عندما تم الترتيب لإسقاط الخلافة العثمانية، التي أُسقطت فعلياً على يد أتاتورك عام 1924، بدأت أحداث ترتيب المنطقة وتجهيزها لتكون مسألة سقوط الخلافة إجراء طبيعياً لما تم إعداده بالمنطقة، فكانت البداية باتفاقية سايكس - بيكو عام 1916 التي بمقتضاها تقسيم المنطقة وفقاً لرغبات الدول الكبرى آنذاك فرنسا وإنكلترا، والإعداد لوعد بلفور 1917 بإعطاء اليهود وطناً هو فلسطين. فكان الهدف من "سايكس بيكو" ترتيب المنطقة من أجل هدفين: أولاً: إعطاء اليهود فلسطين. ثانيا: تجهيز المنطقة وتقسيمها لما بعد الخلافة. وسارت المنطقة على اتفاقية سايكس بيكو تحقق رغبات وأهداف الدول الكبرى. الآن وبعد مائة وواحد سنة من اتفاقية سايكس بيكو 1916 استجدَّت بالمنطقة أمور جديدة ليست على هوى دول الأكابر الكبرى. استجدَّ بالمنطقة أن إسرائيل تحوّلت من وعد 1917 إلى دولة قوية، واقع موجود ومؤثر وهي الأقوى في المنطقة، ولكن استجدّ أيضاً واقع قوي يتنامى يهدد حتى ولو ظاهرياً أهداف الدول الكبرى وإسرائيل. هذا الواقع هو الدور الشيعي في المنطقة، وكذلك الدور التركي المتنامي والمتصاعِد بقوة. لقد خرج الدور الشيعي أو كاد عما كان مرتباً له في المنطقة وفقاً لسايكس بيكو، فأصبح هناك دولة ترفع راية الشيعة، وهي إيران، وأصبح لها روافد قوية ومؤثرة في العراق ولبنان وهيمنة في سوريا واليمن، وأصبح للدور الشيعي خطة انتشار وتمدد خرج عما كان مرسوماً له. ساعده على ذلك الضعف الشديد للسّنّة وأصبحت الدولة رافعة راية السّنة نظرياً، وهي السعودية، هي أكبر محارب لكل من هو سُني في المنطقة، عكس الدولة رافعة راية الشيعة التي تتبنى كل ما هو شيعي وتحتضنه وتدعمه وتقويه وتدافع عنه. وأصبح هناك أيضاً دولة قوية سُنية لم تكن عودتها إلى الساحة متوقعة بهذا التأثير المتصاعد وهي تركيا. أما باقي دول المنطقة فهي تدور في فلك سايكس بيكو، ولا خوف منها على مصالح الدول الكبرى المهيمنة على العالم. إذاً ما هو الحل بالنسبة للدول الكبرى؟ لا بد من إعادة ترتيب المنطقة مرة أخرى.. كيف؟ من خلال أحداث تقلب الطاولة ثم يعاد ترتيبها من جديد. الهدف من إعادة ترتيب الطاولة والمنطقة الآتي: أولاً: إضعاف القوى الشيعية وإعادة حجمها وتأثيرها لما هو مرسوم لها متمثلة في إيران وروافدها في لبنان والعراق وسوريا واليمن. ثانياً: إضعاف تلك الدولة التي يزداد تأثيرها يوماً بعد يوم، وبعد أن فشلت محاولات السيطرة عليها من الداخل (انقلاب يوليو/تموز 2016 في تركيا) من خلال الضغط العسكري عليها وإدخالها في الطاولة المقلوبة؛ لتخرج في الترتيب الجديد للمنطقة أقل قوة وتأثيراً. ثالثاً: مزيد من تقوية الهيمنة الإسرائيلية من خلال إيجاد تحالف عربي سُني تابع تماماً للدور الإسرائيلي في المنطقة، تقوده أكبر دولة سُنية نظرياً وهي السعودية. والسؤال الآن: أين نحن كتيار إسلامي من الترتيب المقصود للمنطقة؟ هل نجحت أنظمة المنطقة المنفذة لرغبات الدول الكبرى في أن تجعلنا ننشغل بسقف طموحات محدودة ووهمية وغير واقعية، وأن ننشغل بأنفسنا أكثر من أن نرى الصورة الكبرى للمنطقة؟ حتى الآن، الجواب: نعم. والسؤال الأخير: هل من لحظة إفاقة وإعادة قراءة المشهد.. ودراسة دورنا في الحادث والقادم؟ الإجابة للأسف غير مؤكدة، ولكنه النداء الذي أتمنى أن لا يكون الأخير؟ استوعبوا ما يحدث، وأعيدوا سقف الطموحات على رؤية جديدة.. واتفقوا عليها، وفكّروا خارج صندوقكم المغلق عليكم، ووسّعوا مدارككم، وانظروا نظرةً واسعةً إلى الصالح العام للأمة، وتجاوزوا نظرات المصلحة الضيقة لكل كيان، ولا تتجاوزوا الواقع، ورحم الله مَن قال: (لا تصادموا نواميس الكون، فإنها غلابة، ولكن غالبوها واستخدموها وحوّلوا تيارها واستعينوا ببعضها على بعض). اللهم قد بلغت، اللهم فاشهد. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :