الهيئة بين مؤيديها والمعارضين

  • 9/14/2014
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

يستشهد النحاة في باب المنصوبات بقول أنس بن مدرك الخثعمي: إني وقتلي سُليكا ثم أعقلَه كالثور يُضرب لما عافت البقرُ ولا بأس أن أذكر هذا البيت في افتتاحية مقالي هذا، فالشاعر ضمّن بيته عجزاً هو مثل، يقال عند عقوبة الإنسان بجريرة غيره. وكانت العرب إذا أوردوا البقر فلم تشرب لكدر الماء، أو لقلة العطش، ضربوا الثور ليقتحم الماء، فتتبعه البقر!. ولا يخفى على القارئ ما انشغلت به الناس في الأيام الماضية كما هي العادة في أي موضوع تكون هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر طرفاً فيه، حيث يأخذ الحدث حيزاً كبيراً من المقالات، والتغريدات، والهاشتاقات، مؤيدة ومدافعة، أو متهمة وناقدة. والملاحظ أن كلاً من طرفي الخصومة يكيل الاتهامات كيلاً للفريق الآخر، حتى بدا واضحاً لكل ذي عينين أن المؤيد ينظر بعين الرضا، والمعارض ينظر بعين السخط، فلا هذا يستطيع رؤية الخطأ، ولا مناقشته، ولا ذاك قادر على أن ينصف ويقف عند التهمة، أو الخطأ، فيعمد في مواجهته للدفاع المستميت إلى تضخيم الحدث، وجعله مصيبة عظمى، وفضيحة مدوية! ولسان الحال يقول: دافعت عن نفسك أم لم تدافع، فغايتنا أن ننتصر لأنفسنا على كل حال. وحينئذ يصدق على الواقعة قول القائل: وكنت كذئب السوء إذ قال مرة لبَهم رعت والذئب غرثان مُرمِل ألستِ التي من غير شيء شتمتني فقالت: متى ذا؟ قال: ذا عام أول فقالت: وُلدتُ العام، بل رمت كذبة فهاك فكُلني لا يُهنيك مأكل والشاعر هنا يصور بهيمة أدركت مغزى خصمها، وأيقنت أنه لا ينجيها منه صدق كلمة، ولا تكذيب تهمة. والحق الذي ينبغي ألا نتجاوزه في نقاشنا عن الهيئة، أن ننظر إليها بعين منصفة، لا تغض الطرف عن الخطأ الذي لا يمكن نفيه، ولا ستره، ولا التخفيف من وطأته، وأيضا لا نكيل بميزان مطفف يزن سيئاتها ويطرح حسناتها بعيدا، لدرجة تحميل الجهاز برمته آثار خطأ واحد أو مجموعة منه. وفي بعض الأحداث يستطيع المنصف أن يقول: إن الناس، تكلموا بألسنتهم، وأصدروا حكمهم، وخاصة إذا لم يعترف أحد بخطأ. وربما كان الكلام والنقد لا يجدي - أحياناً - لفوات الوقائع، وقطع الحكم فيها، ولكن يمكن تدارك أي أمر من الأمور بالرجوع عن الخطأ، والرجوع عن الخطأ فضيلة، فقد قال عمر رضي الله عنه لأبي موسى رضي الله عنه: لا يمنعنك قضاء قضيته بالأمس راجعت فيه نفسك وهديت فيه لرشدك، فإن مراجعة الحق خير من التمادي في الباطل. فالوقائع تتكرر والحوادث تتشابه، فلعلنا نضع ولو شطر كلمة في نصرة حق، أوإماتة باطل. فما أحوجنا للكلمة العادلة في مكانها وزمانها، فكم من مظلوم لا يستطيع أن يدافع عن نفسه لهول ما ألم به، ورهبة ما أحاط به فيحرم الضعيف المستضعف أن يئن، أو يشتكي! وأي امرئ يدلي بعذر وحجة وسيف المنايا بين عينيه مصلتُ نقلا عن الرياض

مشاركة :