من قبعة زاهي حواس إلى سيارته

  • 11/17/2017
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

أيهما سبق الآخر، الكتابة المسمارية في بلاد ما بين النهرين أو الكتابة الهيروغليفية في بلاد النيل؟ سؤال يسأله باحثون آثاريون مصريون وغربيون كان آخرهم الباحث العاشق لآثار مصر الدكتور زاهي حواس الذي صرخ مؤخراً في صحيفة عربية واسعة الانتشار على طريقة أرخميدس: وجدتها! أبدأ أولاً بما قاله عالم الآثار والحضارات البريطاني مايكل روف في كتابه «الأطلس الثقافي للعراق»: «إن الحضارة السومرية لم تكن أول حضارة بشرية فقط، بل كانت معجزة في تاريخ الإنسان؛ فالفرق الذي أحدثته هذه الحضارة كان هائلاً وتأثيرها على الحضارات التالية كان كبيراً». ويؤكد عالم الحضارات البريطاني والتر إيمري في كتابه «مصر القديمة»: «إن سمات الحضارة السومرية واضحة الخلفية أما الحضارة الفرعونية فتفتقر لهذا، أي أنها مجهولة التاريخ من حيث مراحل الظهور والتطور ما يعطي الانطباع بأن الفراعنة مدينون حضارياً لسومر». أكثر من ذلك فان الكاتب البريطاني (وأنا أستشهد بالبريطانيين لأنهم أكثر من اهتم بالتاريخ العراقي والمصري القديم) يعتقد في كتابه «الحضارة المصرية»: «أن السلالة المصرية الأولى كانت من السومريين الذين أتوا من بلاد ما بين النهرين حاملين معهم حضارتهم وكتاباتهم». بل يضيف العالم نفسه: «إن منطقة «سقارة» التاريخية اسمها منقول من «زقورة» السومرية، وإن الهرم الأول بُني خلال الفترة من 2630 إلى 2611 قبل الميلاد أي بعد عدة قرون من بداية بناء الزقورات السومرية». لكن الزقورة لم تكن قبراً للملك بعكس الأهرامات، فضلاً عن أن القبور المصرية الأولى تكاد تكون نسخة طبق الأصل من قبور سومرية أقدم منها، وكانت قبور السلالات المصرية الأولى وحتى الثالثة ذات طابع سومري معماري واضح كما يؤكد الباحث البريطاني أيضاً ليونارد كونرل في كتابه «البحث عن سومر». أما الكتابات السومرية والهيروغليفية، وهما أصل هذا المقال، فإن التأثير السومري، طبقاً لهؤلاء الباحثين، وأحسب أن الدكتور زاهي حواس يعرفهم جيداً وقرأ كتبهم، واضح في الكتابة الهيروغليفية لتشابه الكثير من الكلمات من حيث الرموز والمعاني واللفظ، مع العلم أن الهيروغليفية المعقدة أقل تطوراً من الكتابة المسمارية التي تطورت بسرعة وأصبحت كتابتها سهلة بينما ظلت الهيروغليفية تعتمد على الرسوم التي لا يجيدها إلا فنان متمرس. كما أن الأختام الإسطوانية ابتدعها السومريون قبل الفراعنة بفترة طويلة، واستخدم المصريون القدماء أختاماً سومرية، وصنعوا أختاماً خاصة بهم متأثرة بالسومرية. لكن الحضارة السومرية الكبيرة انهارت وظهرت الحضارتان البابلية والآشورية المنبثقة عنها، وأصبحت اللغة الأكدية لغة عالمية، مثل اللغة الإنجليزية في زماننا هذا، فقامت مصر القديمة بتأسيس مدرسة لتعليم اللغة الأكدية. وأنا مدين بهذه المعلومات للباحث العراقي زيد خلدون جميل، ولا أقصد بها إعادة «اكتشاف» حرب داحس والغبراء، فالخَلَف الصالح في مصر والعراق عرب أقحاح وما يُسعد المصريين يُسعد العراقيين حتماً والعكس صحيح كما أظن، وإن كان البلدان حريصين على تمجيد تاريخهما المجيد الذي شوهته أفلام هوليوود الأمريكية بحكايات «الانتقام» بين كليوباترا الفرعونية وأنطونيو الروماني، و«الغرام» بين نبوخذ نصر البابلي وسمير آميس الآشورية التي يعني اسمها: الحمامة! وترجع أولى الكتابات المسمارية إلى سنة 3000 ق.م وظلت سائدة حتى القرن الأول الميلادي، وأول ما ظهرت في جنوبي وادي الرافدين في العراق لدى السومريين للتعبير عن لغتهم التي تحدث بها أيضاً البابليون والآشوريون. إلا أن الكتابة التصويرية ظهرت في العراق قبل عام 3000 ق.م. حيث كانت تدون بالنقوش على ألواح الطين التي تعلمنا من أستاذ التاريخ العراقي والمصري القديم الدكتور الراحل محمود الأمين أن نطلق عليها كلمة «الرُقُم» بضم الراء والقاف، وله كتاب يحمل اسم «الرُقُم الطينية» لم أكن أطيق مضمونه في دراستي في قسم الصحافة بكلية آداب جامعة بغداد في الستينيات من القرن الماضي ما دعا الدكتور إلى إعطائي أدنى درجة في المادة. ولسوء حظي (وأعرف أن هذا خارج الموضوع) أن الدكتور بعد أن أنهى محاضرته وذهب إلى سيارته عند باب الكلية اكتشف تحطم زجاجتها الأمامية، وهداه «تنقيبه الآثاري» إلى أن من قام بتحطيم الزجاجة هو كاتب هذا المقال، رغم أنه كان موجوداً في الوقت نفسه يستمع إلى محاضرته الثقيلة عن توت عنخ آمون وأخته وخالته. وتوفي العالم الأثري د. محمود الأمين بعد سنوات وفي نفسه غصة من أن داود الفرحان قبل أن يتفرغ لنقد المسؤولين الكبار كان يحطم زجاج شبابيك السيارات في شوارع بغداد! سامحه الله وغفر له وأدخله فسيح جناته. نعود إلى شيخ الآثاريين الدكتور زاهي حواس الذي تفاخر مؤخراً بأن قبعته المشابهة لقبعة النجم هاريسون فورد في سلسلة أفلام هوليوود «إنديانا جونز» صارت ماركة مسجلة باسم حواس نفسه. وقد نشر مقالاً في 26 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي قال فيه: «إن اللغة المصرية القديمة تعد أول لغة مكتوبة ومعروفة في العالم بعد أن كان الجميع يعتقدون أن اللغة السومرية هي أقدم من اللغة المصرية القديمة». واستند حواس في هذا الاستنتاج إلى أن عالم الآثار الألماني غونتن دراير من خلال حفرياته في محافظة سوهاج جنوبي مصر قال: «إن المصريين القدماء عرفوا الكتابة قبل قرنين من معرفة السومريين لها»! إذن علينا أن نرمي في سلة المهملات كل أبحاث وكتابات واستنتاجات واكتشافات العلماء السابقين الذين اتفقوا على أن اللغة والكتابة السومرية هما أصل اللغات والكتابات في الشرق الأدنى القديم أي بلاد الرافدين وبلاد النيل. وأن الألماني غونتن دراير هو «اللي جاب الديب من ديلو»! رحم الله الدكتور محمود الأمين فقد أجهدني خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة في البحث عن سيارة زاهي حواس!

مشاركة :