بتول الفكيكي تطارد الذات العراقية الجريحة بثلاثين لوحة بقلم: علي لفته سعيد

  • 11/17/2017
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

بتول الفكيكي تطارد الذات العراقية الجريحة بثلاثين لوحةفي معرضها التاسع الذي أقامته الفنانة العراقية المغتربة بلندن بتول الفكيكي على قاعة “الأورفلي” بالعاصمة الأردنية عمّان، وضعت عنوانا قد يحمل معه صرخة من نوع خاص.. صرخة ليست ضد ما هو كائن من العذابات الإنسانية التي قد تكون الغربة قد فعلت مفعولها فيها، بقدر ما هي صرخة عراقية نبتت في الخارج مستلهمة معاناة العراقيين في الداخل لكي تكون بديلا عن متاهات عديدة، تلك التي تواجهها الأجساد العراقية التي تعد مستلبة الإرادة، كما تريد الفكيكي أن تعطي مدلولها في اللوحات الثلاثين التي ضمها المعرض المعنون بـ”الرسم بالكلام المباح”.العرب علي لفته سعيد [نُشر في 2017/11/17، العدد: 10815، ص(17)]فانتازيا الواقع المرير عمّان – قدمت التشكيلية العراقية بتول الفكيكي في معرضها الأخير الذي أقيم على قاعة “الأورفلي” بالعاصمة الأردنية عمّان، والمعنون بـ”الرسم بالكلام المباح” لوحات تمزج الألوان بطريقة من يبحث عن ذاته، ليس فقط في روحية الألوان، بل بحركة الفرشاة التي تعطي للأجساد العراقية معاني كثيرة تطبع عليها الألوان. ألوان متخاصمة مع بعضها، ولكنها متصالحة مع الفكرة، معاندة مع المخيّلة، لكنها متساهلة مع الذات، كاشفة عن أجساد تقاوم أحيانا ما يعترض الجمال الإنساني، أو هي تريد أن تحلّق بهذا الخوف ليعطي دلالات تلك الفجيعة الإنسانية التي تمر على العراقيين. وتقول الفكيكي عن معرضها “إنه صرخة إثبات الوجود أمام لحظة يراد لها أن تكون عدما، إنه نزف مقابل نزف العراقيين لهمومهم وحلمهم بعالم أكثر أمانا ونظافة وإشراقا، بل أكثر شرفا”. والفكيكي التي هاجرت من العراق منذ عام 1994 لتستقر في لندن، جعلت في معرضها الأخير الموسوم كما ذكرنا آنفا بـ”الرسم بالكلام المباح”، مدلولات إضافية لما هو سائر في ذاتها، وهو ما عُرف عن لوحاتها وطريقتها في التعامل معها، وهي واحدة من أنضج الفنانين والفنانات العراقيات والعربيات حيث تتقن اللغة التعبيرية في إيصال ماهية اللوحة، ولهذا كانت هناك ثلاثة ألوان مهمة طغت على اللوحات، وهي الأحمر والأسود والأصفر. وتقول الفنانة العراقية عن هذه الألوان “إنها ألوان الطين والدم والموت، وأنا أتبع حدسي، ومدرستي هو العمل الفني الحرّ، لإبراز معاناة الجسد الإنساني الموشوم بالجراح والمآسي”.بتول الفكيكي: المعرض صرخة إثبات الوجود أمام لحظة يراد لها أن تكون عدما وتأتي لوحات بتول وكأنها تراقب الجسد كيف ينزف وتتابع حركات الألم من خلال ضربات الفرشاة وترسم صرخة الاحتجاج من خلال المفكرة اليومية للهموم العراقية، ولذا كانت لوحاتها، كما تقول “استخدمت فيها الألوان الزيتية والأكريليك والأحبار”، وتؤكد أنها لا تعتمد مدرسة معينة بعد أن تداخلت الأجناس، وتضيف “لا أتبع مدرسة معينة، بل أتبع مدرسة البحث عن الذات أو رمزية الذات”، ولهذا فإن هذه الحصيلة في لوحاتها ينبثق منها الضوء لما هو حالم ومتأمل لتكون لوحات تجريدية تبحث عن الضوء والذات، أي بمعنى كما تؤكد ذلك بنفسها “أبحث عمّا أريد وما أشعر به لا ما يراد أن يكون.. فأترك للوحاتي الحرية بعيدا عن التشكيل الحديث”، تتركها وكأنها تريد أن تسرد حكايتها مع العالم وعذابات الواقع المؤلم. لم يخل المعرض من الانحياز إلى المرأة، ربما لأنها أكثر مظلوميّة من الرجل في ما يعانيه الإنسان العراقي في ظل الظروف التي تحيطه سواء في زمن سابق أو زمن لاحق لماهية الحرية، فيتحول البحث البصري عن الفكرة إلى الاندماج مع الفكرة ذاتها، لكي تكون المرأة صارخة باحثة عن حرية حتى في لحظة العري عن الواقع، وهي تلمّ شتات نفسها في تعريق الألم. ولأجل ذلك ربما قيل عن الفكيكي أنها “شهرزاد عراقية تقص حكاياتها باللون لتأسر القلوب والأرواح”. رسمت وشكّلت الواقع الاجتماعي من الحياة اليومية، وأثرّت فيها الطبيعة وانعكاساتها على الروح والجسد، فكوّنتها بحس يملؤه الصدق ويتحكّم به اللون والمساحة التي تتفاعل بهما، أما بناء الشكل عندها فيميل إلى العفوية، وهو مخزون في ذاكرتها كأنها تصنع لها فردوسا خاصا بها، ولكن المشاهد المتذوّق والمستمتع يجد نفسه أمام لوحة مليئة باللون العذب والصمت الذي يأخذك داخل هاجس اللوحة المجبولة بعواطف اللون ودقة التفاصيل. والجسد علامة فارقة في لوحات الفكيكي، وهي تقول عنه “إنه مركز التكوين ومركز التفكير مثلما هو مركز الاحتجاج”، لذا فإنها كلما كانت الألوان ملائمة للحظة العري والحكي والألم، فإن ملاءمة التأمّل والانفراج باستخدام اللون الأزرق، هي ما يعني بالنسبة للمعنى دليل الانعتاق، لأن الصراخ والبوح بالكلام هما المحصلة النهائية لما يمكن أن تفعله اللوحة في التعبير عن الألم من جهة، ومحاولة مجاراة الألم بالجمال وتلوينه بالتأمل من جهة أخرى. ولهذا فإن كلّ لوحة في المعنى العام كانت تحمل الصراخ من جهة والكلام المباح عن الصراخ ذاته، على أساس أن الاحتجاج هو أحد أوجه الانعتاق من الصمت، فالضوء يكاد يكون هو المأمول وهو المرئي بالنسبة لمتفرج اللوحات، لوحات عن ألم المرأة ومعاناتها في ظلّ التضييق والحرية والكبت والمجتمع الذكوري، وهي أيضا محكومة بآلام الرجل والذكورية المستلبة من الحرب والطغاة والإرهاب.. إنها بشكل عام تطارد الألم والهروب من المأساة وحرية المرأة، باللون والكلام المباح الذي تحوّل إلى لوحات حملت معها فانتازيا الواقع من جهة، ولحظة التأمّل الشخصية لأفكارها من جهة أخرى.

مشاركة :