الأطفال يدفعون الثمن: شهادة محمد الذي غيرت الحرب في سوريا حياته

  • 11/15/2017
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

قتل آلاف الأطفال أو شردوا في الحروب التي تشهدها المنطقة، في سوريا والعراق واليمن. وقد ظل الكثير من الأطفال في بلدانهم فشهدوا القتال والموت بأعينهم. واضطر بعضهم اتخاذ قرارات صعبة للبقاء على قيد الحياة، مما أدى إلى إصابتهم بأضرار نفسية دائمة. عندما التقينا محمد في العاصمة اللبنانية بيروت، كان شعره مصففا وقصيرا ويرتدي سروال جينز ممزق كما هو الحال السراويل حديثة الطراز، وقميصا طُبعت عليه كتابة باللغة الانجليزية وحذاء رياضيا ذا لون زاه. يبدو محمد كأي صبي في سن المراهقة، ولكنه لم يكن يستطيع دوما أن يرتدي ما يحلو له من ثياب. عاش محمد، وهو الآن في الثامنة عشر، مدة عام تحت حكم تنظيم الدولة الإسلامية في ضاحية الباب، على مشارف حلب في سوريا عام 2014. كما أنه تناول طعامه معهم وأقام صلاته معهم لمدة شهر قبل أن يتمكن من الهرب إلى تركيا ثم الانضمام إلى أسرته في لبنان. "مررت بالكثير من المرات التي كدت أن أموت فيها" قال محمد، متحدثا عن المعارك الضارية التي شهدها بين القوات المعارضة والموالية للحكومة في حلب. وكان محمد، الذي تم تغيير اسمه لأسباب أمنية، في الثانية عشر عندما اندلعت الحرب الأهلية في سوريا عام 2011. شهد محمد آثار حرب مدمرة لا يبدو أنها ستنتخي قريبا. شهد محمد كل شيء من البراميل المتفجرة وهجمات القناصة والفظائع التي ارتكبها تنظيم الدولة، وكان لكل ما شهده تاثير بالغ على صحته النفسية، وهو حال الكثير من الأطفال الذين عاشوا الحروب في المنطقة. ويقول محمد "ذات يوم سقطت قنبلة على منزل جيراننا. اضطررت أن اتحسس طريقي إلى البيت لأنني لم أستطع أن أرى أي شيء بسبب الغبار والركام المتجمع بسبب انهيار المنزل. رأيت امرأة ممدة على الأرض ودماء. سرت قليلا ورأيت فتاة صغيرة كان نصف جسدها مفقودا، ثم سرت بعض الخطوات ووجدت اشلاء اطفال متناثرة، رؤوسا وأرجل وأذرع". وروى محمد، وهو الأكبر من بين أربعة أبناء، قصة طفولة سعيدة قبل الحرب. كان يذهب إلى المدرسة ويلعب في الشارع مع اصدقائه في الحي وكان يمضى عطلات نهاية الأسبوع في حمام السباحة. وكان محمد محبا للدراسة متفوقا فيها، وكان يتنافس مع ابن عمه للحصول على أعلى الدرجات. وكان يذهب إلى المسجد للصلاة يوم الجمعة ويحلم بالذهاب إلى الجامعة وأن يصبج مخرجا سينمائيا. ولكن هذه الحياة انتهت عام 2012 عندما طرقت الحرب ابواب حلب عاك 2012. وقال محمد إن أصدقاءه المقربين تفرقوا وتوزعت ولاءاتهم وانضموا لجماعات متناحرة. وقال محمد "أصبح أصدقائي أعداء. كل منهم أصبح يرسل خطابات تهديد للآخرين: "أود أن اقضي عليك وأقتلك بيدي"". ولكنه يقول إنه لم يكن مهتما بالقتال وأراد أن يواصل دراسته. كان يقوم بالرحلة الخطرة من حيه الذي تسيطر عليه المعارضة المسلحة إلى المناطق التي تسيطر عليها الحكومة لآداء اختباراتا المدرسة، على أمل أن يحظى بمستقبل افضل في يوم من الأيام". استمعت بانتباه وتركيز عندما كان هذا الشاب يتحدث عن الفظائع التي شهدها، عن الكوابيس التي اصبحت واقعا. سألته عن سبب انضمامه لتنظيم الدولة الإسلامية وما كان دوره فيها وعما كان دوره فيها تحديدا، وعن رأيه في معتقداتهم الدينية. وأوضح لي أن الأمر لم يكن باختياره. وقال محمد أن معظم الصبية جمعوا لحضور "دورة الشريعة"، وهي دورة مدتها شهر لتعليمهم الصلاة وتعاليم الدين كما يراها التنظيم. وأجبر الصبية على ارتداء الملابس التي يرتديها مسلحو التنظيم وعلى أن يطلق شعره كما يفعلون. والذين يخالفون ذلك كانوا يعاقبون، أو حتى يقتلون. وأضاف محمد "أردت أن أتعلم كيفية الصلاة. في البداية كانوا يتحدثون إلينا برفق وكل ما كنت تتخيله عنهم تغير في تلك الفترة". وروى محمد أن معرفته الكبيرة بالقرآن وقدرته على تحدث الفصحى بطلاقة مكناه من التفكير في عاداتهم وتعاليمهم ومعتقداتهم. وعندما سألته أما كان يخشى أن يعاقبوه، أجاب أنه لم يعد يخشى أي شيء. وأوضح "بسبب الحرب التي عايشتها، لم يعد هذا الشيء المسمى خوفا موجودا. أصبح الموت أمرا عاديا"، مضيفا أن الإعدامات بقطع الرأس كانت أكثر ما يؤثر عليه. وقال محمد "كانوا يعلموننا كيف نقتل الناس...ولكن كيف كان باستطاعتي المشاركة في ذلك عندما يتوجب على إن اقتل شخصا؟ قد يكون ذلك ابن عمي أو أخي". وقال إنه فور إنهاء "الدورة التعليمة"، ذهب لزيارة أحد أقاربه، وساعده على الفرار إلى تركيا قبل فوات الأمان. وقال محمد "كنت بالتأكيد أخاف أن أصبح مثلهم أو أن يصبح تفكيري مثل تفكيرهم، ولكنني كنت أدرك أن ما يقولنه خطأ وكنت أسيطر على نفسي". وفور عبور الحدود إلى تركيا، قصر محمد شعره وغير ثيابه ورفض الصلاة. وعمل حائكا ملابس لمدة عام لجمع ما يكفي من المال قبل السفر إلى لبنان ليلتأم شمله مع أسرته التي فرت إلى هناك. وقد يبدو أن محمد قد حصل على فرصة جديدة. يعمل حائك ثياب في بيروت لإعالة أسرته، وبمساعدة منظمة أهلية في العاصمة اللبنانية، حصل على الدعم والتدريب لتحويل قصته إلى فيلم. ولكن محمد يقول شيئا مغايرا، موضحا "أشعلا أنه بالنسبة لي، فإن مستقبلي قد انتهى ودفن, لا يمكنني أن أحيا حياة طبيعية مجددا. أشعر أنه كان من الأفضل لي أن أموت في سوريا".

مشاركة :