الارتباك الملحوظ في موقف إيران تجاه تطورات الوضع في لبنان إلى أنها تدرك أن هذه الأزمة يمكن أن تفرض تداعيات سلبية على مصالحها وحساباتها. إذ أنها بداية تلقي الضوء على الأسباب الحقيقية للأزمة، والتي تتمثل في سعي حزب الله إلى مصادرة القرار السياسي اللبناني لصالح إيران. وكان لافتا أن الحريري ركز في حواره التلفزيوني الأخير على التداعيات السلبية التي يتعرض لها لبنان بسبب السياسة التي يتبناها حزب الله، سواء على صعيد توتر علاقاته مع الكثير من الدول العربية التي تتعرض لتهديدات مباشرة منه، أو على مستوى فرض عقوبات أميركية جديدة على الحزب ربما تؤثر بشكل عام على الاقتصاد اللبناني الذي ما زال يعاني من تراكمات الأزمة السياسية السابقة لتشكيل الحكومة المستقيلة في ديسمبر 2016.المواقف الهادئة التي تبناها المسؤولون اللبنانيون والقوى السياسية المختلفة إزاء قرار الاستقالة ألقت في النهاية بالكرة في ملعب الحريري نفسه فضلا عن ذلك، فإن اندلاع الأزمة في هذا التوقيت تحديدا يربك حسابات إيران في سوريا، خاصة في ظل تخوفها من أن تساهم هذه الأزمة في تعزيز موقع واشنطن في تفاهماتها الأمنية مع موسكو حول سوريا، لا سيما فيما يتعلق بتقليص الوجود الإيراني القريب من الحدود مع إسرائيل. هذا إلى جانب أن هذه الأزمة سوف تساهم في إعادة تفعيل موقف عربي مناهض لسياسات إيران وتدخلاتها في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، خاصة مع انعقاد مؤتمر وزراء الخارجية العربي في 19 نوفمبر الحالي، بناء على دعوة وجهتها السعودية لبحث سبل التصدي للتدخلات الإيرانية ومواجهة تهديداتها للأمن والسلم العربيين. اتجاه مضاد لكن البعض يحذر من هذه الأزمة باعتبار أنها يمكن أن تفرض تأثيرات عكسية قد تؤثر على تيار المستقبل وليس على حزب الله، خاصة أنها قطعت الطريق أمام مواصلة تعويل الحريري وتياره على التفاهمات السياسية التي توصل إليها مع الرئيس ميشال عون والتيار الوطني الحر، والتي بدأت مع انتهاء أزمة الفراغ الرئاسي في أكتوبر 2016 ثم تشكيل الحكومة في ديسمبر من العام نفسه. ووفقا لذلك، فإن هذه التفاهمات كان من الممكن أن تساهم تدريجيا في توسيع نطاق التباين في موقف التيار مع قوى 8 آذار، بشكل كان سيؤثر على الموقع السياسي للأخيرة، وتحديدا حزب الله، وبالتالي على مشاركته في الصراع السوري. كما أن احتمال عدم تحقيق تلك الخطوة لنتائج سياسية على الأرض يمكن أن يؤثر على حظوظ تيار المستقبل في الانتخابات النيابية القادمة التي سوف تجرى في مايو 2018. هذا فضلا عن أن المواقف الهادئة التي تبناها المسؤولون اللبنانيون والقوى السياسية المختلفة إزاء قرار الاستقالة ألقت في النهاية بالكرة في ملعب الحريري نفسه، خاصة مع إصرار عون على عدم قبول الاستقالة قبل عودته إلى لبنان، وأكد الحريري على إمكانية حدوث ذلك في الأيام القادمة وألمح إلى احتمال تراجعه عن الاستقالة بشروط، وهو ما يعيد المشكلة إلى مربعها الأول دون أن تترتب أية استحقاقات سلبية على تلك القوى.
مشاركة :