جدة: معتصم الفلو قد تكون أو تكونين من أولئك الذين لا يطيقون فكرة السفر والترحال دون رفيق أو رفيقة، وهذا أمر ليس بإمكان أحد في هذا العالم أن يتدخل فيه، فهو خيار شخصي بامتياز. لكن العالم حافل بالخيارات والفرص المتنوعة، التي تثري تجربة السفر وتكشف لك جوانب أخرى من شخصيتك، وضمن ذلك هناك خيار السفر بمفردك. قامت «المجلة» على مدار عامين بالحديث إلى سياح من مختلف قارات العالم، بل وحتى التجوال في العديد من الدول شرقاً وغرباً، ورصدت ازدياد ظاهرة المسافرين لوحدهم، أي المسافر المنفرد؛ دون وجود رفاق. هكذا بكل بساطة، أشخاص من مختلف الطبقات الاجتماعية والمستويات التعليمية، تتفاوت مداخيلهم وما يبحثون عنه في تجوالهم، يسافرون لوحدهم ويتنقلون بين المدن ويغيرون الفنادق كل يومين أو ثلاثة ويرتادون أكبر عدد ممكن من المعارض والمتاحف، إلى جانب أماكن اللهو والترفيه والسهر، ومغامرات الجو والبر والبحر. لكن ما الذي يدفع بعدد متزايد من السياح إلى اختيار تجربة السفر المنفرد إلى درجة أن عدداً أكبر من الفنادق صار يقدم خيار الإشغال الفردي للغرفة المزدوجة (برسوم أقل)، فيما تدرج مواقع السفر وتطبيقات حجز الفنادق تعليقات «المسافرين المنفردين» (Solo Travelers) أكثر وأكثر؟ هناك 7 أمور قد تجعلك تعيد النظر وتفكر جدياً بالسفر لوحدك، نظير الفوائد التي ستجنيهاأولاً: الحرية الكاملة في فعل ما تشتهي لن تكون مجبراً على الخضوع لمواعيد الاستيقاظ والنوم لشريك السفر، ولن يخضع هو للأمر ذاته. الميدان مفتوح أمامك لتكون على طبيعتك في اختيارك المغامرة التي تحبها، وليس عليك أن تراعي شعور أحد أو ذوقه أو تفضيلاته فيما يحب ويكره. ستختار أوقات وجباتك بحسب توقيت ساعة معدتك، ولن تخرج في اليوم الذي تشعر بأنك مرهق. قد تكون من عشاق الحيوانات وتريد الذهاب إلى رحلة سفاري أو زيارة حديقة الحيوانات أو المشي في الغابات، لكن رفيق السفر ليس لديه الاهتمام ذاته. وفي هذه الحالة أمامك خياران: إما الخضوع لرغبة الرفيق وبالتالي تفويت متعة تعشقها وتلبي رغبة داخلية وإما الذهاب منفرداً والشعور بغصة ترك الرفيق وحيداً! لذا، فإن السفر منفرداً سيتيح لك كامل الحرية وكامل الوقت في كل ما تفعله؛ دون حساب لمشاعر رفيق السفر.ثانياً: حفظ الأسرار يقول المثل إن السر إذا تجاوز الاثنين شاع، لكن الحقيقة أنه يشيع إذا تجاوز شخصاً واحداً! عالم الأسفار والسياحة يبدو براقاً وحافلاً بالإثارة والمتعة والاستكشاف، لكن قد تحصل حوادث أو تجارب لا تريد مشاركتها مع أي أحد آخر. يقول سائح عربي في جورجيا إنه يحب زيارة الكنائس والمعابد، لكن أسرته مغرقة في التشدد وتعتبر ذلك أمراً محرماً ولا يمكن التسامح فيه أبداً. ولذا، ولّد لديه تشدد عائلته فضولاً معاكساً قوياً بشأن زيارة الأماكن المقدسة لدى الآخرين. وبالفعل، استغل الفرصة وتدبر أمر المجيء لوحده؛ ليزور ويتحدث إلى الرهبان وينفتح على عوالم الأديان الأخرى. ثالثاً: الالتزام بمصاريف الرحلة قد يجاري بعض السياح شركاءهم في مستوى الإنفاق، قل أم كثر، حتى لا يظهروا بمستوى أعلى أو أقل من شركائهم. وجراء ذلك، فإنهم يضطرون إلى إنفاق مزيد من المال على الإقامة في فندق يتجاوز ميزانيتهم، فقط لمواكبة الشريك الذي لا يرتضي الإقامة إلا في فندق من فئة 5 نجوم. وربما يحصل العكس، ويجبر المسافر على الإقامة في نزل منخفض التكلفة، لا يناسب مستوى الخدمة الذي يرغب بتوفره! إذا سافرت لوحدك، لن تضطر إلى مجاراة أحد، إذ إنك ستختار نوع الإقامة التي تريدها وبالميزانية التي تلائمك، كما أنك ستختار وسيلة النقل الأنسب، عامة أو خاصة، دون ضغوط. ليس هذا فحسب، ستختار باقات الجولات السياحية والترفيهية كما خططت لها مالياً. يقول سائح أميركي يدعى زاك، التقته «المجلة» في يانغون بميانمار إنه ذهب مع صديق له في جولة جنوب غربي آسيا، لكنه اضطر إلى تركه يكمل رحلته لوحده. زاك يعمل سائق سيارة أجرة في شيكاغو، بينما صديقه من أيام الدراسة رائد أعمال شاب. لم يتمكن زاك من مجاراة السلوك الإنفاقي لصديقه، فهو يفضل الانتقال بالقطار بين المدن لأن التذكرة لا تكلف سوى بضعة دولارات، أما صديقه فلم يطق تجربة يستقل فيها القطار لنصف يوم أو أكثر (رغم توافقهما على ذلك وقت كانا في الولايات المتحدة) في ظل إمكانية الانتقال إلى الوجهة ذاتها بالطائرة في رحلة تستغرق أقل من ساعة واحدة بتكلفة تبلغ 60 أو 70 دولاراً. نصيحة زاك التي يقول إنها ذهبية: سافر وحيداً ولا تغير حساباتك المالية لأجل أحد.رابعاً: اكتشاف الذات يعتقد الكثيرون أنهم يعرفون أنفسهم جيداً، لكن الابتعاد عن «منطقة الراحة» (Comfort Zone) المعتادة للشخص في الأماكن التي يعرفها جيداً والأشخاص الذين يعرف كيفية التعامل معهم، هو ما يجعلنا نعرف الذات بشكل أكبر. السفر مع شريك يجعلك ضمن حيز منطقة الراحة، فأنتما تتسليان وتقضيان الوقت سوياً وتشعران أنكما تحتميان ببعضيكمها! السفر لوحدك سيكشف لك كيف ستتصرف عند وصولك إلى مكان غريب، لا تعرفه ولا تتحدث لغته؟ هل ستحسن التعامل مع الغرباء؟ كيف ستقيم تجربة لقاء أشخاص من خلفيات دينية وعرقية ومناطقية متنوعة؟ هل تكتشف شيئاً جديداً يجلب لك الفرح أو المتعة؟ هل أنت ممن يلتزمون ذاتياً بالوقت والمال المخصص للرحلة؟ إن إحدى أفضل طرق اكتشاف الذات هو تعريضها لمواقف جديدة ومغامرات غير مسبوقة في بيئة جديدة. ردود أفعالك ومخاوفك وثقتك بنفسك، كلها تساعدك لتسبر أغوارك. ليس المقصود هنا أن تجري تحليلاً نفسياً، بل المقصود هنا هو أسلوب التكيف الخاص بك وتطور مهاراتك الاجتماعية وقدراتك على التفاعل مع الناس. تعرف على الجانب أو الجوانب المجهولة عن ذاتك في رحلتك المقبلة إذا كنت لوحدك؟خامساً: الاستقلالية هل ستتمكن من تدبر أمر الطعام والشراب والإقامة وسيارات الأجرة والجولات السياحية؟ هل ستفاوض للحصول على سعر منافس عند شراء الهدايا؟ هل سترسل شكوى إذا كانت غرفة الفندق لا تعجبك أم أنك ستفضل السكوت؟ كل التحضيرات التي تجريها بنفسك، ابتداءً بالحصول على التأشيرات وتقدير مصروف الرحلة وحزم الحقائب وما تحتاج إليه من مستلزمات، وصولا إلى تسيير أمورك اليومية ساعة بساعة، تمثل خبرات ومهارات تكرس استقلالية الفرد، وقدرته على أخذ زمام المبادرة. ومن أجل تعزيز الاستقلالية لدى الأبناء، بدأت فكرة إرسالهم في رحلات سياحية في سن مبكرة أكثر رواجاً. يقول روبيرتو ماركايدا، وهو فلبيني مقيم بالسعودية، إنه بدأ بتشجيع ابنته حديثة التخرج من الجامعة على الذهاب لوحدها، بل إنه أهداها رحلة إلى سنغافورا وتايلاند. ويضيف: «أريد لها أن تعتاد على الاستقلالية وتقوية شخصيتها وتدبير أمورها بسهولة».سادساً: سهولة التفاعل مع الآخرين السفر مع شريك يجعلك مرتبطاً به في أغلب الأوقات، والسفر لوحدك يعفيك من هذا الارتباط. لن تكون في حاجة إلى الشعور بالحرج أو الاعتذار في حال رغبت في إطالة الحديث مع أحد ما. قد تتطور العلاقات بسرعة وتنشأ مشاريع لمغامرات جديدة في أماكن جديدة أو التنقل بين المدن مع شركاء مؤقتين، لا تعرفهم جيداً أو أن يقتصر الأمر على تبادل أطراف الحديث مع أهل البلاد، من الباعة وعمال الفندق والمرشدين السياحيين، لتعرف أحوال المجتمع والسياسة والاقتصاد والأعمال وأساليب المعيشة. الفرصة تكون سانحة أكثر لصنع المزيد من الصداقات مع أشخاص آخرين عندما تكون لوحدك. كما أن صناعة أصدقاء من أهل البلاد يمنحك معرفة أكبر بأفضل الأماكن السياحية والأسواق الشعبية والمطاعم، إلى جانب تنمية الجانب الإنساني عبر التفاعل البشري الإيجابي مع الآخر. لا تنس أنك لن تكون الوحيد الذي يسافر بمفرده، فهناك الملايين الذين يجوبون قارات العالم؛ دون شركاء، وهم جاهزون دائماً للالتقاء بآخرين وتبادل الخبرات والتجارب الإنسانية معهم. مدرسة اللغة الإنجليزية مارينا المقيمة في مدينة جدة السعودية تقول إنها تعرفت على زوجها الأميركي في إحدى رحلاتها منفردة إلى تايلاند، حيث التقته للمرة الأولى في رحلة سياحية، وتطورت العلاقة بينهما إلى حد الزواج! ليس المطلوب الالتقاء بشريك العمر أثناء الترحال وحيداً، بل المقصود أن المساحة المتاحة لاكتساب الأصدقاء أوسع بكثير منها وقت السفر مع شريك.سابعاً: الابتعاد عن إطلاق الأحكام لن يكون من الضروري أن تطلق أحكاماًعلى شريك السفر وليس هناك من تقيم تصرفاته إذا سافرت بمفردك. تتحرر شخصية الفرد وقت السفر، ويصبح أكثر وضوحاً في تصرفاته ورغباته. ولذا تقول العرب إنه ليس بإمكانك القول إنك تعرف شخصاً إلا إذا سافرت معه. ستكون متفرغاً لذاتك، بعيداً عن ملاحظة رفيقك لك أو ملاحظتك له، فأنت محور اهتمام نفسك. وبالتأكيد، فإن الابتعاد عن إطلاق الأحكام، سيجعل منك شخصاً أفضل في الحقيقة وفي نظر نفسك. وسواء كنت تفضل السفر وحيداً أو تفكر بعمل ذلك في المستقبل، القريب أو البعيد، فإن التجربة تستحق خوضها. وإذا لم تعجبك، فلست مجبراً أبداً على إعادتها. ولكن حاول أن تفعلها ولو لمرة واحدة في حياتك.
مشاركة :