كيف سيبدو واقع الحياة اليومية إذا اختفى واتساب فجأة

  • 11/15/2017
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

كيف سيبدو واقع الحياة اليومية إذا اختفى واتساب فجأةلم يعد متصورا شكل الحياة اليومية من دون تطبيق واتساب. في العمل أو المنزل أو وسائل المواصلات أو المكاتب أو حتى البرلمانات، صار التطبيق، الذي بدأ كبديل عن الرسائل النصية التقليدية والمكلفة، فضاء التواصل الأساسي لمئات الملايين، خصوصا بعد تطبيق التشفير الذي منح ثقة غير مسبوقة في التطبيق وعزز استخداماته.العرب  [نُشر في 2017/11/15، العدد: 10813، ص(12)]كلنا واتساب! لندن- يتحول تطبيق واتساب مع الوقت إلى محور أساسي في الحياة اليومية للمئات من الملايين حول العالم، إذ تخطى طبيعته كتطبيق للرسائل النصية وأصبح محورا رئيسيا للقيام بوظائف سياسية حساسة أحيانا، وفي أحيان أخرى كوسيلة لاستعادة معنى الصداقة المفقود في شكل مجموعات لتبادل الصورة أو مقاطع الفيديو، إلى جانب أحاديث لا تنتهي. وفي العالم العربي، حيث اجتاحت الهواتف الذكية الفضاء الاجتماعي العام، أصبح واتساب ملاذا للمعارضين السياسيين، ولأعضاء البرلمان، ولرجال الأمن، والناشطين الحقوقيين، والصحافيين وغيرهم. ولو لم يتم رفض طلب التحاق المؤسسين جان كوم وبريان أكتون للعمل بفيسبوك قبل أعوام، لما اختلفت حياة نحو مليار شخص في جميع أنحاء العالم. ولكن رفض قبولهما للعمل بهذه المؤسسة العملاقة سمح لهما بالمزيد من الوقت للبحث عن فكرة. وقبل ثماني سنوات، أُطلقت هذه الفكرة وأصبحت واتساب. ومثل معظم الاختراعات الأخرى المربحة، لم يبدُ هذا التطبيق أنه سيقدم الكثير. فقد كان مجرد خدمة رسائل هاتفية مجانية، سريعة وسهلة الاستخدام تسمح للمستخدمين بإنشاء مجموعات من الأصدقاء الذين يتبادلون الرسائل الجماعية. ولكن في العام الماضي تجاوز التطبيق كونه تطبيقاً للرسائل النصية التقليدية ليتداخل في نسيج الحياة الحديثة. فما يفعله هو خلق أماكن اجتماع خاصة ومغلقة في عالم الإنترنت المفتوح. ولذلك بات يمكن القول أن واتساب هو مجرد بداية لتحويل الصداقة مرة أخرى إلى ما كانت عليه قبل اختراع فيسبوك، الذي قام بشراء تطبيق واتساب منذ ثلاث سنوات.النشطاء الحقوقيون والمعارضون لجأوا في مصر إلى واتساب للاختباء من ملاحقات الأمن. كما قامت النخب الإعلامية باعتماده كفضاء التواصل الأساسي للمعلومات والأخبار العاجلة والتقارير والمقالات الصحافية والتجمعات على واتساب ليست منتشرة بشكل مفتوح كما هو الحال على فيسبوك، ولكن يمكن من خلال هذا التطبيق تشكيل دوائر وصداقات قوية قائمة على نوع من الثقة يستطيعون من خلالها تبادل الموضوعات التي تهمهم والتي يتشاركون في التفكير فيها. وفي بعض الأحيان تكون مثل هذه الأشياء مملة لأي شخص خارج الدائرة، على سبيل المثال عندما يجتمع أفراد الأسرة الواحدة في مجموعة لتبادل صور أطفالهم، أو كما هو الحال عندما تراسل أم أبناءها الذين يدرسون في جامعة بعيدة عن مكان سكنهم الأصلي. أما بالنسبة للمراهقين، فهي أداة لتحليل برنامج “ساترداي نايت شو” الذي شاهدوه في الليلة الماضية بالتفاصيل، وخلال ذلك، يتمّ لاشعوريا تطوير آدابهم الحديث عند هؤلاء المراهقين من خلال محادثاتهم مع بعضهم البعض. لكن أحيانا قد يكون الأمر مزعجا عندما يتجاهل أحدٌ دردشة باقي المجموعة، لأن التطبيق يمكن أن يكشف لباقي أفراد المجموعة بسهولة إذا ما كان هذا الشخص موجودا على الإنترنت بالفعل، وإذا كان قد قرأ رسائلهم فعلا. وعلى الناحية الأخرى يكون الأمر أيضاً مزعجاً عندما تنهال الرسائل من قبل فرد واحد من المجموعة في الوقت الذي يريد فيه الآخرون التوقف عن الحديث. كما أن التسلل خلف المجموعة للدردشة الجانبية مع عضو واحد هو أيضا أمر آخر. مسرح سياسي في البرلمان المصري يحدد أعضاء “ائتلاف دعم مصر”، وهو أكبر الائتلافات السياسية في البلاد، أجندتهم التشريعية وأنشطتهم السياسية عبر التواصل على مجموعات تحدد مهام كل عضو وتتولى توزيع الأدوار. وساهمت السمعة العالمية لواتساب كتطبيق مشفر في لجوء رجال أمن، متخصصين في متابعة النشاط السياسي في البلاد، بالتواصل مع السياسيين على التطبيق، الذي بدأ يتحول إلى الفضاء الأساسي للطبقة السياسية في مصر. ويتبادل وزراء ومسؤولون كبار تعليمات تنفيذية عدة على التطبيق بثقة مبالغ فيها أحيانا، إذ كما أصبح واتساب وسيلة توثيق معتمدة بين المسؤولين، قد يتحول في أي وقت إلى قناة تسريب أوامر إدارية وتوجهات سياسية تتبناها الحكومة.من خلال هذا التطبيق تشكيل دوائر وصداقات قوية ولجأ نشطاء حقوقيون ومعارضون أيضا للاختباء من ملاحقات الأمن بين ثناياه. كما قامت النخب الإعلامية والصحافية باعتماد التطبيق، ولو ضمنيا، كفضاء التواصل الأساسي للمعلومات والأخبار العاجلة والتقارير والمقالات الصحافية. وساهم التطبيق في دوران عجلة البيروقراطية السياسية في مصر بشكل أسرع قليلا. ووحد واتساب تقنيات العمل وأشكاله بين الطبقات السياسية في العالم كله، عبر إنهاء تقاليد ثابتة كانت تمتاز بها دول عريقة، بحثا عن سرعة وفاعلية أكثر في اتخاذ القرار أو مشاركة الرؤى السياسية. وفي بريطانيا، بعد فترة وجيزة من إجراء الانتخابات العامة في شهر يونيو الماضي، استخدم أعضاء حزب المحافظين الحاكم مجموعات الواتساب من أجل جمع الآراء حول سياسات ووجهات نظر رئيسة الوزراء تيريزا ماي، بدلاً من الوقوف في أركان غرف مجلس العموم البريطاني لمناقشة آرائهم كما كان يفعل سابقوهم في العصور السابقة. ويستخدم التطبيق بشكل منتظم في كل ركن من أركان مبنى البرلمان لتبادل النميمة، أو نقاط الاتفاق بين أعضاء البرلمان التي تجمعهم اتجاهات سياسية واحدة -مثل المؤيدين للخروج من الاتحاد الأوروبي، أو أعضاء حزب العمال المناهضين لجيرمي كوربين- كما يستخدم أيضا لدعم الأشخاص الذين يقعون تحت ضغوط ويحتاجون لمساعدة من ممثليهم في الطبقة السياسية. ولعبت تلك المجموعات أيضاً دوراً محورياً في الكشف عن قضايا التحرش الجنسي في كل من السياسة والصحافة، من خلال تبادل الضحايا لأسماء المتحرشين. أما بالنسبة للناشطين السياسيين الذين يعيشون في بلدان تحكمها أنظمة قمعية، فقد أصبح تطبيق واتساب متنفساً لا غنى عنه. وتعمل خاصية “التشفير الآمن” التي يتمتع بها التطبيق كعامل جذب جوهري. وتعني هذه الخاصية أن أحدا من خارج المجموعة لا يمكنه اعتراض الرسائل المتداولة داخلها. وأكثر هؤلاء الذين سارعوا للانضمام إلى التطبيق بعد تفعيل هذه الخاصية، المجرمون واللصوص وأعضاء المافيا. وبحسب ما اقترحته آمبر راد، وزيرة الداخلية البريطانية، في وقت سابق من هذا العام، فإن هذا التطبيق يمكن أيضاً أن تستغله الجماعات الإرهابية المختلفة للتخطيط والاتفاق على تنفيذ هجماتهم الإرهابية. ويستخدم عناصر تنظيم داعش تطبيق واتساب على نطاق واسع. وعلى سبيل المثال استخدم خالد مسعود التطبيق وأرسل رسالة قبل وقت قصير من دهسه للمارة بسيارة على جسر وستمنستر في شهر مارس الماضي. وانسحبت مخاوف ماي على مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي أيضاً إزاء احتمال استخدام التطبيق فى عمليات غسيل أموال والاختلاس والجرائم المالية الأخرى. أما خطر استخدام التطبيق على المستخدمين العاديين، فيكمن في اعتقاد المستخدم بأنه يتبادل معلوماته الخاصة بكل أريحية في مجموعة آمنة، لكن الواقع قد يكون مختلفاً تماماً. وتقول غابي هنسليف، محللة التكنولوجيا في صحيفة “الغارديان”، إنه “من السهل جداً على المستخدم أن يرسل الرسالة الخطأ للمجموعة الخطأ، كما حدث مع نائبة حزب العمال لوسي باول عندما أرسلت نصاً يحوي محتوى سيئاً عن أعضاء مجلس الوزراء ووزراء حكومة الظل عن طريق الخطأ لزميلاتها من حزب العمال”. وعلى عكس المحادثات الخافتة في الحياة الواقعية التي تتميز بطبيعتها السرية، يحظى واتساب بسجل إلكتروني يمكن تسريبه بسهولة من قبل عضو من أعضاء المجموعة. فالموضوع أشبه بالصداقات القديمة، قبل ظهور التكنولوجيا، عندما كانت تُقاس قوتها بمقدار الثقة بتبادل الأسرار التي يتم تناقلها بين الأصدقاء، إذ هذا المنطق هو من الأشياء الثابتة على ما يبدو التي حتى التكنولوجيا لا يمكن أن تغيرها. ضد القصف والتحرش معا الإنترنت في سوريا سيء جداً، ولكن تطبيق واتساب لا يتطلب الكثير من البيانات، لذلك يستخدمه الجميع هناك. يقول خالد الخطيب، العضو في مجموعة الدفاع المدني السوري التي كان واتساب محور تحركاتها وسط القصف والدمار الواسع الذي لحق بالمدن السورية، “تطوعت مع فرق الدفاع المدني السوري، المعروف أيضا باسم ذا وايت هيلمتس أو الخوذات البيضاء منذ عام 2013. نذهب إلى مسرح أحداث الهجمات والاعتداءات المختلفة من أجل إنقاذ المدنيين المحاصرين”. وأضاف “لدينا متطوعون منتشرون في جميع أنحاء سوريا ومستعدون لأي أمر جديد. نستخدم مجموعات واتساب لمعرفة من يحتاج الآن إلى المساعدة. ومهمتنا هي الوصول إلى المدنيين الموجودين في المناطق التي تخضع للحصار الكامل، مثل ريف حمص، والمناطق التي قُطعت طرق الوصول إليها. ويمكننا عقد اجتماعات حية مع هؤلاء من خلال تطبيق واتساب أيضا”."الغروبات" تستعيد الصداقة التي أضاعها فيسبوك وفي شهر أبريل الماضي، عندما حدث هجوم استخدمت فيه أسلحة كيميائية على بلدة خان شيخون في محافظة إدلب السورية، استخدمت مجموعة الإنقاذ المحلية تطبيق واتساب من أجل طلب المزيد من الدعم. وعلى الفور توجهت العديد من فرق الانقاذ إلى مكان الحادث حيث لقي أكثر من 60 شخصاً مصرعهم وأصيب عدد آخر بجروح. لو لم يوجد واتساب لكان من الصعب التفكير في كيفية تنسيق ذلك بهذه السرعة. ويقول الخطيب، الذي عمل صحافيا أيضا طوال أزمة الحرب الأهلية في سوريا المستمرة منذ قرابة سبعة أعوام، “بطبيعة عملي في مجال الإعلام أستخدم واتساب للتواصل مع الناس الذين يعيشون الأحداث على أرض الواقع، ثم أقوم بنشر هذه الوقائع على وسائل التواصل الاجتماعي بهدف تقديم المزيد من المساعدة لهم. ومؤخرا لجأت إلى واتساب للتحدث مع فريقنا في غوطة دمشق، عندما كانت تتعرض للقصف، وفي كل يوم يثبت أنه وسيلة اتصال تسهّل علينا الكثير من الأمور أثناء الحروب”. على مدى الأسابيع القليلة الماضية، أصبح تطبيق واتساب ملاذاً لمجموعات التضامن النسائي من أجل مكافحة أشكال التحرش الجنسي العديدة التي انتشرت بشكل كبير، ووجد عدد كبير من النساء شجاعة للحديث عنها في العلن. بدأت القضية بمنشور على تويتر كتبته الصحافية إميلي رينولدز “هذه قائمة غير مكتملة بأسماء جميع الرجال الذين أساؤوا لي”. تقول الصحافية البريطانية كانديس بايرز “منشور رينولدز كان لكمة قوية. ما أدهشني حقاً هو أن رينولدز، التي تصغرني بعدة أعوام، تعرضت لنفس المواقف والتجارب التي تعرضت أنا لها عندما بدأت بالعمل كصحافية منذ 10 أعوام. جعلني هذا الأمر أفكر في أنه إذا لم يتغير الآن شيء، فالتغيير سيحدث لا محالة في الغد القريب، أو في العام المقبل، أو حتى في العقد المقبل”. بدأت مجموعة واتساب بقصص، ولكن سرعان ما تحولت إلى حركة نسائية. تقول روزاموند أوروين، وهي صحافية لعبت دورا كبيرا لفضح التحرش الجنسي في المؤسسات الإعلامية وخارجها، “التقيت أنا وأعضاء المجموعة ثم أطلقنا مجموعة ‘ذا ساكند سورس’ في وقت سابق من هذا الشهر بهدف مناقشة أشكال المضايقات والتحرش التي تتعرض لها المرأة في وسائل الإعلام المختلفة، ولتعزيز الوعي وإعلام المرأة بحقوقها والعمل مع المنظمات لخلق التغيير”. وأضافت “استخدمنا واتساب لتنظيم كل شيء. لم تهمنا الوسيلة هنا كثيراً، وإلا كنا فعلنا هذا باستخدام البريد الإلكتروني، ولكن واتساب كان يعمل بشكل جيد في إطلاق الحملات. فهو وسيلة جيدة لاتخاذ القرارات السريعة، وهناك يشعر الجميع أيضاً بأنهم على قدم المساواة. لكن المشكلة الوحيدة هي أنه خلال هذا التدفق المستمر من الرسائل، يمكن أن يستغرق ذلك جزءاً كبيراً من وقتك وحياتك”.

مشاركة :