كتالونيا أو (قاطلونيا) تلك البقعة الساحرة التي تقع في شمال شرقي إسبانيا، عاصمتها هي مدينة برشلونة، تحدها من الشمال فرنسا وإمارة أندورا، ومن الجنوب منطقة بلنسية، ومن الشرق البحر الأبيض المتوسط، ومن الغرب منطقة أراغون. وتبلغ مساحتها 32.106 كم² (سادس أكبر منطقة من حيث المساحة في إسبانيا)، ظلت تقف على برميل بارود طوال السنوات الماضية بتعدد الدعوات لإجراء استفتاء على تقرير المصير، إذ يتهم سكان الإقليم الحكومة المركزية بالسيطرة على موارد كتالونيا الذاتية دون أن يستفيد منها مواطنو الإقليم شديدو الاعتزاز بثقافتهم المحلية حيث لديهم لغة خاصة ب(الكتلانيين)، ومع ارتفاع موجات اليمين الشعبوي كان لإسبانيا نصيب يتمثل في حزب راخوي المحافظ (الحزب الشعبي) الذي يحوز الأغلبية في المجلس فيما تدعم أحزاب كبرى أخرى جهوده في منع انفصال جزء من البلاد وهو ما قاد إلى أن يعلن الإقليم استفتاء استقلال كتالونيا 2017 والمعروف في إسبانيا تحت مسمى 1-O، هو تقرير مصير إقليم كتالونيا من خلال إجراء استفتاء بدعوة من الحكومة الإقليمية في كتالونيا بتاريخ 1 أكتوبر/تشرين الأول من سنة 2017، السؤال المطروح على الناخبين كان: «هل تريد أن تكون كتالونيا دولة مستقلة في شكل جمهورية؟».تسبب الاستفتاء في نشوء الأزمة الدستورية الإسبانية عندما تم سن قانون من قبل برلمان كتالونيا بعبارات دقيقة يوم 6 سبتمبر/أيلول 2017، ولكن رد المحكمة الدستورية في إسبانيا جاء في اليوم الموالي مؤكداً أن الاقتراع غير قانوني، لكن رئيس إقليم كتالونيا كارلس بوجديمون أكد عزمه على إجراء الاقتراع في وقته المخطط له، مما دفع المحكمة الدستورية إلى إصدار حكم نهائي بعدم شرعية الاستفتاء؛ وذلك في 12 سبتمبر 2017. وفي 20 سبتمبر وضمن إطار عملية أنوبيس، تم توقيف أربعة عشر شخصا من أعضاء الحكومة الكتالونية، مما دفع ما يقارب 10 آلاف شخص إلى الخروج إلى شوارع برشلونة منددين بهذا الإجراء ومتغنين في نفس الوقت بنشيد يعود إلى دكتاتورية فرانشيسكو فرانكو.بعد صدور قرار المحكمة التي اعتبرت هذا الاستفتاء يتعارض مع دستور إسبانيا لعام 1978، قام المدعي العام في المحكمة العليا بكتالونيا بأمر الحرس المدني، الشرطة الكتالونية، الهيئة الوطنية للشرطة ومختلف قوات الشرطة البلدية باقتحام مكاتب الاقتراع الانتخابية للحيلولة دون إجراء التصويت. ومع ذلك تم إجراء الاستفتاء يوم 1 أكتوبر 2017، في ظل مناخ ساده التوتر بشكل كبير، حيث حاولت قوات الأمن الإسبانية إغلاق مراكز الاقتراع. وأسفر تدخل قوات الشرطة عن إصابة 844 شخصا بجروح متفاوتة، نصفهم في مدينة برشلونة فقط. وفي نفس اليوم، صرح راخوي قائلاً «لن يكون هناك أي استفتاء اليوم في كتالونيا». وكانت النتيجة 90.18% مع الاستقلال و7.83% ضد الاستقلال ورفضت الحكومة في مدريد نتائج الاستفتاء وقررت إعادة السيطرة على الإقليم.الآن يستعد الانفصاليون في كتالونيا للرد على الخطوات الجذرية التي اتخذتها مدريد لمنع استقلال الإقليم عبر حل حكومته الانفصالية وفرض إجراء انتخابات مبكرة.وأعلنت الحكومة الإسبانية إجراءات تتضمن إقالة زعيم كتالونيا كارليس بوجديمون وجميع أعضاء حكومته، الذين أثاروا أسوأ أزمة تشهدها البلاد منذ عقود عبر إجراء استفتاء على الاستقلال في 1 أكتوبر.وستسيطر مدريد بموجب الإجراءات المقترحة على وزارات الإقليم، فيما قال بعض المراقبين إن راخوي دفع بإسبانيا إلى المجهول عبر تحركه لانتزاع سلطات الإقليم الذي يتمتع بحكم ذاتي من خلال الاجراءات التي قد تؤدي إلى سيطرة مدريد على جهاز شرطة كتالونيا واستبدال المسؤولين في وسائل إعلامها. كما أثار التحرك غضب الانفصاليين ونزل نحو نصف مليون متظاهر إلى شوارع برشلونة فيما اتهم بوجديمون راخوي بشن «أسوأ هجوم على مؤسسات وشعب كتالونيا منذ مراسيم الديكتاتور العسكري فرانشيسكو فرانكو».وبين الاجراءات القمعية التي اتخذها فرانكو، الذي حكم من 1939 إلى 1975، انتزاعه سلطات الإقليم الواقع في شمال شرقي البلاد ومنعه رسميا استخدام اللغة الكتالونية. ورغم الانقسام العميق في أوساط الكتالونيين بشأن الانفصال عن إسبانيا، تبقى مسألة الحكم الذاتي قضية حساسة في الإقليم الذي يعد 7.5 مليون نسمة ويدافع بشراسة عن لغته وثقافته ويتولى إدارة جهاز شرطته وقطاعي التعليم والصحة.وقال راخوي إنه لا خيار لديه إلا إقالة بوجديمون مع رفض الأخير التراجع عن تهديده بإعلان الاستقلال عقب الاستفتاء الذي اعتبر غير دستوري.وقالت صحيفة «التليجراف» البريطانية إن حكومة كتالونيا المقالة تتجه إلى خوض مواجهة جديدة مع السلطات الإسبانية، وذلك بعد تعهد وزراء كتالونيا بالذهاب إلى عملهم بعد أن عزلتهم سلطات مدريد. وقال أوريول كونكيراس، نائب رئيس إقليم كتالونيا المعزول، في تصريحات نقلتها «التليجراف» إن كارلس بوجديمون هو رئيس الدولة وسيظل كذلك.وفي رده على الاتهامات بأن ما جرى «انقلاب»، قال وزير الخارجية الإسباني ألفونسو داستيس «في حال كان هناك انقلاب، فإنه يصح أن يطلق على ما قام به بوجديمون وحكومته». وقال لشبكة «بي بي سي» التلفزيونية «ما نقوم به هو أننا نتبع بشكل صارم بنود دستورنا».وفي أزمة أثارت المخاوف في أحد أهم الأقاليم الإسبانية من الناحية الاقتصادية وهزت سوق الأسهم، أمر راخوي بإجراء انتخابات مبكرة في غضون ستة أشهر من تاريخ إقرار مجلس الشيوخ الاجراءات، ما يعني أن الاقتراع قد يجري بحلول منتصف يونيو/حزيران كأقصى حد. وهيمنت الأحزاب الانفصالية من جميع الأطياف السياسية، من المحافظين إلى اليسار المتشدد، على البرلمان الكتالوني منذ الانتخابات الأخيرة في 2015، حيث احتلت 72 مقعدا من 135. ويحذر محللون من أن راخوي يواجه تحديا خطيرا بمحاولته فرض سلطة حكومته على الإقليم. وتتضمن السيناريوهات المحتملة رفض الموظفين المدنيين وعناصر الشرطة الكتالونية الانصياع إلى أوامر السلطات المركزية.وقال المحلل خوسيه فيرنانديز-ألبيرتوس لوكالة فرانس برس إن «المشكلة الأساسية تكمن في أنه سيكون على (مدريد) إدارة كتالونيا وسط معارضة جزء كبير من السكان».ولدى سؤاله إن كان سيجري توقيف بوجديمون في حال أصر على البقاء في منصبه، حاول داستيس الطمأنة قائلا ل«بي بي سي» «لن نوقف أحدا» مستبعدا استخدام الجيش لفرض النظام. ولكنه حذر من أنه في حال استمرت حكومة بوجديمون بمحاولة إصدار الأوامر «فسيصبحون متساوين مع أي مجموعة من المتمردين تحاول فرض طابعها التعسفي على أهالي كتالونيا».وتظل قضية استقلال كتالونيا أكبر مهدد للقارة الأوروبية العجوز التي تضج بالأقاليم والمناطق التي تتطلع للاستقلال مثل إسكتلندا في المملكة المتحدة والتي تريد الانفصال حال ما خرجت بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وهناك ميلانو والبندقية في إيطاليا وغيرهما من الأقاليم الأوروبية التي تطالب بالاستفتاء على تقرير المصير وهو ما يهدد وحدة بلدان الاتحاد الأوروبي حال ما نجح إقليم كتالونيا في مساعيه.
مشاركة :