مؤسسة راند الأميركية، إحدى المؤسسات التي تصنع القرار الأميركي الخاص بالشرق الأوسط والعالم الإسلامي بشكل عام؛ أصدرت تقريراً عام 2007 بعنوان (بناء شبكات مسلمة معتدلة)، عُقد في الفصل الثالث منه مقارنة حول أوجه الشبه بين الحرب الباردة قديماً، والتي كانت بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي (1945 - 1992م)، وتحديات المجتمع المسلم في الوقت الحالي، هذه الحرب التي قام التقرير على أهميتها اليوم وضرورة تنفيذها لأجل الهيمنة الثقافية على المناطق الإسلامية، ويمكن تفصيل ذلك في نقطتين: النقطة الأولى: أوجه الشبه بين الحرب الباردة ومواجهة العالم الإسلامي يقول التقرير: (هناك ثلاث أوجه كبيرة بين بيئة الحرب الباردة والتحديات التي تواجهها الولايات المتحدة والغرب في العالم الإسلامي هذه الأيام: أولاً: حدوث أزمة جيوبوليتيكية (جغرافية سياسية) حيث تواجه الولايات المتحدة الآن بيئة جغرافية سياسية مربكة مصحوبة بتهديدات أمنية جديدة، وفي أربعينات القرن الماضي كان التهديد يأتي من الاتحاد السوفييتي أيضاً مصحوباً باحتمالات هجوم مدمر بالأسلحة النووية). الشبه الثاني: إنشاء إدارات ومؤسسات حكومية ضخمة لمحاربة التهديدات، فقديماً: - أُسس مجلس الأمن عام 1947م حين كانت الولايات المتحدة تستعد لدورها الجديد كقائدة للمعسكر الغربي. وأما حديثاً فقد: * أنشئت وزارة الأمن القومي عام 2002 م. * أطلقت مبادرة الشراكة الأميركية مع الشرق الأوسط. * مؤسسة الشرق أوسط الكبير من أجل المستقبل. ولم تكتفِ الولايات المتحدة بهذه المؤسسات وحدها، بل عملت على خلق تحالف يجمع عدداً كبيراً من الدول من أجل الوقوف أمام التيارات الدينية المسلحة التي تهدد المصالح الأميركية، تحت شعار محاربة الإرهاب، وقد عُقدت مؤتمراتٌ في أماكن مختلفة من العالم لدراسة هذه القضية (مكافحة الإرهاب). وفي كلمته للشعب الأميركي أكد الرئيس الأميركي أوباما أن أميركا تسعى لعمل تحالف دولي لمحاربة تنظيم داعش، الذي سمى نفسه "تنظيم الدولة الإسلامية في الشام والعراق"، مشيراً في خطابه إلى تحرك وزير الخارجية "كيري" إلى عدد من دول الشرق الأوسط من أجل تنسيق وإتمام التحالف. وأما مبادرة الشراكة الأميركية الشرق أوسطية فإنها تقوم على تقديم الدعم لجماعات المجتمع المدني ورواد الأعمال، في جهودهم الرامية إلى الإصلاحات السياسية والاقتصادية، وقد قدمت المبادرة أكثر من 600 مليون دولار لمشاريع في 17 دولة بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا منذ إنشائها في 2002م، ويقع مكتبها الرئيسي في واشنطن. ولها مكتبان إقليميان في تونس وأبوظبي، غطى مكتب تونس المغرب العربي ومصر ولبنان وفلسطين المحتلة، أما مكتب أبوظبي فيغطي الخليج وبقية بلدان المشرق، وميزانية كل منهما حوالي 2 مليون دولار سنوياً، وتوضح وثائق المبادرة أن (مكتب مبادرة الشراكة الأميركية الشرق أوسطية يعمل في دائرة شؤون الشرق الأدنى التابعة لوزارة الخارجية على دعم الجهود المبذولة في زيادة المشاركة السياسية، وتعزيز دور المجتمع المدني، وتمكين المرأة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث يعمل مكتب المبادرة على التعاون مع المنظمات غير الحكومية والقطاع الخاص والمؤسسات التعليمية والحكومات لتحقيق هذه الأهداف). وقد أشار التقرير إلى المحاور التي أُنشئت من خلالها المبادرة ومراكزها، وهي: الإصلاح السياسي، والإصلاح الاقتصادي والتعليم وتمكين المرأة. وبمتابعة أنشطة المبادرة يتبين لنا ما يلي: أولاً: أنها من أخطر المشاريع على الشرق الأوسط، وهي متشعبة تعمل في البحرين ولبنان وعمان والجزائر وإسرائيل والمملكة العربية السعودية والكويت ومصر والجزائر. ثانياً: من أهداف نشاطات المبادرة دعم بناة الديمقراطية، إلهام الجيل القادم من القادة وتنمية الفرص الاقتصادية، وتقوية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، والتسويق، والتعريف بمبادئ منظمة التجارة العالمية. ثالثاً: استغلت الولايات المتحدة الأميركية المبادرة، واستطاعت من خلالها الوصول إلى كثير من المراكز الفكرية والمؤسسات المدنية، كما وصلت إلى شرائح واسعة من الشباب العربي بما توفره المبادرة من فرص التدريب والتعليم والتوظيف، وهذه الأمور كافية لاستقطاب الكثيرين من الشباب وتهيئة أفكارهم حسب ما ترتضيه الثقافة الغربية. رابعاً: توجد مجموعة من المنح التي تقدمها المبادرة للشباب المجتهد غير الميسورين لإكمال الدراسة بعد مرحلة الثانوية بأحد الفروع المعتمدة مثل الجامعة الأميركية بالقاهرة. وأما مؤسسة الشرق الأوسط الكبير من أجل المستقبل: فقد كان الاجتماع الأول لها في يوليو/تموز 2006م وفيه تم وضع التصور المبدئي للمؤسسة، وهي عبارة عن استنساخ لنموذج مؤسسة آسيا مع تعديله ليلائم منطقة الشرق الأوسط، ومهمتها: (دعم منظمات المجتمع المدني في جهودها من أجل إرساء الديمقراطية والحرية في منطقة الشرق الأوسط الكبير بالمساعدات المالية والسياسية من الولايات المتحدة وحكومات أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا الشمالية والاتحاد الأوروبي). وأهدافها: 1- التوصل إلى وسائل محلية لتحقيق الالتزام المنصوص عليه في كثير من البيانات الأخيرة بشأن الإصلاح والديمقراطية. 2- جمع الأموال من داخل المنطقة وخارجها لمساعدة المبادرات المحلية الخاصة بالإصلاح والديمقراطية، مع الاستعانة بالدعم الدولي. 3- تجميع المبادرات الموجودة الداعية للديمقراطية في عملية تربط الحركات الوطنية والإقليمية والدولية معاً لنشر الديمقراطية. الشبه الثالث: أن طبيعة الصراع فكرية سواء قديماً مع الاتحاد السوفييتي أم حديثاً مع العالم الإسلامي يقول التقرير: (كان هناك في سنوات الحرب الباردة الأولى اعتراف بأن الولايات المتحدة وحلفاءها مشغولون في صراع أيديولوجي بين الديمقراطية الليبرالية والشيوعية). وهذا الصراع الفكري والذي يطلق عليه أيضاً (الغزو الفكري)، كما يقول تقرير الإسلام المدني الديمقراطي ترجع نشأته إلى عقود (لكن صار المجتمع الدولي في أمَس الحاجة إليه مؤخراً بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 م، وتم اتفاق واسع على هذا التوجه، فالإسلام دين مهم بما له من نفوذ سياسي واجتماعي ضخم، وهو يلهم أتباعه - حسب التقرير - مجموعة من الأيديولوجيات والأنشطة السياسية التي تهدد الاستقرار العالمي؛ لذا يبدو من الحكمة دعم الاتجاهات الإسلامية الداعية إلى نظام اجتماعي أكثر سلمية وديمقراطية وحداثة). ويقول التقرير: (واليوم تواجه الولايات المتحدة وحلفاؤها تهديدَ حركة جهادية عالمية موجهة أيديولوجياً، وتعتمد في هجومها أعمالاً إرهابية تسقط الضحايا بالجملة، وتسعى لقلب النظام العالمي). وهذا يتضح من خلال المبادرات والمشاريع التي تقدمها الولايات المتحدة فيما يسمى بعملية مواجهة الإرهاب، فالقضايا التي تسعى لنشرها وترويجها قضايا فكرية، مثل الديمقراطية والعلمانية والحداثة وغيرها، فبعد (أن كان الغزو الفكري يحاول تقريب اتجاهات الفكر الغربي إلى عقول العامة عن طريق نخبة يربيهم على أرضه، أخذ الغرب مسلك محاربة الأفكار من خلال تغيير الإسلام نفسه كوسيلة لنشر ما يسمى بالإسلام الجديد). أوجه الاختلاف بين الحرب الباردة وتحديات العالم الإسلامي: بينما يحدد تقرير راند هذه الأوجه التي يختلف فيها الحربان ويمكن تلخيصها - حسب التقرير- فيما يلى : 1- عدم مركزية الصراع في العالم الإسلامي. 2- عدم إمكانية التفاوض. 3- عدم إمكانية معرفة أهداف الخصم وأطماع الطرف المنافس. 4- الأيديولوجية دينية بخلاف علمانية الاتحاد السوفييتي. 5- تحديات السياسة أكثر تعقيداً في العالم الإسلامي. فبينما كان الاتحاد السوفييتي طرفاً معلوماً ذا دولة لها حدودها الجغرافية، وتظهر أهدافها بشكل واضح للولايات المتحدة، ويمكن السيطرة عليها، فإن الخصم اليوم لا يمثل دولة معينة وإنما هو مجموعة من التيارات المسلحة التي لا تخضع لقوانين الدول فهم على حد تعبير التقرير - مبهمون، وإن كان بعضهم قد اتخذ لنفسه ملاجئ لا تخضع لسيطرة الدولة. وجه المقارنة الحرب الباردة الشرق الأوسط (اليوم) دور المجتمع المدني قويّ تاريخياً تاريخياً ليس قوياً لكنه أخذ في التطور العداوة بين الولايات المتحدة والحكومة المستهدفة - عداوة معلنة بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة. - المجتمعات الغربية مفضلة - الولايات المتحدة منظوراً إليها على أنها قوة تحرير - ينظر إلى ترويج الولايات المتحدة للديمقراطية وبناء شبكات الاعتدال من جانب شركائها في أمور الأمن أصحاب السلطة بمنطقة الشرق الأوسط باعتبارها مهددة للاستقرار - لا ينظر للولايات المتحدة على أنها قوة تحرير الروابط الفكرية والتاريخية قوية ضعيفة أيديولوجية الخصم علمانية ذات أساس ديني طبيعة الشبكات المعروضة محكومة مركزياً مفككة أو غير خاضعة لسلطة مركزية تحديات السياسة أقل تعقيداً أكثر تعقيداً الجدول السابق يوضح أوجه الاختلاف حسبما يراه التقرير، ويتضح من خلاله أنه يعتبر الحرب الباردة مع العالم الإسلامي اليوم أكثر صعوبة من الحرب الباردة قديماً، وأبرز أوجه الاختلاف وأهمها من وجهة نظر الباحث أن الأيديولوجية التي تحكم الشرق الأوسط (الذي يعتبره التقرير خصماً) أيديولوجية ذات أساس ديني، وذلك مما يصعب تغييره. وفي النهاية أشير إلى أن التقرير المشار إليه في هذه التدوينة، صدر عام 2007 م ومنشور على الموقع الرسمي لمؤسسة راند، وله ترجمات عربية. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :