إيران أولا وآخرا بقلم: إدريس الكنبوري

  • 11/15/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

آن الأوان لكي ترى إيران موقفا عربيا موحدا في مواجهة التمدد الفارسي الشيعي، وأن تفهم بأن عهد التسامح العربي قد انتهى بلا عودة.العرب إدريس الكنبوري [نُشر في 2017/11/15، العدد: 10813، ص(9)] مخطئ من يقرأ السياسة الإيرانية الحالية تجاه المنطقة العربية، وخصوصا تجاه منطقة الخليج، في ضوء التطورات الراهنة. فلا شيء يأتي على حين غرة ومن دون مقدمات، بل هناك دائما مسلسل من الحلقات المترابطة التي تؤدي في النهاية إلى تبلور موقف سياسي أو استراتيجي يشد بخاصرة الماضي وبتلابيب المستقبل في وقت واحد. من يقرأ الأحداث اليوم في المنطقة العربية وفي الخليج بعين فاحصة سوف يدرك للتو أن الطبخة الإيرانية وضعت على نار هادئة منذ الثمانينات من القرن الماضي، حين تم إنشاء حزب الله اللبناني ليكون القبضة الإيرانية داخل الوطن العربي. لم يكن شعار “الشيطان الأكبر” الذي صاغه آية الله الخميني في مطلع الثمانينات موجها إلى الولايات المتحدة الأميركية حقيقة، بقدر ما كان الغرض منه كسب ولاء الإيرانيين وتجميعهم حول الخمينية كمشروع أيديولوجي. لقد كان ذلك شعارا علنيا لكسب ود الإيرانيين، أما الشعار السري الذي كان يجري إعداده في طهران فهو التغلغل في الوطن العربي وإعمال سكين التمزيق في أوصاله. هكذا نفهم أن شعار تصدير الثورة لم يكن موجها بالطبع إلى الولايات المتحدة بل إلى العالم العربي، وتلك هي الوصفة التي عملت عليها طهران طيلة فترة الثمانينات والتسعينات وحتى اليوم، ونجحت إلى هذا القدر أو ذاك طيلة ثلاثة عقود، حتى ظنت إيران أن موسم جني المحاصيل قد حان. ربما أخطأ بعض العرب، خلال العقود الماضية، في قراءة وتفكيك السياسة الإيرانية المشفرة، وباتوا يعتقدون أن إيران يمكن أن تصبح حليفا للعرب بدعوى أن الدين قاسم مشترك بين الاثنين، ولم يدركوا بأن الطائفة يمكن أن تصبح أقوى من العقيدة والمذهب أكبر من الدين. وقد لعب جزء من النخب العربية هذا الدور في فترة من الفترات بالشكل الذي أراح الإيرانيين الذين وجدوا في خطاب التعاون العربي الإيراني مادة للاستهلاك والتسويق، فيما كانت طهران تزرع الأشواك في ظهر العرب. وربما تسرب هذا الوهم من جراء الاعتقاد بأن الجغرافيا يمكن أن تغير وجه التاريخ، وأن الديانة يمكن أن تقضي على عنصر “الأرومة” الفارسية، وهو الوهم الذي- على كل حال- أظهر أن الواقع أكثر عنادا. خلال مرحلة ما سمي بالربيع العربي فشلت المراهنة الإيرانية على تفتيت الوطن العربي وخلخلة أمن الخليج. أرادت طهران تسويق النموذج الإيراني في الثورة الشيعية لدى الإسلاميين البسطاء الذين يجهلون قراءة الوقائع السياسية ولا ينظرون إلى التاريخ إلا كامتداد منسبط، مستفيدة من خبرات اللقاءات السابقة التي كانت تحتضنها طهران وتلم فيها شتات الإسلاميين الطامحين إلى الثورة، لكن التجربة فشلت والمراهنة سقطت في الطريق. يبدو أن مجريات الوضع في الخليج باتت تقلق الإيرانيين. حتى وقت قريب كانت طهران تنظر إلى منطقة الخليج بوصفها منطقة ساكنة تأتي إليها الأزمات ولا تذهب هي إلى الأزمات. كانت تعتبر نفسها الطرف المهاجم الذي يمكنه التحكم في اللعبة وخلق الحدث وجعل الآخرين يفكرون في الاحتمالات الإيرانية. بيد أن التحولات العميقة الحاصلة في المملكة العربية السعودية أعطت رسالة إلى الإيرانيين بأن قوانين اللعبة ماضية في التغير، وأن منطقة الخليج عازمة على القبض على اللحظة التاريخية والذهاب إلى الأزمات بنفسها، وهذا ما جعل حسن روحاني، الرئيس الإيراني، يتخذ نبرة مغايرة وهو يوجه إشاراته إلى السعودية، ويلوح بالتهديد غير المباشر، وكأنه يدرك فعلا أن إيران لم تعد تتحرك في ساحة مفتوحة. آن الأوان لكي ترى إيران موقفا عربيا موحدا في مواجهة التمدد الشيعي، وأن تفهم بأن عهد التسامح العربي قد انتهى بلا عودة. يمكن لاجتماع وزراء الخارجية العرب، الذي سيلتئم نهاية الأسبوع الجاري في القاهرة، بطلب من الرياض، أن يبعث رسالة قوية في هذا الاتجاه، لكن الرسالة وحدها لا تكفي، فمطلوب اليوم أن يكون هناك تحرك عربي على الأرض. كاتب مغربيإدريس الكنبوري

مشاركة :