يا ناس.. يا عالم

  • 11/16/2017
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

رأسهُ الصّغير أكبر من حجم صالة المطار. يسحب الحقيبة لتسحبها أمهُ بدورها من يده، لمَ لا يطيع ويصمت كطفل عاديّ؟ ستنتف رأسها شعرة بعد شعرة حرقة. تذكرُ أنها كانت ولا تزال فتاة شديدة الخجل، كثيرةَ الارتباك، كذلكَ زوجها حتى اللحظة يتلوّنُ وجهه حياءً. من يشبه ابنُها هذا؟ «بنيّ دعها أرجوك واحمل غيرها»؛ تقول تكرّر ولا مجيب. لا يتأثر بوعيد ولا تهديد، لا يجذبه إغراءٌ ولا مكافأة. ما من أحدٍ سيوقّع شهادة فشلها الذريع في التربية إلا سلوكُه الموجع. تتعرّق رقبتها بغزارة في برد يناير، لا شيء إلا ثوب حملٍ وشالٌ خفيفٌ على كتفيها، لكنها تتنفسُ بصعوبة بالغةٍ، هي التي واجهت مقاومة المسؤولين في المطار لصعودها الطائرة، أشعلت حرباً حتى دخلت قاعة «الترانزيت» بورقةٍ غير حقيقية، تثبت أنها ليست في شهرها الأخير من الحمل، بطنُها كان كبيراً جدّاً. أفزعهم. أقنعتْهم أن توأمين يسكنان أحشاءها، وهذا ما في الأمر. حاولوا التواصل مع طبيبتها ما وفقوا. بعد جدالٍ طويلٍ تقبلوا الأمر. ساعدها الجميع بوسائل شتّى حتى وصلت إلى صالة الانتظار. لم يصمتْ، لم يُرحها أزيزُ ابنها الملحاح دقيقةً واحدة، بكاءٌ مستمرّ يبدو متقطعاً بعض الوقت، لكنه على وتيرة واحدة من موسيقى رتيبة مزعجة. ألقت رأسَها على حافة المقعد تروم التقاط أنفاسها، ريثما تدخل النفقَ الموصل إلى مقعدها في الطّائرة، يبدو الأمر أشبه بحلم إذا ما قيس بالإرهاق المسيطر عليها. النومُ يأكل جفنيها مع ورم يهاجم ساقيها إلى كاحليها، يغدو المنظر مثيراً للشفقة. أخرجها من إغفاءتها جذبٌ شديد لحزام الحقيبة الصّغيرة، كانت يدا ابنها الشقيّ، لم ينس زجرَها له وعاد يقوّضُ سكينتها من جديد. لم يطل الأمر حتى سمع النداء للتوجّه نحو الطائرة فراح صغيرُها بأعلى صوته يصرخ محاولاً انتزاع الحقيبة من يدها، حاولت إهماله والمضي في النفق، خفتَ صوتُه في مسامعها فالتفتت لتبصر جماعة من رجال الأمن يحيطون بها عقب صراخٍ دوّى في المكان: أمي تتاجر بالذهب. يا ناس يا عالم، يا شرطي! لم تحسب الوقت الذي مرّ ولا تبعات المأزق الذي رُميت فيه ذلك اليوم. ليس ذا أهمية وقد مرّ أربعون يوماً على ولادة ابنتها الرابعة التي كانت سببَ أزمة الصّبيّ، كان مستعدّاً أن يعاقب الجميع، أن يبقر بطن أمهِ فور أن سمع أن الجنين أنثى، أن ثمةَ أختاً جديدة قادمة في الطريقِ إليهم، لكنه يريد أخاً. أمهُ التي لا تعرفُ مذاق النّوم اللّذيذ فقدت معظم آلام الذاكرة، تلاشى كلّ شيء إلا دعواتها له بالهداية، ولهذا العالم المأفون بدعوى سلطة الذكورة، بالشفاء العاجل. خولة سامي سليقة

مشاركة :