جولة ترامب الآسيوية .. الصين أولاً

  • 11/16/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

د. أحمد قنديل * قام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مؤخراً، بجولة في خمس دول آسيوية استغرقت 12 يوماً، ما جعلها أطول زيارة لرئيس أمريكي إلى القارة الآسيوية، منذ زيارة الرئيس الأسبق جورج بوش الأب لها عام 1991. وقد شملت جولة ترامب الآسيوية، وهي الأولى من نوعها منذ توليه السلطة في 20 يناير/كانون الثاني الماضي، كلاً من اليابان وكوريا الجنوبية والصين وفيتنام والفلبين، كما شارك في قمتين دوليتين مهمتين لمنتدى "أيبك"، ورابطة آسيان.أشار كثير من المراقبين إلى أن الهدف الرئيسي لترامب من وراء هذه الجولة كان توجيه رسالة واضحة لقادة الدول التي زارها، أو قابلهم خلال قمتي منتدى "أيبك" ورابطة آسيان، بأن لديه استراتيجية واضحة لتحقيق الأمن والاستقرار والرفاهية في آسيا، من خلال لعب دور فعال ونشط في مواجهة التهديدات والتحديات الأمنية والاقتصادية الراهنة والمستقبلية. إلا أن هذه الجولة انتهت، على ما يبدو، بوجود حالة كبيرة من الشكوك والهواجس بشأن إمكانية اعتماد آسيا في المستقبل على زعامة الولايات المتحدة لتحقيق أمنها واستقرارها، في ظل قيادة الرئيس ترامب، خاصة مع الرسالة الانعزالية الصريحة التي بثها ترامب خلال خطاب تنصيبه والتي أكد فيها على شعار «أمريكا أولاً»، ثم بعد ذلك ممارساته المثيرة للجدل كإعلانه الانسحاب من اتفاقية باريس لمواجهة التغير المناخي، ثم من اتفاقية الشراكة الاقتصادية عبر المحيط الهادئ، كما طالب ترامب أيضاً الدول الحليفة في شرق آسيا، خاصة اليابان وكوريا الجنوبية، بضرورة «تقاسم الأعباء» المادية والعسكرية لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة. وكل هذه الممارسات جعلت كثيراً من صانعي القرار في عواصم الدول الآسيوية المهمة، مثل بكين وطوكيو وسيئول وغيرها، يفترضون أن سياسة ترامب الخارجية سوف تقلب العديد من الافتراضات الراسخة حول الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة في آسيا رأساً على عقب، وبالتالي، التأثير بشكل جوهري في مصالحهم القومية العليا.وفي هذا السياق، يشير العديد من المراقبين إلى أن جولة ترامب الآسيوية الأخيرة كشفت أنه ليس لديه رؤية استراتيجية واضحة، ويعتمد على النهج التكتيكي لانتزاع أقصى منافع ممكنة، وليس لديه أولويات واضحة، وهي كلها أمور تربك حلفاء أمريكا وشركاءها الاستراتيجيين في آسيا. ولعل السمة الأكثر وضوحاً لسياسة ترامب الخارجية في آسيا، من وجهة كثير من المراقبين، هي سعيه لتحقيق الفائدة على المدى القصير، خاصة في العلاقات مع الصين. ففي تغريدة له مؤخراً، تساءل الرئيس ترامب: «لماذا ينبغي اتهام الصين بالتلاعب بسعر عملتها، رغم أن الصينيين يعملون مع الولايات المتحدة لكبح جماح كوريا الشمالية؟». وقبل أيام فقط، كان الرئيس ترامب وصف الصينيين بأنهم «أبطال العالم» في التلاعب بسعر العملة. من جهة أخرى، تخوف عدد من المراقبين للشأن الآسيوي من أن يقود ميل الرئيس الأمريكي للتقارب مع الصين إلى قبول إدارة ترامب بمساعي بكين للسيطرة على سبع جزر متنازع عليها في بحر الصين الجنوبي، وبالتالي تشجيع قادة بكين ليس على عسكرة هذه الجزر فقط، ما قد يمثل تهديداً لحرية الملاحة في هذا الممر الملاحي المهم مستقبلاً، وإنما أيضاً لمتابعة مساعي تغيير الأوضاع القائمة حالياً، من بحر الصين الشرقي إلى جبال الهيمالايا الغربية، وهي المساعي التي من شأنها الإضرار الجسيم بمصالح اليابان وكوريا الجنوبية والهند، وكثير من دول جنوب شرق آسيا. ومن هنا، أصبح كثير من الدول الآسيوية يتخوف من أن يقوم الرئيس ترامب باستخدام مصالحه الأساسية كأوراق للمساومة مع بكين لتعظيم المكاسب التي تحصل عليها الولايات المتحدة. وهذه المخاوف، وفقاً لبعض المراقبين، قد تدفع بعض الدول الآسيوية المهمة، مثل اليابان وكوريا الجنوبية، إلى زيادة قوة جيشها وزيادة التسلح، بما في ذلك امتلاك السلاح النووي. وهو الأمر الذي من شأنه، حال حدوثه، أن يتم تغيير المشهد الاستراتيجي لآسيا بشكل أساسي في السنوات القادمة. من ناحية أخرى، يصف كثير من الخبراء الاستراتيجية الحالية لإدارة ترامب - والتي تعتمد على الصين لكبح جماح كوريا الشمالية في قيامها بتطوير برامجها النووية والصاروخية - بالفشل، خاصة أن العلاقات بين بيونج يانج وبكين، لا تبدو قوية، كما كانت عليه في الماضي، في ضوء عدة مؤشرات مهمة، لعل في مقدمتها: عدم عقد أية قمة صينية كورية شمالية خلال السنوات الست الأخيرة، وموافقة بكين مؤخراً على فرض عقوبات صارمة من جانب مجلس الأمن على كوريا الشمالية. ويضيف هؤلاء بالقول إن اعتماد ترامب على الصين لاحتواء كوريا الشمالية لن يكون فقط غير فعال؛ بل يمكن أيضاً أن يسبب زعزعة أكثر للاستقرار في آسيا، خاصة مع توجه ترامب إلى «غض النظر» عن مساعي الصين تجاه تغيير الوضع القائم في بحر الصين الجنوبي، وقمعها المتزايد للمعارضين السياسيين والأقليات العرقية.على أية حال، يمكن القول إن جولة ترامب الآسيوية مؤخراً، كشفت عن غياب أية نظرة ثاقبة من جانب الرئيس الأمريكي عن كيفية التصدي الفعلي للتحديات والتهديدات الأمنية المهمة في القارة، التي من أبرزها البرامج الصاروخية والنووية لكوريا الشمالية، ومحاولات الصين تغيير الوضع القائم في بحر الصين الجنوبي، وهي القضايا التي تتسبب بتوتر العلاقات بين بكين وبين عدد من حلفاء وأصدقاء واشنطن في المنطقة، وفي مقدمتهم اليابان وكوريا الجنوبية وفيتنام والفلبين. فباستثناء تشديد الرئيس الأمريكي على موافقته على زيادة القدرات العسكرية لليابان وكوريا الجنوبية، كماً ونوعاً، لتحقيق الردع في مواجهة بيونج يانج، أدت هذه الجولة، على الأرجح، إلى زيادة مخاوف وهواجس حلفاء واشنطن الآسيويين في ضوء زيادة إمكانية التقارب بين واشنطن وبكين، في ظل زعامة ترامب، خاصة بعد أن أعلنت الولايات المتحدة والصين عن توصلهما إلى صفقات تجارية بقيمة 250 مليار دولار. فالتقارب الصيني الأمريكي، إن استمر في الفترة القادمة، سوف يعني إنشاء «مجموعة الاثنين» التي تضم القوتين الأكبر في العالم حالياً. وسوف يكون ذلك أمراً مزعجاً للغاية، من وجهة نظر الدول الآسيوية التي تعتمد على الضمانات الأمنية الأمريكية في الدفاع عن نفسها،مثل اليابان، وكوريا الجنوبية، وأستراليا. * خبير الشؤون الآسيوية والعلاقات الدولية - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية (القاهرة)

مشاركة :