الشاعر والناقد المصري شعبان يوسف، الذي كرس نتاجه الشعري إعلاء لصوت الحداثة، كما لم يقف دوره في نصه الشعري بل خلق منصة أدبية هامة في مصر هي ورشة الزيتون الأدبية، كما ساهم من خلال مؤلفاته النقدية في إبراز القضايا المهمشة، انتصارا للحقائق التي خبأها الزيف. هنا حوار مع الشاعر حول مسيرته ورؤيته للأدب وواقعه بين الأمس واليوم. العرب أحمد رجب شلتوت [نُشر في 2017/11/16، العدد: 10814، ص(15)]هناك كاتبات انتحرن بسبب التجاهل والاستبعاد كأننا نكأنا جرحا غائرا حينما سألنا الشاعر والناقد شعبان يوسف عن سبب تأخر ديوانه الأول في الصدور لخمسة عشر عاما، شرد قليلا ثم تدفقت الذكريات، ليقول “منذ أن بدأت الكتابة الشعرية خصوصا والأدبية عموما، كنت مشغولا إلى درجة كبيرة بالعمل العام، والسياسي منه بشكل خاص، حيث أنني كنت منخرطا في العمل الجماهيري منذ عام 1973، أي بعد حرب أكتوبر مباشرة، لذلك كانت الحالة السياسية العامة تعكس نفسها على حركتي بشكل شخصي، وفي نهاية السبعينات وبداية الثمانينات، لاحظت أن انحرافا ما حدث في مسيرة الشعر والشعراء، وكنت مشاركا للشاعرين رفعت سلام ومحمود نسيم في تأسيس مجلة ‘كتابات‘، والتي انفصلت عنها بعد العدد الثالث”. الأول والسابع يضيف شعبان يوسف “وجدت نفسي في ورشة الزيتون التي شرعت في تأسيسها عام 1979، ومازالت تعمل حتى الآن، ووجدتني لا أفهم ماذا يقول الشعراء أقراني وأبناء جيلي، رغم أنني كنت أنشر في جريدة المساء ومجلة البيان الكويتية ومجلة الطليعة الأدبية العراقية، ومنذ نهايات عام 1982 وبدايات عام 1983 شرعت أنسحب رويدا رويدا من العمل العام”. إن كان انسحابه من العمل العام نتيجة لشعوره بالغبن أو الإحباط، يجيب ضيفنا “ليس إحباطا بالمعنى المألوف، ولكن كان الانسحاب محاولة للتريث لفهم ما يحدث، وظللت لا أشارك في العمل العام إلا قليلا، وذلك عبر ورشة الزيتون فقط، لم أغادرها إلا نادرا، وبقيت على هذا الوضع حتى قررت الدخول إلى المعترك مرة أخرى، ولم يكن ذلك القرار إلا تلبية لجموح داخلي لم أستطع مقاومته، وبالفعل أعدت هيكلة الورشة مرة أخرى، وكنت عازفا عن نشر ديواني الأول، لولا أن الصديق فتحى امبابى أخذ قصائدي وكتبها على الكمبيوتر بنفسه، وقد كانت كتابة الكمبيوتر مازالت جديدة علينا، وأعد ما يشبه الديوان وجعل عنوانه من إحدى قصائدي ‘مقعد ثابت في الريح’، وأخذت الديوان الصديقة الروائية سلوى بكر للاطلاع عليه، وفوجئت بعد أسبوعين تقول لي إن الديوان طبع وينتظر إشارة الموافقة مني، كانت مفاجأة كاملة لدرجة الإرباك، وبالفعل راجعت الديوان الذي صدر عن دار سينا في يناير 1993 بغلاف من الفنان منير الشعراني، والذي كان يرسم الأغلفة تحت اسم عماد حليم”.على المستوى العربي المشهد الروائي بالفعل يتقدم، وربما يكون أربك الشعراء ذلك التقدم، وذهب شعراء كثيرون إلى الرواية وعن ديوانه السابع والذي صدر مؤخرا “أحلام شيكسبيرية” وتجربته المختلفة حيث الحضور الكثيف للمرأة ولأوفيليا، التي ترثي ذاتها كثيرا في قصائد الديوان، يقول الشاعر شعبان يوسف “في ‘أحلام شيكسبيرية‘ وهو آخر كتبي الشعرية المنشورة، كنت أمر بتجربة وجدانية خاصة جدا، وبشكل عام فالمرأة تحيط حياتي كلها، ولا أستطيع أن أحيا دون لمسة حنان المرأة ورقتها وعطائها الإنساني المفرط، ولذلك انشغلت بالكتابة الشعرية في المرأة وعنها ولها وبها في عدة دواوين منشورة وغير منشورة، ولأن بطلة ديوان ‘أحلام شيكسبيرية‘ لم تكن مقيمة في القاهرة، وكانت بعيدة تماما جغرافيا، لذلك كانت كالأحلام، وكنت غارقا في قراءة شكسبير، ولا توجد علاقة مباشرة بين بطلة الديوان وأوفيليا، ولكنها علاقة متخيلة، وربما كان البعد وعدم الحصول على ذلك الدفء المرجو، رثاء الذات المهدورة في تفاصيل كثيرة في الحياة”. قضايا مهمشة عن أثر مواقع التواصل الاجتماعى وبلاغتها الجديدة المعتمدة على النصوص القصيرة، يوضح يوسف “انضممت إلى الفيسبوك عام 2012، وبالفعل وجدت فيه مساحة عبقرية للتعبير عن النفس، إنه منصة دائمة لإلقاء الشعر، وكتابة كل ما يطرأ على الروح، ولو جمعت كل ما كتبته على صفحتي، سأجد أكثر من ثلاثة أو أربعة دواوين بعد الاختصار والتنقيح والاختيار، ولكنني لم أفعل ذلك حتى الآن، إلا أنني أحتفظ بأكثر من مخطوطة ديوان قبل انضمامي لهذه المواقع، أتمنى تمكني من نشرها لاحقا، رغم أن ذلك ليس صعبا، لكني لست شجاعا بما يكفي لنشر ما في حوزتي من شعر”. كذلك يقر شعبان يوسف بأن المشهد الروائي بالفعل يتقدم، وربما يكون أربك الشعراء ذلك التقدم، وذهب شعراء كثيرون إلى الرواية، وذلك على المستوى العربي، فسعدي يوسف كتب روايته “مثلث الدائرة” في منتصف التسعينات، رغم أن الرواية لم تكن فرضت حضورها، وهناك أسباب أخرى غير الفن أثّرت على تراجع المشهد الشعري، مثل المسابقات المكثفة التي تأسست للرواية دون الشعر، وفي المقابل مازالت هناك مؤسسات إعلامية وثقافية تكرّس للشعر الرجعي المرتبط بأغراض سياسية وأخلاقية، وهذا يجعل الشعر الحقيقي يتوارى عن المشهد ويصاب بالتكلس.هناك قوة جبارة لآلة السياسة في طحن الكثير من الكتاب أما عن إقدامه هو نفسه على هذه المغامرة فيسرّنا أنه لم يتخذ قرارا حتى الآن بكتابة رواية، ويعتقد أن انشغاله بكتابة التاريخ الثقافي يستهلك طاقته في السرد. وعن انشغاله بالهامش في كتابيه ”المنسيون ينهضون” ثم “لماذا تموت الكاتبات كمدا” يؤكد يوسف أن هناك تهميشا لكتاب كثيرين على المستوى التاريخي والمعاصر، وقد جاء بفعل فاعل في بعض الأحيان، وفي أحيان أخرى بشكل غير مقصود، وهناك كتاب كثيرون دهستهم عجلات البطش والتهميش والنسيان، مثل بدر نشأت وعبدالله الطوخي ومحمود البدوي وغيرهم، ويعتقد أن تاريخنا الثقافي مازال مزورا ومازال يختفي في بطون السنوات الماضية، مشيرا إلى أن محاولاته في البحث والتنقيب أثبتت بالفعل القوة الجبارة لآلة السياسة في طحن الكثير من الكتاب، أما قضية الكاتبات فهذه مأساة حقيقية، كما يرى الشاعر، إذ يشدد أنه لا توجد كاتبة لم يصبها سهم التهميش والتسخيف، بداية من مي زيادة ومرورا بكوكبة من الكاتبات مثل صوفي عبدالله ونعمات البحيري التي لم تجمع أعمالها الكاملة حتى الآن رغم أهميتها، نهاية بالكاتبات اللاتي انتحرن بسبب التجاهل والاستبعاد السلطوي الذكوري. نواجه يوسف بما قاله البعض عن كتابه ”ضحايا يوسف إدريس” وكيف أن إدريس نفسه كان ضحية لشعبان يوسف في هذا الكتاب، ليرد متعجبا “أنا لم أظلم يوسف إدريس، وفي كتابي ذكرت أكثر من مرة وأكدت على موهبته العظيمة، مع احترامي للنقاد الذين كتبوا أو قالوا ذلك، قضيتي في كتابي ‘ضحايا يوسف إدريس وعصره‘، هي البحث عن المفقودين من كتاب القصة في ظل وجود كاتب كبير وموهوب واستثنائي هو إدريس، لذلك هو كتاب لإنصاف من أسميتهم بالضحايا، وليس عن يوسف إدريس فقط”. وعن اتهامه بالتناقض حينما وصف الشاعر صلاح عبدالصبور بأنه أب عظيم، لكنه عرض به في كتابه عن علاقة المثقف بالسلطة، ينكر يوسف قائلا “لا أرى في ذلك أي تناقض، فالتناقض تنطوي عليه حياة الكاتب ومواقفه، عبدالصبور كنا نذهب إليه ونحن دون العشرين، وكان يستقبلنا في مكتبه، ويناقشنا، ويقرأ لنا، ويضع ملاحظاته المهمة، وينشر قصائدنا في مجلة الكاتب، فكان بمثابة الأب فعلا، ولكن المواقف السياسية التي أجبر عليها أو التي حدثت في عهده، كشفت جانبا ضعيفا عنده، وهو ليس فردا فريدا في ذلك، ولكن هناك كتاب وأدباء شاركوه في ذلك، ورغم كل هذا سيظل عظيما شعريا وثقافيا وأدبيا”.
مشاركة :