عبد اللطيف الزبيديهل الحث على البحث غريزة في لغتنا وفطرة؟ مفردات العربية، بتنوع اشتقاقاتها وتعدد معانيها، تفتح آفاقاً على آفاق مشتبهة وغير متشابهة. تأمل: في الأطلال إطلال على الماضي وميراث الماضين، وللآثار آثار في النفوس تجعل العقول تقتفي الآثار بحثاً عن أسرار المآثر.الرحلة إلى «مركز مليحة للآثار» في الشارقة تنتهي ببداية الترحال عبر قطار آلة الزمن، من يومك إلى العصر الجاهلي، الحديدي، البرونزي، الحجري الحديث فالحجري القديم. لكن هذه المكتشفات الأثرية ليست سوى متحف بشري تحفه من مختلف العصور، قائم على متحف طبيعي أشد روعة وإثارة للأسئلة، فالجولة غير بعيد من «مركز مليحة للآثار»، عبر أمواج الرمال العالية الراقصة، تقودك إلى غرائبية الفن التشكيلي بريشة الطبيعة وإزميلها، إلى إبداع تجاوب الإيقاعات الموسيقية المؤتلفة والمختلفة بين لجج الرمال السامقة، والصخور الجبلية الشاهقة، ورائعتها التي وافقت اسمها «صخرة الجمل»، فقد نحتتها العصور الجيولوجية على هيئة جمل باركٍ من مئات ألوف الأطنان. ليس ذلك سوى عنوان القصة. أما نصوص القصة الخافية، فعلى علماء طبقات الأرض والأنثربولوجيا أن يستنطقوا تلك المواقع، لكي تبوح بأسرار القواقع والأصداف التي ظلت تعانق تلك الجلاميد العملاقة عبر آلاف القرون. تلك الصحراء كانت بحراً، والقواقع شهود.هنا تصبح محاورة «مليحة» صعبة، ككل مليحة، لأنها لا تبوح بمكنوناتها بسهولة، يجب أن يتعاون علماء التاريخ والأنثروبولوجيا وطبقات الأرض على استقراء أسرارها «الدفينة». من السهل معرفة سبب وجود عظام الناقة إلى جانب قبر صاحبها، فقد كانوا في الجاهلية يسمونها البلية، ليمتطيها المبعوث في العالم الآخر. لكن الجهد أكبر في التعرف إلى نقود المليحة ومسكوكاتها ذات المعادن المتباينة، وعلاقتها المحتملة بخط التجارة على طريقي الحرير والفلفل، الذي كانت خورفكان إحدى محطاته، فقد كانت القوافل تمر من مينائها إلى إفريقيا.الرحلة التي نظمها مجلس الشارقة للإعلام لكوكبة من الإعلاميين أضاف إليها رئيس المجلس الشيخ سلطان بن أحمد القاسمي، مفاجأة ذات إيحاء بعيد المدى، تمثلت في إتحاف أهل الإعلام بمنظار لرؤية النجوم «من قريب». لمسة لها معنى، فأنت عندما تراها في علاها، إنما ترى الماضي البعيد سنين ضوئية. هكذا ترى الآثار الآن، وهي بعيدة قروناً، وتبصر الرمال والجبال أمامك وهي تمر مر السحاب عبر الدهور.لزوم ما يلزم: النتيجة الجمالية: ملاحة مليحة تزداد جمالاً وسحراً كلما زاد استجلاء بهاء طلعتها.abuzzabaed@gmail.com
مشاركة :