أثبت عبد الله المعيوف، حارس المنتخب السعودي الأول ونادي الهلال، أن الإبداع يولد من رحم المعاناة، فرغم كل الظروف التي اعترضت مسيرته الرياضية فإنه تجاوزها وتخطى كل الحدود التي كادت تنهي مسيرته الكروية، متحديا الزمان والمكان، معيدا اكتشاف موهبته من جديد، حتى بات على مقربة من إضافة إنجاز جديد يضاف إلى سجله الذهبي، والمتمثل في خوضه مونديال المنتخبات والأندية في موسم واحد الذي يفصله عن الأخير خطوة واحدة، ليحقق الإنجاز الذي لم يسبقه إليه حارس سعودي من قبله.عبد الله المعيوف أيقن أن نافذة الأقدار ستُفتح له يوما من الأيام، ولم يتلفت إلى الوراء بفضل عزيمته وإصراره على بلوغ الأهداف التي رسمها لنفسه، حتى بات رجل الخشبات الثلاث في الكرة السعودية، واقترب من تحقيق حلمه باللعب في مونديال روسيا 2018 بعدما قاد منتخب بلاده بكل بسالة في التصفيات المؤهلة لكأس العالم.بينما لم يتوقف طموح المعيوف الذي كان على موعد مع صناعة تاريخ جديد، وبلغ مع فريقه الهلال نهائي القارة الصفراء، ولا يفصل بينه وبين مونديال الأندية سوى خطوة واحدة، ومتى ما تحقق للهلال بلوغ التظاهرة العالمية للأندية سيكتب المعيوف اسمه كأول حارس سعودي يخوض مونديال المنتخبات والأندية في موسم واحد.ابن الثلاثين عاما لم تكن بدايته في الهلال مبشرة في مولد حارس فذ، في الوقت الذي كان الهلال يمتلك فيه أفضل الحراس في الدوري السعودي بوجود محمد الدعيع وحسن العتيبي وفهد الشمري، حتى وجد نفسه خارج أسوار النادي العاصمي ومعه ورقة التنسيق من كشوفات الفريق، هذه الورقة التي تسلمها ومعها حقوقه المالية، كادت تنهي مسيرته الكروية، ولأن هذه اللحظة من أصعب اللحظات، تردد المعيوف في اتخاذ قرار مواصلة الركض في الملاعب أو الاتجاه للتجارة والاهتمام بحياته الخاصة، لكن شيئا في داخله أراد الاستمرار، وتحدي الظروف الصعبة لصناعة نجم جديد في سماء الكرة السعودية.ومن العاصمة، اتجه الحارس إلى عروس البحر الأحمر، رغم تواضع العرض الأهلاوي، إلا أنه قبل به، كونه العرض الأفضل من بين عدد من العروض التي وصلته من أندية الوسط والمؤخرة في الدوري المحلي، ولم تكن بدايته مع الأهلي في موسم 2007 وفق طموحاته ولا مخططاته التي رسمها لنفسه، بيد أن عزيمته وإصراره على تجاوز كل المصاعب التي واجهها والمنافسة الشرسة على المركز الأساسي لم تقف عائقا أمامه في تطوير مهاراته والعمل الجاد على إبراز قدراته، ولفت تميزه في التدريبات نظر المدرب السويسري غروس الذي قرر الاعتماد عليه في الموسم 2015 بعد خمسة مواسم قضاها بين دكة البدلاء والفريق الرديف.وكان المعيوف عند ثقة مدربه السويسري، وقاد الأهلي للمنافسة بقوة على لقب الدوري السعودي للمحترفين، غير أن الأمتار الأخيرة من السابق نحو البطولة خذلت الأهلاويين وجاءوا خلف النصر في المركز الثاني، وواصل المعيوف تمسكه بالخانة الأساسية، وزاد إصراره بتحقيق إنجازه الأول على مستوى الدوري السعودي للمحترفين، وكان له ما أراد بعدما كان من أهم الأسباب التي قادت الأهلي للفوز ببطولة الدوري بعد غياب دام أكثر من عقدين من الزمن عن هذا اللقب، كما حقق أفضل حارس في الدوري السعودي، وتحققت أمنيته في الذود عن شباك المنتخب السعودي، بعدما استدعي لتمثيل الأخضر.غير أن علاقته بالأهلي لم تكن في أفضل حالاتها على الرغم من تحقيق بطولة الدوري وكأس الملك، وأعلن من غير سابق إنذار قرار اعتزاله كرة القدم بخطاب قدمه إلى إدارة النادي الأهلي، معللا ذلك لظروفه الأسرية التي أجبرته على البقاء في العاصمة الرياض، ولم تفلح معه كل المحاولات في ثنيه عن قراره، إذ خير إدارة الأهلي بين خيارين أحلاهما مر، إما منحه الموافقة على الانتقال وإما اعتزال كرة القدم، وكان الخيار الأول الحل بالنسبة للأهلاويين، مفضلين الاستفادة من العائد المادي الكبير لانتقاله إلى أحد أندية العاصمة، ومقدرين السنوات التسع التي قضاها في خدمة الفريق.واختار الحارس ناديه السابق الذي خرج منه دون أن يعلم بخروجه أحد، وعاد وكل الأضواء مسلطة عليه، والجماهير الغفيرة في استقبال نجمها الجديد، الذي غلبه الحنين للبيت الذي ترعرع على أرضه وبين أسواره، مستلهما أبيات شعر أبو تمام حينما قال: «نقل فؤادك حيث شئت من الهوى... ما الحب إلى للحبيب الأول، كم من منزلٍ في الأرض يألفه الفتى... وحنينه أبدا لأولِ منزلِ»، وهذا ما انطبق تماما على رغبة المعيوف الجامحة في العودة إلى صوف فريقه السابق.وجاءت عودة الحارس المتألق للهلال وهو في قمة توهجه ونضوجه الكروي والخبرة العريضة التي اكتسبها من خلال مشاركته مع الأهلي والمنتخب السعودي، وواصل تألقه مع الهلال وسجل إنجازا لم يسبقه غيره من الحراس السعوديين، كأول حارس سعودي يحقق بطولة الدوري في موسمين على التوالي مع ناديين مختلفين، وعطفا على هذا العطاء أصبح الحارس الأول في المنتخب السعودي، وحقق معه التأهل لكأس العالم، وكان هذا طموحه عندما انتقل للنادي الأهلي قبل تسعة مواسم، وهو ما تحقق له بعد رحلة طويلة من الصبر والكفاح لإثبات الوجود.كما أن وصول الهلال للمباراة النهائية في دوري أبطال آسيا لم يتحقق لولا تألق حارسه اللافت، الذي مُنح رجل المباراة بجدارة في أكثر من جولة في دوري المجموعات والأدوار الأخيرة، كان آخرها أمام العين الإماراتي، في مواجهة ربع نهائي القارة، وتؤكد ثقة المدربين الذين مروا على المنتخب السعودي أو في ناديه أنه بات الرقم الأول في الحراسة السعودية، حتى إنه ضمن المركز الأساسي رغم تعاقد ناديه مع الحارس العماني الشهير علي الحبسي، إذ لم تشفع للأخير خبرته في الدوري الإنجليزي في زحزحة نجم الحراسة السعودية من مركزه الأساسي.نجومية المعيوف في المواسم الثلاثة الأخيرة قادته للفوز بأفضل حارس في الدوري السعودي في عدد من جولات الموسم الماضي وهذا الموسم، كما فاز في الاستفتاء العريض لموقع «CNN» متقدما على الحارس العماني علي الحبسي والمصري عصام الحضري بفارق كبير من الأصوات الذي تجاوز 100 ألف صوت، ذهب منها أكثر من النصف للمعيوف، كأفضل حارس عربي في موسم 2017... هذه الاختيارات لا شك أنها ستدفع الحارس لتقديم الأفضل، سواء مع ناديه الهلال على المستوى المحلي بالحفاظ على لقب دوري المحترفين، والاختبار الحقيقي أمام أوراوا الياباني في نهائي القارة، أو في المشاركة المنتظرة للمنتخب السعودي في نهائيات كأس العالم 2018 في روسيا.
مشاركة :