظل نبحث عن الجديد والغريب بين متاهة الفضائيات وكأننا في حالة مرضية أشبه بالإدمان، هذا ما أتت به علينا تلك الأعمال من ديكور مُبهر، كما يعتقدون أو مناظر طبيعية تحتضن أشجارا وزهورا وسماء صافية وممثلات فاتنات يرتدين أجمل الأزياء التى تُظهر أكثر ما تُخفي لتلعب بالعقول والعيون وقصص حب ورومانسية ومشاعر جياشة ثم أشكال مختلفة للعديد من الشخصيات تُدخلنا في خيوط درامية متنوعة تلعب على الوتر الحساس في أوقات عصيبة نتمنى فيها لو نَسينا الواقع لنصبح أسرى المشاهدات والحركات التي تُلاحقنا من جميع الزوايا، لتلك الأعمال التي أصبحت مثل الوباء المستشري في الشاشات، نعم هي وباء لما بها من مستحدثات غريبة على عادات وتقاليد عالمنا العربي جاء بها التركي وبأسعار زهيدة دون عناء، ولأنها الأكثر امتداداً في حلقاتها التي تستمر لشهور متواصلة فقد جعلتنا، بل أجبرتنا على الإمعان فيها والتركيز معها حتى لا تضيع خيوط الأحداث غير المحبوكة من بين أيدينا، لنكون أمام أمر واقع من المتابعة اليومية، ثم زاد الأمر حدة بعد اعتماد أغلب الفضائيات على تلك الأعمال لملء ساعات البث، مقارنة بمثيلاتها العربية، لأنها أصبحت بمنزلة انتحار مادي للقناة والسبب ارتفاع سعرها الجنوني وغير المُبرر، لذا سنحت الفرصة للبديل التركي ليطفو على السطح في خطوات متلاحقة وسريعة تأكل سوق العرض في فترات الكساد ناهيك عن الأعمال الكرواتية والبرازيلية والإيرانية هكذا هى طبيعة النفس البشرية التي تريد المكسب وجني الأرباح، ولكن للأسف في مقابل اللعب بعقول الأجيال وإدخال أشياء قبيحة مليئة بالمهاترات البعيدة كل البعد عما يُناسبنا، ولطالما نَوهت ونادت الأقلام وأعطت الإنذارات للمنتجين العرب بإعطاء الأولوية للقنوات العربية بالعرض الأول والثاني والثالث حتى تمتلئ الشاشات العربية طوال العام بالعرض العربي المتنوع، ولكن هيهات لا حياة لمن تُنادي الكل متشبث برأيه ويعتقد أنه الأصلح ضاربا عرض الحائط بكل القيم والواجبات تجاه المجتمع، وطالما هو كذلك فلماذا لا يُغالي المنتج التركي، ويطلب المزيد لتدخل الدراما التركية من الباب الأوسع، وتتربع على العرش ليلاً ونهاراً من دون رقيب أو حَسيب فيصبح مهند والسلطان سليمان وبالي بك والسلطانة هيام هما المُحدد ليومنا ومحور حديثنا بأعمالهم من أسرار البنات إلى حريم السلطان ثم طباخ السلطان مروراً بالسلطان الفاتح لدرجة أرهقتنا ووصلت بنا للملل من تلك الحكايات التي تملأ دهاليز قصر السلطان، تلك الحُقبة التي يريدون دائما أن نتذكرها ونساعدهم نحن على ذلك بدون أن ندري، كل هذا في غضون السنوات الخمس الأخيرة فقط إلى أن جاءت الضربة المُوجعة أخيرا عندما أعلنت الفضائيات المصرية الخاصة تخليها عن تلك العروض التركية بسبب تدخل رئيس الوزراء التركي رجب طيب أوردغان في الشؤون الداخلية المصرية هذه الخطوة التي كانت مُتريثة ومُرتبة فقد بدأت بوقف العرض ومن ثم حملة منظمة للمثقفين المصريين يظهرون مدى تأييدهم لهذا القرار، ويؤكدون أنه لا رجعة فيه ليأتي التلفزيون المصري بخطوة مشابهة ويرفض عرض الأعمال التركية على شاشته حتى المجاني منها بعدما عرض التلفزيون التركي تقديم عمل مجاني كإهداء منه للتلفزيون المصري، وذلك إبان عهد الرئيس المعزول محمد مرسي وصرح بذلك شكري أبو عميرة رئيس اتحاد الإذاعة والتلفزيون بأنه تم توقف العمل بهذه الاتفاقية بعد الموقف العدائي التركي من ثورة الثلاثين من حزيران (يونيو) الماضي وحسناً ما فعلاه فتلك الأفكار الملتوية كانت ليضعونا أمام الأمر الواقع من عرض لهذه الأعمال بدون النظر في محتواها ليصبح التلفزيون المصري الرسمي معتادا على تلك الأعمال التي يطلبها المُعلن، لأنها تحقق نسب مشاهدة عالية فالموضوع بات محاكاة واعتيادا ليس إلا، ولكن بعد هذا القرار الجريء سوف تتقلص هذه الأعمال التي تستخف بعقولنا وسنبتعد عن الأخطاء الدرامية الفادحة والواضحة والتي لم تكن لتفعل شيئاً يفيدنا، بل كانت خير مُروج وراع لسياحتهم فقط بقي أن تتخذ باقي الفضائيات العربية نفس القرار الصائب وتسلك نفس السلوك ليس للمُناصرة السياسية فحسب، بل للمصلحة العامة، ولتكن شاشاتنا لنا من دون شريك وإن كان هناك آراء غير ذلك فمن باب أولى نضعهم في موضع المقايضة فنعرض لهم أعمالهم ويعرضون أعمالنا فنحن الأوائل في هذه الصناعة ولسنا أقل في شيء وإلا نوقف التعامل وحسناً ما فعلنا لنرتاح من مهاترات التركي الذي أصبح وصمة عار تتنصل منها القنوات التي باتت تعتمد التنويه لما سيعرض على شاشتها بالقول "هذا المسلسل كرواتي أو برازيلي وليس تركيا والقناة لا تعرض أي أعمال تركية" هذا بعد اختلاط الأعمال مع بعضها بعضا بسبب الدبلجة الموحدة والأصوات المتشابهة وانعدام الهوية الدرامية التي لا تأتي بجديد فقط الرومانسية وقصص المرفهين المراهقين والمطاردات الخرافية وليت لهذا الحد فقط بل التقليد والاستنساخ فيما بينهم بمعنى نجاح مسلسل ولو مصادفة يعني الاسراع لعمل جزء ثان أو عمل شبيه له المهم لا يفقدون السوق العربية لدرجة أصبحوا "سوبر تركي" متواجدين في كل مكان والشكل واحد دون طعم ولا لون.
مشاركة :