صنعاء (أ ف ب) - فوق سرير صغير في مستشفى في العاصمة اليمنية صنعاء، تغلق الطفلة عينيها الدامعتين، لكن الألم الناجم عن سوء التغذية، والانبوب الخارج من أنفها، يمنعانها من ان تغفو. وفي الممر خارج غرفتها، يسير الطبيب محمد العيزري نحو غرفة اخرى لمعاينة مريض يعاني ايضا من سوء التغذية، ثم يهرول نحو غرفة ثالثة واخرى رابعة، وقد بدت عليه آثار الارهاق الشديد. ويقول الطبيب لوكالة فرانس برس "أعداد المرضى الذين يعانون من سوء التغذية ازدادت" لكن "هناك نقصا حادا في المواد الطبية والمخبرية". منذ 2014، يشهد اليمن نزاعا داميا بين الحوثيين الشيعة الذي يسيطرون على صنعاء، والقوات الحكومية. وقد سقطت العاصمة في أيدي المتمردين في أيلول/سبتمبر من العام نفسه. وشهد النزاع تصعيدا مع تدخل المملكة السعودية على رأس تحالف عسكري في آذار/مارس 2015 بعدما تمكن الحوثيون من السيطرة على مناطق واسعة في أفقر دول شبه الجزيرة العربية. وتفرض السلطات السعودية من ذلك الحين حظرا على حركة الطيران من والى مطارات المدن الخاضعة لسيطرة المتمردين، وبينها صنعاء. وتقول الامم المتحدة ان النزاع خلّف اكثر من 8650 قتيلا واكثر من 58 الف جريح، وتسبّب كذلك بأزمة انسانية حادة وكارثة غذائية، محذرة من ان سبعة ملايين من بين 27 مليون يمني يواجهون خطر المجاعة. وبعد اطلاق الحوثيين لصاروخ باليستي في الرابع من تشرين الثاني/نوفمبر تم اعتراضه فوق مطار الرياض، شدد التحالف الحصار عبر إغلاق كل المنافذ اليمنية الجوية والبحرية والبرية في كل المناطق. وتسبب هذا الاجراء في زيادة كبيرة في أسعار المواد الغذائية المتوفرة في الاسواق واسعار المحروقات، ما دفع بالامم المتحدة ومنظمات انسانية اخرى الى دق ناقوس الخطر من جديد والتحذير من عواقب وخيمة على المدنيين. في محطة للوقود والغاز في صنعاء، وقف أفراد عائلة ينتظرون ساعة بعد ساعة وصول غاز الطهي: الام مستلقية على الارض، والزوج واقف الى جانب اولادهما الثلاثة. وقال رب عائلة آخر يدعى فؤاد الحرازي لفرانس برس "ننتظر هنا منذ ما يقارب الاسبوع. كل يوم يقولون لنا ان شاحنة الوقود وصلت، لكن سرعان ما يتبين ان هذا الامر غير صحيح". - لماذا يحاصرون اليمن؟ - وبحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، ارتفعت اسعار الوقود بنحو الثلثين، واسعار مياه الشفة بنحو 133 بالمئة، وتضاعفت اسعار تذاكر النقل عبر الحافلات. ولا تزال السيارات تجوب شوارع العاصمة الخاضعة لسيطرة المتمردين، الا ان العديد من محطات الوقود اغلقت ابوابها بعد نفاذ مخزوناتها ووضعت عند مداخلها حواجز لمنع الزبائن من الدخول اليها. أمين محمد واحد من عشرات الاف المدنيين الذين تضاعفت معاناتهم مع تشديد الحصار على اليمن. ويقول لفرانس برس "نتعرض لحصار خارجي، ولحصار داخلي. ليس لدينا غاز للطهي، والناس بدأوا يموتون في منازلهم جراء هذا النقص". وسأل الشاب "لماذا يحاصرون اليمن؟ ماذا سينالون جراء ذلك". وعند زاوية الشارع ذاته، قرب مجموعة من بائعي الادوات المنزلية الرخيصة، أبدى الموظف الحكومي عامر علي الامتعاض نفسه. وقال "ترتفع اسعار الوقود والغاز، فتزداد أسعار المواد الغذائية. الناس لن يتمكنوا من مجاراة ارتفاع الاسعار، وقد يموتون جوعا". وحذر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية على حسابه في تويتر الاربعاء من ان "مخزون الإمدادات الانسانية والطبية" ينخفض "بشكل خطير في اليمن" في ظل استمرار الحصار. وتؤكد الامم المتحدة ان مخزون الأرز سينفد بعد 110 ايام، ومن المتوقع "نفاد مخزون الدقيق بعد 97 يوما"، مشيرة الى انها "لن تتمكن من إطعام 7 ملايين شخص شهريا، إذا لم يتم فتح" الموانئ. وكانت الامم المتحدة حذرت الاسبوع الماضي من أنه اذا لم يرفع التحالف الحصار فان هذا البلد سيواجه "المجاعة الاضخم" منذ عقود ما قد يؤدي لسقوط "ملايين الضحايا". وكان السفير السعودي لدى الأمم المتحدة عبد الله المعلمي قال خلال مؤتمر صحافي الإثنين بنيويورك إن كل المرافئ والمطارات سيُعاد فتحها "ما ان نصبح راضين عن تعزيز اجراءات مراقبة" الشحنات. لكن منسق العمليات الانسانية للأمم المتحدة في اليمن جيمي ماكولدريك اكد الثلاثاء ان الوضع الإنساني الداهم لا يسمح بانتظار اتخاذ ترتيبات جديدة للتثبت من الشحنات. وقال لوسائل اعلام في جنيف خلال مؤتمر صحافي عبر الهاتف "ان الوطأة الإنسانية لما يجري هنا حاليا تفوق التصور". واضاف "لا اعتقد ان المباحثات (بشأن تعزيز عمليات المراقبة) يجب ان تعرقل اعادة فتح ميناء" الحديدة الخاضع لسيطرة المتمردين، وهو المدخل الرئيسي للمساعدات الانسانية الحيوية للسكان. وشدد على ان الحصار "يعقد الوضع الكارثي اصلا". © 2017 AFP
مشاركة :