في البدء لا بد لنا أن نُعَرّف مفهوم المدرسة السلوكية، ليتبين لنا وجه الحاجة لها في هذا المقال، فنقول: المدرسة السلوكية هي المدرسة التي تؤمن بإمكانية قياس السلوك الإنساني ومعرفته وتشخيصه، وإمكانية ضبطه أو تغييره أو التحكم به والتنبؤ بحصوله، من خلال معرفة ما يَرِد على الإنسان من مؤثرات خارجية مرتبطة بظروف ومعطيات اجتماعية واقتصادية وسياسية واقعية معاشة، تكون كمدخلات لجهازه العقلي التحليلي، تقوده إلى التعاطي مع هذه المدخلات كمؤثرات تحفيزية تقوده لسلوك معين يتلاءم مع هذه المدخلات، يكون هذا السلوك كمخرجات تفاعلية تتلاءم مع نمط المدخلات التي تعرض لها. ما تريد أن تقوله هذه المدرسة هو أن سلوك الإنسان الصادر يتعلق بمنظومة معقدة ومتشابكة من المؤثرات التربوية والقانونية والمجتمعية والدينية والأخلاقية، تجعل مخرجات سلوكه منضبطة بحسب هذه المنظومات المتعددة. فإذا أردنا أن نضبط مثلا تربية مجموعة من الأطفال، ما علينا إلا أن نضبط ما يتم تغذيتهم به من مصادر ومعلومات ومناهج ومؤثرات تربوية وأخلاقية، لكي نتمكن من التنبؤ بنمط أخلاقيات وسلوكيات تلك الفئة من الأطفال بعد فترة معينة. نمط ومنهج التربية الأخلاقية والمجتمعية والدينية للمرأة في المجتمع العراقي، يتميز بامتلاكه للكثير من الضوابط والمحددات والموانع والكوابح الأخلاقية والنفسية والمجتمعية، والتي تحيط المرأة بهالة كبيرة من القدسية التي تفوق حتى قدسية الدين، ألا وهي قدسية الشرف؛ ومفهوم الشرف بحد ذاته (وبالأخص ما يتعلق منه بالجانب الأخلاقي والجنسي تحديدا)، من المفترض أن يكون مفهوما يُفرض في أجندات بلدنا الأخلاقية والتربوية على الرجل والمرأة بشكل متساوٍ! وهنا بيت القصيد. فالحاصل هو أن مدخلات التربية الاجتماعية والأخلاقية، تُصَدّر مدخلات تربوية وموانع أخلاقية شديدة على المرأة في هذا المجال، وإذا أردنا أن نطبق المنهج العلمي للمدرسة السلوكية في هذا المورد، فسينتج لنا بعد تقييم المدخلات التربوية والأخلاقية والاجتماعية الإنضباطية التي يتغذى عليها الرجل مقارنة بالتي تتغذى بها المرأة، سنجد أن المرأة تتربى على مدخلات تربوية وأخلاقية مجتمعية ودينية تكون أشد انضباطا، وأكثر متابعة، وأهم مجتمعيا وأسريّاً؛ فمن حق الرجل في مجتمعنا أن ينظر لأي إمرأة بأي نوع من أنواع النظرات التي يريدها، بينما نجد أن ذلك غير وارد لدى المرأة العراقية، لأنها تم تغذية سلوكها الأخلاقي بمدخلات انضباطية أشد دقة وأخلاقا من الرجل. من حق الرجل في مجتمعنا أن يقيم أو يحاول أن يقيم علاقات مشروعة أو غير مشروعة مع أي إمرأة بائعة هوى، قد ينقده المجتمع، ولا يتقبل فعله، ولكن هذا الأمر إذا حصل مع المرأة، فإن ذلك قد يعني نهاية حياتها! نتيجة المنهج السلوكي في تقييم هذه الحالة، توصلنا لنتيجة مفادها بأن المرأة العراقية، هي أكثر شرفا بكثير من الرجل العراقي (وذلك بحسب كم المدخلات التربوية والاجتماعية والانضباطية الكثيرة التي ترد لحياة المرأة العراقية، والتي تصدر عنها بالنتيجة مخرجات سلوكية، أكثر انضباطا وأخلاقا وتدينا من الرجل في السلوك). النتيجة: المرأة العراقية أشرف بكثير من الرجل العراقي، وأكثر شرفا بكثير من كل نساء العالم. المرأة العراقية في نظري لا يجب مدحها فقط، بل يجب تقديسها لأنها ومن رحم المعاناة، كانت تمثل أنموذجا واضحا لمفاهيم الشرف والعفة التي تفوقت فيها حتى على قرينها الرجل. السلام عليكِ أيتها المقدسة، السلام عليكِ أيتها العظيمة. ملاحظة: مقاييس العفة والشرف لا أقصد منها تعلقها بأمور الحجاب فقط، فحتى المرأة العراقية السافرة تتميز بشرف رفيع لا تجده في بقية المجتمعات. ملاحظة: كلامي لا أقصد به العموم المطلق، بل أقصد به نمط اجتماعي أخلاقي تربوي، تميزت به عملية التنشئة الإجتماعية للمرأة العراقية، من وجهة نظر المدرسة السلوكية العلمية، ولا أقصد به أيضا بعض الأعراف الإجتماعية العشائرية البعيدة عن الإنسانية والدين، بل اقصد نمط الشرف والأخلاق المتعارف عليها بالفطرة الإنسانية. د. محمد أبو النواعير دكتوراه في النظرية السياسية - المدرسة السلوكية الأميركية في السياسة
مشاركة :