أمضى باحثون السنوات الست الماضية في فحص وثائق عسكرية ودبلوماسية، بما في ذلك مذكرات ورسائل شخصية لمحاربين مسلمين شاركوا في الحرب العالمية الأولى يمثلون 19 بلدا، واطلعوا على أكثر من 850 ألف وثيقة باللغات الفرنسية والإنجليزية والفارسية والأردية والروسية والألمانية والعربية، فضلا عن مئات الصور. وخلص الباحثون إلى أن 2.5 مليون مسلم شاركوا في صفوف قوات الحلفاء، إما كجنود مقاتلين أو عاملين في خدمة الجيوش، علما بأن هذه المرة هي الأولى التي يتم فيها تحديد مثل هذا الرقم. بدأت عملية البحث بمبادرة من رجل بلجيكي غير مسلم يُدعى لوك فيرير «53 عاما»، بعدما عثر في مذكرات من الحرب العالمية الأولى لوالد جده على فصول مطولة عن المسلمين الذين التقاهم في جبهات القتال. ووجد فيرير أن هؤلاء المقاتلين المسلمين جُلبوا من إفريقيا والهند وروسيا وحتى من أميركا، فعاشوا وماتوا مع المسيحيين واليهود. وروى فيرير قصصا عن أئمة وقساوسة وحاخامات يعلّمون بعضهم بعضا طريقة الدفن. وتروي الوثائق أيضا قصص الجنود المسلمين وهم يقتسمون طعامهم مع المدنيين الجياع. كما اندهش الضباط الفرنسيون والبلجيكيون والكنديون من معاملة الجنود المسلمين الإنسانية للأسرى الألمان. ولما سُئلوا عن ذلك ذكر لهم الجنود المسلمون أن هذه هي طريقة معاملة الأسير وفق تعاليم الإسلام. ويقول فيرير، إن «صورة المسلمين في الغرب هي أنهم أعداء، وأنهم وافدون لم يقدموا شيئا لأوروبا، وهدف عملنا هو أن نجعل جميع أوروبا تفهم أنه بيننا وبينهم تاريخ مشترك، بعيدا عن السياسة والاستعمار، وأننا نقدم وقائع وقصصا حقيقية ينبغي أن تعرفها أوروبا بأسرها». ولقد أثار عمل هؤلاء الباحثين اهتمام خبراء الحرب العالمية الأولى. ألقى فيرير محاضرة في جامعة هارفارد الشهر الماضي، وقدَّم وثيقة للأمم المتحدة. ويعتزم الباحثون إصدار كتاب يتضمن مقاطع من الوثائق التي اطلعوا عليها، ومجموعة من الصور التي عثروا عليها. ومن بين الوثائق الأكثر تأثيرا، الرسائل التي كتبها هؤلاء المقاتلون المسلمون، والتي منها رسالة مقاتل جزائري كان في جبهة القتال بمنطقة «نوتر دام دوي لوريت» عام 1916 يقول فيها «أقسم بالله العظيم، أنني لن أتوقف عن الصلاة، ولن أتخلى عن ديني، حتى لو وضِعتُ في جحيم أشد من الجحيم الذي أنا فيه». الخلاصة، أن معرفة مثل هذا التاريخ يُمكن أن يساعد في التغلب على بعض المشكلات التي تشهدها أوروبا اليوم. صحيفة (الأوبزرفر) البريطانية
مشاركة :