يُخلق الصحافي ليحقق للرأي العام تدفقاً إخبارياً حراً ونزيهاً وشفافاً. ولقاء الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ممثلي وسائل الإعلام العربية والأجنبية في مصر، وعدداً من رؤساء تحرير الصحف القومية والخاصة، إضافة إلى إعلاميين مصريين، جاء لقاءً غير مسبوق، على هامش جلسات «منتدى شباب العالم» الذي عقد في مدينة شرم الشيخ. اللافت أن اللقاء لم يشهد خطوطاً حمراً، وامتد نحو ساعتين و35 دقيقة بدلاً من ساعة ونصف الساعة. وقبل انعقاد الجلسة تساءل ممثل وكالة الأنباء الإيطالية (إنسا) حول مدى إمكانية طرحه سؤالاً حول مسار «قضية ريجيني» من عدمه، وأبدى المكتب الإعلامي للرئيس موافقته، مؤكداً عدم التحفظ على أي تساؤلات، وسيستقبلها الرئيس بصدر رحب. وأبدى السيسي اهتماماً بالغاً، إذ كان يدوّن الأسئلة والملاحظات، ومن ثم يجيب عن مجموعة منها. وجددت الجلسة تسليط الضوء على اللغط الدائر حول الإعلام الأجنبي، وتناوله الأوضاع الداخلية المصرية، إذ يراه بعضهم مغرضاً ويكيل بمكيالين ويلوي عنق الحقائق، منذ قيام ثورة 30 حزيران (يونيو) 2013، ولا ينشر الحد الأدنى من الواقع في مصر وما تواجهه من عمليات إرهابية. ولاقت الجلسة ترحيباً وأصداء واسعة محلياً ودولياً، لا سيما أن السيسي تطرق إلى قضايا عربية ودولية ملحة، بينها الأزمة اللبنانية والعلاقات المصرية- الخليجية والمصالحة الفلسطينية، وقضايا الإرهاب وغيرها. كما شدد السيسي على ضرورة أن يكون هناك قدر من التعاون والتواصل مع الوكالات الأجنبية، كي لا تتولد تلك الحساسية الموجودة في الإعلام المصري تجاه أي أنباء تتناول الشأن المصري. وتوجه مدير مكتب «بي بي سي» في القاهرة أكرم شعبان بسؤال إلى الرئيس حول رؤية الدولة للإعلام الخارجي قائلاً: «نستثمر في مصر وشبابها ونقيم فيها لكونها دولة مهمة ومحورية في العالم. وفي المقابل، يتهمنا بعض الزملاء بالعمالة والخيانة عبر الشاشات من دون مساءلة، ما يسيء إلى 130 موظفاً في مكتب بي بي سي في القاهرة، الذي يعمل في شكل رسمي، وأتمنى أن يكون هذا اللقاء بمثابة رسالة مهمة لهؤلاء الذين لا يتورّعون عن اتهامنا من دون أدلة أو مسوّغات». وهو ما أجاب عنه السيسي بقوله: «بعد ما شهدناه خلال السنوات السبع الماضية، صار لدينا حساسية شديدة تجاه تداول أخبار مصر بما نراه لا يتفق مع ما تمر به من ظروف شائكة، مع الأخذ في الاعتبار أن خوف أولئك الإعلاميين على بلادهم يدفعهم إلى ارتكاب أفعال من شأنها الضرر بالبلاد من دون قصد. وجاء التناول الإعلامي المصري لحادث «الواحات الإرهابي» غير جيّد وتجاوز المهنية». بيد أن الرئيس نوّه بأن بعضهم محق في تلك الانتقادات التي يوجهونها إلى بعض وسائل الإعلام الأجنبية، والتي تأتي من منطلق حرصهم على بلادهم، في ظل حالة الإرهاب التي تهدد مصر وخشية أن يطاولها الفشل وتعمها الفوضى أو يتحول مواطنوها إلى لاجئين. وطالب السيسي الإعلام المصري والأجنبي على حد سواء، بتحري الصدقية في الشأن المصري، الذي لا يحتمل التحول إلى دولة تعمّها الفوضى، بفعل الإرهاب الذي اعتبره أخطر آفة تهدد أمن أي دولة واستقرارها، لافتاً إلى أن حجم الكلفة المالية المطلوبة لمواجهة الإرهاب ضخم، ويفوق ما تتكلفه الحرب النظامية»، مشدداً على أن تلك الاتهامات لا تنسحب على كل المنصات الإعلامية الأجنبية، كما لم يعف الدولة من مسؤوليتها، بقوله إن «ثمة مسؤولية تقع على عاتق الدولة المصرية تتمثل في زيادة التواصل مع الإعلام الغربي، وتوفير البيانات كي لا يضطر إلى اللجوء إلى مصادر أخرى غير موثوقة»، معترفاً بأنه «بعد سبع سنوات من الفوضى، لم تنتظم بعد كل مؤسسات الدولة في الشكل الذي يحقق تعاوناً مثمراً، وتوفر بيئة مهنية للعمل بشفافية، وفي التوقيت المناسب في ما يخص الأحداث المتسارعة». وشدد الرئيس المصري على ضرورة أن تراعي وكالات الأنباء الدولية أن مصر في حالة حرب ضد الإرهاب، بالوكالة عن العالم كله، لا سيما أنها لا تدير سياسة مزدوجة في مكافحة الإرهاب، وتتعامل بشرف ولم تستخدمه لتحقيق أهداف سياسية كما فعلت دول أخرى قامت بتدمير بلاد أخرى لمصلحة أهداف وأجندة سياسية. وأضاف: «إذا أردتم مساعدتنا، ينبغي أن تنقلوا ما يحدث بصدقية، فالحقوق السياسية ليست فقط هي التحديات التي تواجه الدولة المصرية، فثمة حقوق أخرى وبينها حقوق أبناء وزوجات الشهداء الذين يغيبون عن التناول الإعلامي». وأكد رغبته في تعزيز التعاون والتواصل مع الإعلام الغربي، وأهمية عقد لقاءات دورية للرد على أي تساؤلات، مقراً بأن الدولة المصرية لم تقم بهذا الدور على النحو المناسب. ورداً على سؤال «الحياة» حول ضرورة وجود وسيلة إعلامية مصرية تخاطب الخارج، أوضح السيسي: «نفكر في إطلاق قناة تلفزيونية جديدة منذ وقت طويل، ونعمل على الإعداد لها»، معلناً انطلاقها قريباً، وعزى التأخير إلى كلفتها الضخمة، وحرصاً على أن تخرج شاشة قوية ترقى إلى مستوى القنوات الإقليمية، مثل «سكاي نيوز» أو «العربية». وأجاب أيضاً عن سؤال «الحياة» حول مشروع المملكة العربية السعودية «نيوم» الذي أعلنه الأمير محمد بن سلمان، والذي يربط أقدار مصر ببلاد الخليج العربي، قائلاً: «نحرص على التكامل مع أشقائنا في «المملكة» في المشاريع الاقتصادية التي تدرّ الخير علينا جميعاً، وهو مشروع عظيم للغاية، منوّها بأن ثمة استعداد لمشروعات اقتصادية أخرى مع المملكة ليست سياحية فقط». وأضاف أن «البنية الأساسية في سيناء ستكون جاهزة لتلك المشروعات، حيث سعينا إلى افتتاح «نفق شرم الشيخ»، لكنه سيتأخر نحو ثلاثة أشهر، وهو يتميز بالاتساع كي يجعل الحركة أكثر أمناً وسهولة، وثمة طريق «عربي واحد»، وآخر يمتد من بورسعيد وحتى خليج السويس». واعتبر مدير مكتب «سكاي نيوز عربية» في القاهرة سمير عمر، والذي أدار الجلسة، في تصريح لـ «الحياة»، أن هذا اللقاء غير مسبوق بين الرئيس المصري وهذا العدد من ممثلي وكالات الأنباء ووسائل الإعلام العربية والدولية، وبمثابة خطوة مهمة في مصلحة العمل الصحافي، ومؤشراً إلى حالة إيجابية بين الرئيس وجمهور الصحافيين، وأضاف زخماً لما تضمنه من أنباء ومواقف أعلنها الرئيس للمرة الأولى، ما أعطى اللقاء قيمة إخبارية». ولا يتفق عمر مع الرأي القائل أن ثمة صورة مغلوطة عن مصر في الإعلام الأجنبي، ويقول: «ثمة بعض المنافذ والمنصات الأجنبية التي تبث أخباراً غير دقيقة أو مكتملة عن الأوضاع المصرية، بينما هناك وسائل إعلام تلتزم المهنية، ومن غير الجائز أو المقبول تعميم ذلك الاتهام». وأضاف: «ينبغي ألا يكون هناك فراغ في الإعلام، فكلما تأخر المسؤول عن إمداد وسائل الإعلام بالمعلومات الوافية عن حدث ما، أو ضمان تدفق إخباري حتى وإن لم يكن وافياً، لكنه متدفق وفق المعطيات، لجأ الصحافيون إلى وسائل أخرى، وبعض الصحافيين أكفاء يمكنهم التفرقة بين الأخبار الزائفة والحقيقية، وآخرون ذوو قدر أقل من الكفاءة والمهنية يقعون في فخ تمرير أخبار غير صحيحة، بينما صحافيون آخرون مغرضون ويستهدفون بث أخبار غير دقيقة وغير صحيحة»، مطالباً الدولة بأن تضمن وتبني جسوراً متينة بينها وبين الإعلام حتى تقطع الطريق على أي محاولة لبث أخبار غير دقيقية أو مدسوسة. وأبدى مدير مكتب «بي بي سي» في القاهرة أكرم شعبان لـ «الحياة» انطباعاته حول الجلسة، قائلاً: «جاء اللقاء جيداً للغاية، وهو مبادرة رائعة أرجو أن تستمر وتصبح دورية، ولم تفرض علينا أي محاذير في الأسئلة ولم تكن ثمة خطوط حمراء، وكان الرئيس حاضر الذهن وواسع الصدر في رده على ما طرحناه». وأشار شعبان إلى أن رئيس الوزراء البريطاني يعقد مؤتمراً صحافياً شهرياً للرد على أسئلة الصحافيين، متمنياً أن يعقد لقاء مشابه مع الرئيس المصري كل فترة، لا سيما أن اللقاء وما تطرق إليه من قضايا عدة، حققت أصداء دولية واسعة ومنها أزمة ريجيني والأوضاع بين لبنان والسعودية، وأعتقدها خطوة إيجابية وتبعث برسائل إيجابية للغاية للداخل والخارج». وثمّن شعبان تلك المبادرة: «لمست خلال عودتي مع زملائي في وسائل الإعلام الغربي ارتياحاً وتجاوباً شديداً، وأشد على أيدي رئيس هيئة الاستعلامات المصرية لتنسيقه هذا اللقاء». ولفت شعبان إلى أن الإعلام الأجنبي يتعرض للظلم من قبل البعض، قائلاً: «ثمة مشكلات تواجهنا من قبل قلة لم يسبق لهم العمل في الإعلام الدولي. هم ينظرون إلى الإعلام الأجنبي على أنه مؤامرة، بينما أراه استثماراً في مصر». وأضاف مدير «بي بي سي» في القاهرة: «جاء سؤالي للرئيس عبر تمنيات أن يكون هذا اللقاء رسالة إلى هؤلاء للتوقف عن الاتهامات المطلقة التي لا سند لها، ومن لديه دليل على كوني عميلاً أو كون العاملين في مكتب القناة عملاء فليقدم أسانيده، ونحن على استعداد للمحاكمة».
مشاركة :