تيلدا سوينتون‬: لم أفكر في التمثيل قبل «كارافاجيو»

  • 11/15/2017
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

محمد رُضا الدور الذي تؤديه الممثلة البريطانية تيلدا سوينتون في فيلم «أوكجا» ليس كبيراً، فهي تظهر لنحو عشر دقائق في مطلع الفيلم ثم نحو خمس دقائق متفرقة في منتصفه ثم نحو عشر دقائق أخرى قبل نهايته.لكنه دور حاسم تؤديه بأسلوب شيق بحد ذاته. تنبري تيلدا سوينتون وتتألق. إنها المرفأ الذي يرتاح فيه المشاهد ويتنعم بمشاهدة تمثيل محترف وجيد. هي أول الممثلين ظهوراً على الشاشة. طويلة. ممشوقة القوام. قوية النبض في الحديث ولديها خطاب تبشر فيه بأن مؤسستها وجدت الحل لإطعام البشرية التي بدأت تعاني مشكلة لا يشير إليها أحد وهي نقص الطعام.ظهورها ممتع لكنه ما زال غريباً من حيث أنك تتوقع منها ما هو مختلف. لا تمثل الدور على نحو معهود بل تخطفه إلى حيث تمنحه عمقاً في المعالجة وتلقائية في الأداء معاً.ولدت في الخامس من هذا الشهر سنة 1960 في لندن. والدتها أسترالية الأصل. والدها اسكتلندي الأصل. وهي انجذبت أولاً لدراسة السياسة ثم تحولت إلى الأدب لكنها قامت بالتمثيل خلال دراستها قبل أن تتخرج سنة 1983 لتدلف إلى «رويال شكسبير كومباني». لكنها لم تستمر طويلاً هناك لأنها أظهرت تمرداً على الأساليب التقليدية المتبعة لتقديم الأدوار النسائية في مسرحيات شكسبير.بعد تركها المؤسسة المسرحية الشهيرة صممت على أن تكمل مسيرتها كما يحلو لها واشتغلت مع مخرجين مختلفين عن السائد ومنهم ديريك جارمان وسالي بوتر.في العام 2000 مثلت أول فيلم أمريكي كبير الإنتاج. كان ذلك عندما اختيرت لأحد الأدوار النسائية الأساسية في فيلم «الشاطئ» بطولة ليوناردو ديكابريو. ثم كرت السبحة الهوليوودية فظهرت كذلك في «اقتباس» و«مايكل كلايتون» و«جوليا» من بين أفلام أخرى.في الوقت ذاته حافظت على رغبتها وحماستها للتمثيل في أفلام مستقلة وصغيرة كما هي الحال في «زهور مكسورة» و«مونرايز كينجدوم» و«فقط العشاق بقوا أحياء».وحالياً لديها فيلمان جديدان لجانب «أوكجا» هما «مضيق الكلاب» وهو من نوع الرسوم و«سوسبيريا» وهو من نوع الرعب. *قبل كل شيء أود معرفة رأيك فيما نشهده الآن من فضائح تتمثل في الكشف عن قيام ممثلين ومنتجين بالتحرش الجنسي. هل ترين أن الوقت حان للكشف عن هذا الوضع؟ لماذا الآن؟- بالتأكيد حان الوقت، بل تأخر الوقت كثيراً. هوليوود وسواها من عواصم السينما دائماً ما شهدت عقولاً ملتوية تقوم بممارسة أعمال منحرفة. إذاً الوقت الحالي تم نتيجة الظروف التي لولاها لما سمعنا بهذه الفضائح المشينة. أعتقد أن هذه الأعمال المنحرفة الناتجة عن عقول ملتوية كما ذكرت تجد فرصتها عندما تشعر بأنها تملك السلطة والكلمة الأخيرة. هي التي تمنح أو تمنع وصول الممثلة أو الممثل إلى الفرص التي يحتاج إليها. هذا ضعف إنساني لكن عوض تغليب الحكمة والأخلاق يؤدي هذا الضعف إلى استغلال المنصب والوظيفة. لكن لماذا الآن هي مسألة أخرى. كان على أحد ما أن يوعز بمثل هذه الحوادث المشينة من قبل زمن طويل. *هل كنت ستبلغين عن حادثة تحرش لو حدثت معك خصوصاً عندما كنت في مطلع مهنتك؟- نعم. بكل تأكيد. أفهم أن بعض الممثلات يخشين أن يؤدي الكشف عن عمل من هذا النوع إلى منعهن من العمل، لكني بالفعل لا أكترث للعمل تحت هذه الظروف. عندي مواهب أخرى أستطيع استغلالها لو أن طريق التمثيل سُدّ أمامي. *تقصدين الرسم؟- نعم. *سمعت عن هوايتك كرسامة. هل تعتبرين نفسك فنانة تمثل وترسم أو ممثلة ورسامة؟- أميل إلى اعتبارهما واحداً. ربما لذلك لا أشعر بأني ممثلة محترفة رغم أن هذا لا يبدو واقعاً. أعمل في التمثيل منذ واحد وثلاثين سنة لكني في البداية لم أكن أرغب في أن أحترف التمثيل. طلبني المخرج (الراحل) ديريك جارمن بعدما شاهدني في أحد المسرحيات لكي أكون بطلة فيلمه «كارافاجيو» ثم لم يتركني أمضي بعيداً. ظهرت في أفلام أخرى له وهذا عوّدني على حب ما أقوم به، لكن التمثيل للسينما لم يكن وارداً عندي أساساً. *هل تأثرت بأحد؟- ليس كمدرسة رسم بل كشخصية. لم أكن أفكر في القيام بالرسم لولا أن المخرج ديريك جارمان كان رساماً. استوقفني هذا. طبعاً لم أقفز مباشرة بالرسم لكن الانطباع كان قوياً. ما هو غريب في نظري أن ثمانية من المخرجين العشرة الذين تعاملت معهم على أكثر من فيلم كانوا رسامين أيضاً. *غريب.- نعم. أليس كذلك؟ أنا ممثلة وكثيراً ما أترك تصوير فيلم لأدخل تصوير فيلم آخر، لكن عندما يكون هناك وقت بين الفيلمين أنقلب إلى الرسم. *ما هو تعريفك للوحة الجيدة؟- هي تلك التي تعبر عن إحساسك بالعالم. لا يهم إذا ما كانت مجرد نقطة سوداء على صفحة بيضاء. *وما هو تعريفك للفيلم الجيد؟- سأنقل لك حادثة تحوي هذا التعريف: ذات مرّة قبل وفاة المخرج مايكل باول (سنة 1990). وصلت إلى نيويورك لمقابلته آتية من لندن. وعندما قابلته ورحب بي بطريقته المؤدبة والأليفة سألني إذا ما كنت شاهدت فيلماً ما على الطائرة. قلت له نعم. شاهدت «باتمان». سألني رأيي فقلت له أنه فيلم سيئ. قال لي إنني على خطأ ثم ذكر التعريف التالي: «أي فيلم تصرفين عليه الوقت لخلق عالمه الخاص هو فيلم جيد». وهذه العبارة بقيت في بالي. الفيلم الذي ينجح في تصوير عالمه الخاص هو فيلم جيد. *هل تعتبرين فيلم «أوكجا» إذاً فيلماً جيداً لأنه عبر عن تصوير عالمه الخاص؟- نعم ولأنه يتعامل مع رسالة اجتماعية مهمة أيضاً. *ما هي هذه الرسالة في نظرك؟- إنها مجموعة من الرسائل حول البيئة وحول الإنسان الذي يتم تدجينه ليقبل مرغماً بما تفرضه عليه الصناعات الاستهلاكية. حول العلم وكيف يتم ترويضه ليخدم تلك الصناعات وحول المؤسسات العملاقة التي تعامل الناس على أساس أنهم مجرد بطون يستطيعون إطعامها ما يشاؤون. يريدون منا أن نُقبل على منتجاتهم لصرف النظر عن احتياجاتنا الحقيقية للغذاء الجيد والصحي السليم. *ما رأيك بالضجة التي صاحبته في مهرجان «كان» كونه صُنع للاستهلاك المنزلي ولن يعرض في الصالات؟- أفهم الدوافع التي حدت بالمحتجين عليه وغيرة بعضهم الصادقة على مستقبل السينما، هذا أمر مفهوم، لكن الفيلم فيه طاقة كبيرة وفي اعتقادي أنه يتضمن العناصر ذاتها التي يشتغل عليها أي مخرج سينمائي قدير كما يبرهن المخرج بونغ (دجون-هو) في هذا الفيلم. لا أعتقد أن أحداً يستطيع تمييز هذا الفيلم عن أي فيلم من إنتاج شركات فركس أو صوني أو يونيفرسال. وأعلم علم اليقين بأن نتفلكس منحت المخرج كامل حريته. ليست كل شركة إنتاج مستعدة لذلك. *مَن مِن المخرجين الذين تعاملت معهم على أساس رؤيتهم؟- تحدثت عن ديرك جارمن. كان بلا شك أحد هؤلاء. أستطيع أن أذكر وس أندرسون الذي قدرت كثيراً دعوته لي لكي أمثل دور امرأة عجوز في «جراند بودابست هوتيل» ومن قبل «مملكة الشروق» وجيم جارموش عندما مثلت له "كل العشاق بقوا أحياء". *معظم أفلامك من النوع المستقل. هل تمانعين النوع الجماهيري كثيراً؟- ليس الأمر عندي مسألة أنواع. سأمثل الفيلم الذي يحمل رسالة ويحمل فناً سواء كان من هوليوود التقليدية أو من إنتاج شركة صغيرة لا تتعدى ميزانيتها يوم عمل واحد في الأفلام الضخمة. أوافق على السيناريو الجيد وأنتقل إلى المخرج الذي يقف وراء المشروع. هذان هما الشرطان الرئيسيان بالنسبة لي.

مشاركة :